تقدم سلسلة القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة لسكان الجنوب، خاصة تلك المتعلقة بالغاز الصخري جوابا واضحا لأسئلة كثيرة حول نوايا السلطة في هذه المنطقة، والحرص الذي تبديه لضمان أمن البلد الطقوي من جهة ومن جهة أخرى حماية السكان والطبيعة في منطقة بدا واضحا أنها تحولت إلى رهان قوى كثيرة تحاول النيل من أمن واستقرار الجزائر انطلاقا منها، في وقت تتواصل فيه التهديدات الإرهابية التي تستهدف الجزائر وكل المنطقة مع تصاعد خطر تنظيم »داعش«. تدخل رئيس الجمهورية جاء على خلفية تصاعد الاحتجاجات ضد الشروع في الاستكشافات حول الغاز الصخري، بحيث توسعت مساحة الغضب لتشمل العديد من ولايات أقصى الجنوب، بل إن الاحتجاجات التي انطلقت أول مرة من عين صالح التي يتواجد بها أول بئر نموذجي للغاز الصخري، شكلت مصدر »الهام« لبعض القوى حتى خارج البلاد في المغرب وفي فرنسا لتوجيه اتهامات ضد السلطة في الجزائر التي يتم تصويرها على أنها لا تأبه بأمن مواطنيها، وما يهمها بالدرجة الأولى هو ضمان استمرار تدفق الريع، خاصة مع انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية والتي وصلت إلى حدود 47 دولارا للبرميل، وهو سعر يشكل كارثة حقيقية على الجزائر ولا يكفيها لمواصلة المجهود التنموي، بل لا يكفي حتى لتغطية الواردات التي قفزت بشكل جنوني خلال السنوات الأخيرة. لقد أوضح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في اجتماع وزاري مصغر ضم 12 وزيرا ومسؤولا حكوميا بأن »الجزائر لن تبدأ في استغلال الغاز الصخري في الوقت الحالي، وليس وارد في الوقت الراهن«، وقال أن هناك »سوء الفهم للتجارب الأولية في مجال الغاز الصخري، أثار المخاوف سكان المحليين«، وكلف بوتفليقة الوزير الأول عبد المالك سلال بتقديم شرح للسكان في الجنوب الكبير والرأي العام من أجل التوضيح بأن عمليات الحفر التجريبية التي تجري بمنطقة عين صالح ستنتهي في القريب العاجل، وبأن استغلال هذه الطاقة الجديدة ليس وارداً في الوقت الراهن. تدخل الرئيس كان واضحا ومباشرا ويفترض أنه أجاب على كل التساؤلات وأزاح كل المخاوف، لكن يبدو أن بعض الأطراف لا تريد لاحتجاجات الجنوب أن تتوقف، وتسعى بكل الوسائل والطرق إلى إثارة المزيد من القلاقل في هذه المنطقة بدعوى أن السلطة لم تتراجع وتريد فقط ربح المزيد من الوقت، أو الرهان على إقناع سكان الجنوب بأن التقنيات المستعملة في استغلال الغاز الصخري لا تشكل أي خطر على البيئة وصحة السكان. ولما تتحول العاصمة الفرنسية باريس إلى ميدان لانتقاد السلطة في الجزائر وينظم اعتصام ضد الغاز الصخري أمام القنصلية الجزائرية بالعاصمة الفرنسية، وآخر أمام القنصلية الجزائرية بوجدة المغربية، تتضح الحقيقية، وتتجلى أمام حتى أولائك الذين يرفضون أطروحة المؤامرة ويعتقدون بأن كل ما يجري في الجنوب هو بسبب أخطاء الحكومة فقط، وليس له أي صلة بأجندة جهات داخلية أو خارجية تريد جر الجزائر إلى الفوضى والعنف، لكن لنتساءل ما هي الرسالة التي أراد المحتجون في باريس إيصالها، وأي هدف حرك الجمعيات المغربية التي اعتصمت أمام القنصلية الجزائرية بوجدة، هل الوضع بهذا السوء وهل الاستكشافات التي شرع فيها بعين صالح لمعرفة قدرات الجزائر من الغاز الصخري، تستدعي كل هذه الهستيريا التي أصابت قوى خارجية يعرف الجميع أن قلبها ليس لا على سكان عين صالح ولا على البيئة في هذه المنطقة العزيزة على كل جزائري، فهذا أمين عام الأفلان عمار سعداني يشير صراحة إلى وجود سيناريو لنشر الفوضى في الجنوب تحت عنوان الغاز