وضعت الضربات الجوية التي نفذها الطياران الحربي المصري ضد أهداف لتنظيم الدولة "داعش" في درنة الليبية انتقاما لنحر هذا التنظيم الإرهابي 21 مصريا، أولى معالم التدخل العسكري الأجنبي في بلد تحول إلى أشلاء بفعل المواجهات الدامية التي يشهدها منذ سنوات، تدخل يخدم أجندة دول غربية كثيرة، ويشكل تحديا حقيقيا بالنسبة للجزائر التي أصبحت على خطوات من حرب مفتوحة مرتقبة تفرضها استراتيجيات غامضة لقوى كبرى وتدفع في اتجاهها تنظيمات »جهادية« تبحث عن توسيع جغرافية المواجهة مع الغرب. أثارت بعض القراءات الإعلامية استياء الكثير من المراقبين بسبب ما تضمنته من تحاليل مجانبة كليا للحقيقة، تعكس صورة غير حقيقية عن جاهزية الجيش الجزائري ومؤسساته الأمنية لحماية البلد من أي تهديد مهما كان قد يستهدفه، ويبدو أن البعض لا يقدر على وضع فوارق بين معارضة السلطة ومعارضة الدولة ومؤسساتها، فوجد نفسه يغرف من نفس الإناء الذي ينهل منه أطراف معادية للجزائر، تسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى إضعاف شوكة الجزائر وجرها إلى متاهات العنف والفوضى، فإذا كان صحيحا أن شبح التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا، خاصة بعد الضربات الجوية الانتقامية التي قام بها الجيش المصري ضد أهداف قال أنها لتنظيم الدولة »داعش«، ردا على جريمة نحر تنظيم أبوبكر البغدادي ل 21 مصريا بطريقة شنيعة وبدم بارد، يقلق الجزائر التي طالما رافعت ولا تزال تبذل كل ما في وسعها لتجنيب ليبيا والمنطقة متاهات التدخل الأجنبي الذي كان هو السبب الرئيسي في ما آلت إليه ليبيا اليوم، فإن التدخل العسكري لا يخيفها ولها من القوة ما يمكنها من حماية كل شبر من التراب الوطني. لقد أكدت وزارة الدفاع الوطني إن الحدود الوطنية: »يحميها درع متين« وأن وحدات الجيش، ومختلف قوات الأمن: »بالمرصاد لدحر أي محاولة اختراق« ومستعدة لمواجهة أي طارئ، وقالت الوزارة على موقعها الخميس الفارط ،إن بعض وسائل الإعلام المحلية المكتوبة نشرت، الخميس، مقالات عن »الوضع الأمني السائد في دول الجوار وخاصة في ليبيا الشقيقة، وأن ما يجمع هذه المقالات أنها تتضمن معلومات وأرقام تصب في وادي إثارة الرأي العام وزرع البلبلة«، وذكرت الوزارة أن الحدود الوطنية يحميها درع متين، داعية وسائل الإعلام »إلى تحري الموضوعية والدقة، مراعاة لمصلحة الوطن وتفاديا للوقوع في فخ الدعاية المغرضة..« وجاء ذلك ضمن إطار سعي المؤسسة العسكرية في الجزائر إلى طمأنة الرأي العام بان الحدود محمية والجزائر قادرة على الدفاع عن نفسها أمام كل التهديدات التي تواجهها خاصة في مناطق الجنوب الشرق التي تشهدا تصعيدا غير مسبوق، سواء في ليبيا التي احتدمت فيها المواجهات وصعد تنظيم »داعش« من اعتداءاته التي فتحت الأبواب أمام التدخل العسكري المصري، أوفي تونس التي أعلنت وزارتها للداخلية مقتل أربعة من حرس الحدود التونسيين في كمين استهدفهم في محافظة القصرين القريبة من الحدود مع الجزائر. وجاء في افتتاحية مجلة »الجيش« في عدد فيفري الجاري أن »ضمان أمن الجزائر واستقرار المنطقة يعتمد على محورين أساسيين، أولهما أمني يعتمد على نشر وحدات عسكرية وقوات أمنية مدعمة بكل الوسائل والتجهيزات الضرورية لتأمين الحدود مع دول الجوار، ومنع أي تسلل لعناصر إرهابية وتنقل السلاح«، وأما الثاني فيتمثل في »استعمال الدبلوماسية واعتماد الوساطة التي انتهجتها الجزائر لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة وتحقيق المصالحة الوطنية بهذه الدول والتنسيق والتعاون معها في مجال مكافحة الإرهاب بالتركيز على تبادل المعلومات«، وأضافت أن الجيش الجزائري يواصل مهامه العملياتية في هذه المناطق بعزم واحترافية لتضييق الخناق على الجماعات الإرهابية والحد من تحركاتها وتجفيف منابع تمويلها وتسليحها حتى القضاء النهائي عليها. وتقول أخر التقارير أن الجيش الجزائري قد نشر وحدات جديدة لتدعيم تواجده على طول الحدود الشرقية خاصة مع ليبيا، واستنفرت القوات الجوية كل قطاعاتها في جميع مناطق الوطن مباشرة بعد الضربات الجوية التي نفذها الطياران المصري ضد أهداف قال أنها لتنظيم »داعش« في درنة الليبية، فاحتمال