قد نكون تعودنا على حالات زواج الشباب الجزائري من أجنبيات نتيجة عوامل مختلفة من بينها الهجرة لأغراض الدراسة أو العمل، إلا أن هذه الظاهرة باتت معكوسة مؤخراً عندنا. حيث يشهد مجتمعنا ارتفاعًا في عدد حالات زواج فتيات جزائريات من أجانب ومن جنسيات مختلفة كالصين وتركيا، ناهيك عن الجنسيات العربية، الأمر الذي تحول إلى ظاهرة تستحق التوقف عندها. في أحيان كثيرة تدفع قسوة الوحدة المهاجرين إلى اختيار شريك من جنسية مختلفة يساعدهم على التغلب على حنينهم للأهل والبلد، كما يساعدهم في التأقلم مع المجتمع الجديد الذي اختاروه للاستقرار، لكن نجاح هذه العلاقات واستمرارها لا يكون مؤكدا دائما بسبب التباين الشديد في الخلفية الثقافية والنظرة إلى الأمور حتى لو كان الزوجان يدينان بنفس الدين. وهو ما حدث مع الكثير من الزيجات المختلطة بالجزائر وليس كلها فلا يخف على أحد اليوم عزوف نسبة كبيرة من الشباب الجزائري عن الزواج الأمر الذي نتج عنه ارتفاع غير مسبوق في نسبة العنوسة والتي غيرت الكثير من الدهنيات بمجتمعنا. الدين أهم شرط في الإرتباط تقول غنية 37 سنة: »أؤيد وبشدة الزواج المختلط، تجربتي بالزواج من شاب تركي مسلم استمرت لمدة 9 سنوات ومازالت مستمرة جعلتني أؤمن أنه لا فرق بين أبناء البشر، خاصة إذا كانوا من نفس الدين، فالناس متشابهين في الطبيعة الإنسانية والذي يربط بيننا كثير، لكن ربما بعض عادات وأسلوب الحياة تختلف وهذا يمكن أن يزول مع الوقت والعشرة الطيبة وتبادل وجهات النظر. أنا وزوجي سعداء خاصة بعد أن أنجبنا طفلا، ولا أعتقد بأني سأكون أسعد مع رجل جزائري أو حتى عربي، لأن أساس علاقتنا مبنية بالدرجة الأساسية على المساواة التامة بيننا. أهلي لم يكونوا مقتنعين بفكرة ارتباطي بتركي في البداية، لكنهم عندما عاشروه ورأوا كرم أخلاقه اعترفوا أنهم كانوا مخطئين والحمد لله الآن تربط العائلتين التركية والجزائرية علاقة محبة ووفاق. ابني الحبيب يتعلم اللغتين ونحاول أن نجد أسلوب حياة مناسب لنا شخصيا والاختلافات غير مهمة لأن عوامل التشابه بيننا أكبر وأعظم«. سميرة شابة جزائرية متزوج من رجل صيني مسلم منذ أربع سنوات ولها منه ولدان، وذهبت معه إلى بلده أكثر من مرة تقول:»نحب بعضنا وأولادنا يتكلمون العربية ويصلون ويعرفون الكثير عن دينهم، وصراحة زواج الجزائريات من الأجانب كمجربة بعد إنجاب الأطفال يكون فيه نوعا من الهواجس برغم كل الحب، مثلا أنا فكر إذا أنا مت ما مصير أطفالي؟ هل أبوهم سيرحل بهم إلى بلدهم ويتزوج من أخرى وتنقطع علاقتهم بأهلي؟ وهو أيضا عنده نفس الهاجس... أنا شخصيا تناقشت مع زوجي كثيرا في هكذا مواضيع ودائما نصل إلى طريق مسدود لدرجة أننا توقفنا عن الإنجاب وصارت حياتنا مبنية على المخاوف من المجهول برغم أننا سعداء والحمد لله. ونصيحتي للجزائريات أن يفكروا أكثر من مرة قبل الدخول في مثل هذه الزيجات. فيما صرحت صباح:»أؤيد الزواج المختلط لكلا الجنسين مادام هناك اتفاق بين الطرفين فمثلا أنا جزائرية مسلمة أعيش في بريطانيا وتربطني علاقة شريفة مع رجل مسيحي وقد اتفقنا على الزواج بعد أن يعلن إسلامه وهو لم يعارض، برغم معارضة أهلي وتهديداتهم لي ولكن أنا متأكدة من نجاح الزواج وذلك لتقارب مستوى التفكير بيننا برغم اختلاف الدين فعلاقتنا مبنية على