الصخري، وهذا رئيس المجلس الشعبي الوطني العربي ولد خليفة يصرح الأربعاء الماضي أن هناك أطراف تهدف إلى »زعزعة استقرار البلاد و خلق مشاكل بها« وأوضح ولد خليفة في كلمة افتتاحية ليوم برلماني حول موضوع التوقيع و التصديق الإلكترونيين أن الجزائر »ليست دائما في مأمن لا سيما وأنها عانت من كارثة الإرهاب والتخريب بأي وسيلة« مضيفا أن »هؤلاء ليس لهم هدف إلا زعزعة استقرار البلاد و خلق صعوبات وزعزعة الثقة بين الدولة والمواطنين« ويرى ولد خليفة أنه من الطبيعي أن يكون »للجزائر أصدقاء يحبون لها الخير وأعداء يريدون أن تكون بها مشاكل..« المشكل أن احتجاجات الجنوب تتزامن مع وضع أمني غير مستقر في هذه المنطقة ومع تهديدات متزايدة تأتي من دول الجوار، فجولة الحوار الأخيرة لفرقاء مالي التي جرت مؤخرا في الجزائر هي مهمة، ومن شأنها حسب تصريح وزير الخارجية رمطان لعمامرة أن تفضي إلى السلم بعد ستة أشهر أو أقل، ويبقى المشكل الأمني في ليبيا يشكل تهديدا مباشرا لجيران هذا البلد وخصوصا الجزائر التي أعلنت مؤخرا دعمها لجولات الحوار بسويسرا، فالجزائر تظل مؤمنة بأن الحل في ليبيا لا يمكن أن يكون إلا سياسيا وأن الحرب والتدخل العسكري مهما كان شكله سيزيد في تعقيد الوضع في بلد تهدد الحرب وجوده، وقد تحول إلى ارض خصبة لتنامي التطرف وانتشار الدواعش بشكل يهدد كل المنطقة المغاربية ومنطقة الساحل جنوب الصحراء. وكان تنظيم »داعش« قد دعا من اسماهم بأمازيغ الجزائر وليبيا ومالي إلى الانتفاضة ضد حكومات هذه البلدان، وهي رسالة واضحة تكشف في الواقع خلفيات تنظيم أبو بكر البغدادي والقوى التي تقف وراء هذا التنظيم المتطرف، فهي محاولة لاستمالة التوارق وضمهم إلى فروع »داعش« لتسهيل المهمة من اجل انتشار هذا التنظيم في المنطقة المغاربية، وخصوصا في منطقة الساحل جنوب الصحراء التي تعتبر منطقة مهمة لأسباب كثيرة ، أهما ضعف أغلب دول المنطقة وعدم امتلاكها القوة اللازمة لمواجهة »داعش« مستقبلا. وكانت الجزائر قد أكدت على لسان وزير العدل حافظ الأختام الطيب لوح، أن السلطات القضائية قدمت طلبا لنظيرتها المغربية للحصول على معلومات بشان الرعية الذي أوقف منذ أيام قرب الحدود بين البلدين ويشتبه في انتمائه لتنظيم »جند الخلافة«، وأوضح لوح لوسائل الإعلام بمقر البرلمان، »النيابة المختصة التمست من قاضي التحقيق المختص بالملف إصدار إنابة قضائية إلى السلطات القضائية في المملكة المغربية الشقيقة للتعرف أولا على هوية المقبوض عليه وموافاة السلطات القضائية الجزائرية من قبل السلطات القضائية في المملكة المغربية بكل المعلومات«، مؤكدا أن »هذا الالتماس يندرج ضمن التعاون القضائي بين السلطات القضائية الجزائرية والمغربية..« وكانت الداخلية المغربية قد أعلنت مؤخرا عبر بيان لها عن توقيف شخص على صلة بتنظيم »جند الخلافة« الذي اختطف وقتل متسلق الجبال الفرنسي هيرفي غوردال بمنطقة القبائل، وأضاف بيان الداخلية المغربية أنه قد تم العثور بحوزة المشتبه به على كميات كبيرة من مواد خطيرة تقدر ب83 كيلوغراما، إضافة خمس لترات من مادة سائلة، تتكون من »حمض النتريك« و»نترات الأمونيوم« و»الكبريت« و»سولفات البوتاسيوم«، وكلها تدخل في صناعة متفجرات تقليدية، وأنها كانت ستستخدم لتنفيذ مخططات إرهابية وكشفت وزارة الداخلية أن تنظيم »جند الخلافة« تحرك لاستقطاب عناصر متشبعة ب »الفكر الجهادي« من المغرب قصد إخضاعها لتداريب عسكرية بالجزائر، في إطار مشروع مشترك لإعلان »الجهاد« بالدول المغاربية وكذا أوروبا، تماشيا مع »الإستراتيجية التوسعية« لتنظيم "داعش".