فرار عناصر من تنظيمات إرهابية نحوالجزائر جد قائمة، خاصة في ظل التكهنات التي تؤكد احتمال استمرار القصف المصري لأهداف محددة داخل التراب الليبي بمشاركة وحدات من الجيش الليبي الذي وجد في التدخل العسكري المصري فرصة لترجيح الكفة على الأرض لصالحه. وفق العديد من المختصين في الشأن الأمني والعسكري فإن التدهور الذي تعيشه ليبيا في الآونة الأخيرة، والضغط الذي سيفرض حتما على من يسمون أنفسهم ب »الجهاديين« خاصة بفعل الطلعات الجوية للطيران الحربي المصري، سوف ينعكس سلبا على أمن بعض دول الجوار المباشر لليبيا، من بينها الجزائر التي تتوقع نزوح عدد من المتطرفين نحو مناطق أقصى الجنوب، فيما يرى الكثير من المتتبعين أن احتمال لجوء »الجهاديين« إلى تنفيذ عمليات استعراضية في أقصى الجنوب الجزائري قد تكون اخطر من عملية »تيقنتورين« يبقى جد وارد، وهذا لتخفيف الضغط على المجموعات الإرهابية داخل التراب الليبي وربما لجر الجزائر إلى مستنقع التدخل العسكري في ليبيا الذي ترفضه بقوة وتعارضه من منطلقات مبدئية وموضوعية أيضا يتفهمها الكثير من الدول خاصة في المنطقة على غرار تونس. لقد جدد وزير الشؤون الخارجية، رمطان لعمامرة الخميس الفارط التأكيد على موقف الجزائر الرافض للتدخل العسكري في ليبيا وأوضح أن تزويد أطراف النزاع بالسلاح لا يشجعان الحل التوافقي المنشود، وقال لعمامرة، في ندوة صحفية عقدها بمعية كاتب الدولة البريطاني للشؤون الخارجية والكومنولث فيليب هاموند: »لا نؤمن بالحل العسكري ولا نعتقد أن تصعيد الوضع من خلال التزويد بالسلاح أو إجراءات من هذا القبيل قد يشجع على تحقيق التهدئة للتوصل إلى الحل التوافقي الذي ما فتئنا ننشده« وواصل رئيس الدبلوماسية الجزائرية يقول »في الوقت ذاته نعرب عن كامل تضامننا مع مصر الشقيقة التي ألم بها الإرهاب«، وتشارك بريطانياالجزائر في ذات الموقف حيث عبر وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند عن معارضة بلاده عملا عسكريا في ليبيا، وأضاف »لا نعتقد بأن التدخل العسكري هو الحل لتسوية الأزمة في ليبيا، فكل الجهود المبذولة تهدف إلى تمكين ليبيا من تنصيب حكومة وحدة وطنية تكون فعالة في كفاحها ضد الإرهاب وتمنع تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي من التمركز على التراب الليبي..« كان طبيعيا أن تتحفظ الجزائر عن انتقاد الضربات الجوية المصرية، فالعلاقات بين البلدين في أحسن أحوالها، رغم الاختلافات الملاحظة حول التعامل مع الوضع في ليبيا، ثم إن الضربات الجوية جاءت كرد فعل على جريمة »داعش« بحق رعايا مصريين أبرياء، مع هذا أكدت الجزائر صراحة رفضها للتدخل العسكري في ليبيا، وجددت مطالبها بضرورة مواصلة مسار الحل السلمي في ليبيا، مع العلم أن دعوة القاهرة إلى تدخل عسكري في ليبيا لم يحظ بإجماع عربي أو دولي ناهيك عن رفع الحظر عن بيع السلاح لليبيا. موقف الجزائر من التدخل العسكري في ليبيا هو نفسه الذي طالما دعت إليه الجزائر لحل الأزمة المستشرية في شمال مالي، ويشكل الاتفاق الذي خرجت به الجولة الخامسة من المفاوضات التي احتضنتها الجزائر ، والقاضي بوقف إطلاق النار في شمال مالي، متبوعا بالعديد من إجراءات التهدئة على غرار إطلاق سراح الأسرى من مختلف الأطراف، خطوة عملاقة نحوترسيخ معالم السلم في شمال مالي، خاصة مع تحديد المسؤوليات بدقة في حال حصول تجاوزات في الميدان. لقد عرضت الجزائر من خلال الوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية عبد القادر مساهل في تدخل له خلال المؤتمر الدولي حول التطرف العنيف الذي عقد بواشنطن يومي 18 و19 فيفري الجاري، احتضان ورشة حول مكافحة التطرف كامتداد لأشغال المؤتمر الدولي، وحظيت الجزائر بدعم دولي كبير انطلاقا من تجربتها الطويلة والمريرة في مكافحة الإرهاب والتطرف، ومواقفها المعروفة من هذه الظاهرة التي أصبحت تهدد العالم اجمع، فتحليل الجزائر لظاهرة الإرهاب تقوم على فلسفة واقعية تأخذ بالحسبان أسباب الظاهرة والإستراتيجية الواجب اعتمادها لمواجهتها، حتى لا يتحول الإرهاب إلى وسيلة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول ووسيلة من الوسائل التي تعتمدها قوى كبرى لحماية مصالحها.