أساس التفاهم وليس على أساس الرغبات«. مضيفة» أنا أرى بأن الزواج المختلط شيء عادي إذا وجد الإنسجام بين الزوجين بأي شكل إلا بشيء واحد وهو الدين بالنسبة للنساء المسلمات، لأن الزوج هو المسيطر وهو المؤثر أيضا على الزوجة، وهذا من وجهة نظري لكي لا يؤثر على دينها وترتد عن الإسلام، كما أن زواج المسلمة من غير المسلم لا يجوز شرعا«. الزواج المختلط له سلبيات كثيرة أما منى التي تزوجت هي الأخرى من مواطن أردني، فقد أرجعت سبب زواجها إلى تضاؤل فرص الزواج في المجتمع الجزائري اليوم، وأفادت بأن التعرف على شريك من جنسية مختلفة صار متاحا للجزائريات بسبب ظروف العمل والانفتاح الاقتصادي. وأضافت منى التي تعمل في إحدى السفارات العربية بالجزائر أن تجربة زواجها من أردني أتاحت لها فرصة التعرف عن قرب على الأردن كبلد وعلى الأردنيين وثقافتهم، وأكدت أنها تأقلمت بسرعة مع العادات الأردنية، بالرغم من أن الزواج لم يمر عليه سوى سنتين من عمر الزمن.وأوضحت منى في سياق حديثها أن للزواج المختلط مزايا متعددة منها أن الإنسان يشعر أنه لا ينتمي إلى بقعة واحدة في هذا العالم، بل له ارتباط بأكثر من مكان مما يجعله واسع الثقافة والأفق، لكنها أشارت أيضا إلى وجود نوع من الخوف الدائم الذي يلازم الأبوين عند وقوع الطلاق خاصة عندما يكون الأطفال صغارا، وهو الخوف من احتمال هرب الوالد إلى بلده الأصلي. ويرى الكثير من الجزائريين مانعا في أن ترتبط الجزائرية بأجنبي غير أن نصفهم يرون أنه من المهم أن يكون المتقدم للزواج مسلما عربيا، لكن هناك فئة أخرى ضئيلة جدا لا تتجاوز الواحد من عشرة لا تضع شروطا لهذا الزواج المختلط، أما الغالبية العظمى من الأسر الجزائرية فتفضل الزوج الجزائري على الأجنبي. تتحفظ الكثير من الأسر الجزائرية حول موضوع زواج بناتهم من أجنبي، وحسب دراسة قدمها مركز الإعلام والتوثيق حول حقوق المرأة والطفل »سيداف«، فإن نصف عدد المواطنين البالغين الذين شملتهم الدراسة لا يرضون بزواج الجزائرية من أجنبي، إلا إذا اقترن بشروط ذات طبيعة دينية، كأن يكون المتقدم للزواج مسلما عربيا، مع التركيز أكثر على ديانته وبالمقابل فإن ثلث من شملتهم الدراسة يرفضون رفضا تاما فكرة زواج الجزائرية بأجنبي. من جهتها لا تشجع الأخصائية النفسانية بديعة بن محمد على الزواج المختلط لأن له سلبيات كثيرة، وأضافت أنها لا تفضل زواج الجزائريات بالأجانب أو من رجال من بيئة مختلفة لأن الزواج يعد شركة مبنية على التفاهم ولتحقيقه لابد أن يكون هناك توافق اجتماعي ونفسي وروحي، بالإضافة إلى التوافق الديني والثقافي، وتابعت أن الإنسان وليد بيئته ولابد من وجود توافق بين البيئتين لضمان زيجة ناجحة تتوحد فيها الأهداف والطموحات. وقالت الأخصائية إن نسبة نجاح الزواج المختلط ضئيلة وغالبا ما تكون النتيجة الحتمية هي الطلاق، وأضافت بأن التكافؤ الثقافي والاجتماعي بين الزوجين من أهم العوامل المؤثرة في الاستقرار. مشيرة في نفس الوقت أن التفاهم والحوار والحب قد يمكن الزوجين مختلفي الجنسية من العيش في سعادة واستقرار.أما فيما يتعلق بتربية الأطفال، فقالت بن محمد إن تنشئتهم تعتمد أكثر على مدى فهم الزوجين لبعضهما البعض، وأفادت أن الأمر يتوقف على مدى تمكنهم من التقرب من بعضهم البعض و على فهم بعضهم البعض.