للوهلة الأولى، قد تبدو الجزائر في حالة مريحة، فهي لديها احتياطي صرف معتبر، وتنعم ببعض الإستقرار والأمن، والشعب بدأ يعيش بعضا من الرفاه، وحرية الرأي والتعبير بلغت المستوى المعقول، وبدأت الدولة تحظى بمكانة محترمة على الصعيد الإقليمي والدولي، وغيرها من المؤشرات. لكن بعد أن يزول الإنبهار، ونوظف عقولنا بدلا من عاطفتنا، تبدأ العديد من الأشياء تصدمنا، وتولّد في داخلنا كثيرا من التخوفات، فما يحدث في أحزاب الموالاة، وما يحدث داخل الحكومة من تناقضات ومهازل في التسيير، فضلا عن كيفية التعاطي مع ملفات الفساد الثقيلة، يشير إلى أننا نعيش مرحلة »البؤس السياسي«، هذا البؤس سيقود البلاد لتأخذ مقعدا متقدما ضمن الدول الآيلة إلى الفشل، وفي هذا الوقت لا أحد يستطيع التنبؤ بردود فعل الشارع.
بؤس أحزاب الموالاة إن الجزائر تبدو دولة متعددة الأحزاب، لكنها في الواقع دولة بدون أحزاب، نظرا للضعف الفكري والسياسي الذي يميز أحزاب الموالاة وأحزاب المعارضة على حد سواء. ومعظم الأحزاب السياسية تبدو مستقيلة من الشأن العام ومنشغلة فقط بواقعها الداخلي المتأزم والمأساوي، يتمثل في الانشقاقات والمؤامرة على القيادات، وتعطيل المسار السليم لهذه الأحزاب، الذي انعكس سلبا على العمل السياسي في البلاد وجعل المواطنين ينأون بأنفسهم عن العمل السياسي والانخراط في المسار الحزبي النضالي، وهذا يفقد الجزائر مستقبلا بروز كفاءات وإطارات كفؤة وقادرة على تبوؤ المسؤوليات مستقبلا. بؤس الحكومة بدورها الحكومة تبدو في وضعية جيدة، فتصريحات الوزراء كلها تبشر بالفردوس، لكن عندما نرى مختلف القطاعات ونرى التناقضات الموجودة، والخلل في التسيير، لا يمكننا أن نستبشر خيرا. إن قطاع التربية مثلا يعاني معاناة قاتلة، فعندما تكشف الأرقام عن وجود 10 ألاف معلم تعرض للعنف من قبل التلاميذ أو أوليائهم، وأن نحو 40 ألف تلميذ تعرض للعنف في المدرسة، فضلا عن حركة الإضرابات المتكررة، ونتائج التحصيل الدراسي المتواضع، نصاب بالصدمة، ويتأكد لنا فشل الإصلاح التربوي الذي باشرت به الحكومة عام 2003، ما يعني أن الدفعات التي تتخرج هذه السنة، وهي أول دفعات الإصلاح، دليل واضح على البؤس. وعندما نعيش على الوقع الإعلامي لما يسمى »فضائح قطاع الثقافة« حتى وصلت القضية إلى أروقة العدالة، نصاب باليأس. وعندما يبادر وزير التجارة بتحرير تجارة الخمر في بلاد محافظة، ثم يتهم الوزير الأول بأنه خضع لضغوطات التيار الإسلامي بعدما ألغى قرار تحرير تجارة الخمر، لا يمكننا أبدا نستبشر خيرا من هكذا وزراء. وعندما نشاهد أرباب العمل الجزائريين يتحركون بالشكل الذي سيحولهم مستقبلا إلى برليشكوني الإيطالي وميردوخ الأسترالي تتولد بداخلك كل المخاوف على المستقبل. وعندما ترى المؤسسات الأخرى مثل الجماعات المحلية والجامعات ومختلف الإدارات يسيرها "أشقياء وصعاليك" تسقط كل الخطب الرنانة للوزراء وكبار المسؤولين، لأن المسؤولين الذين يحتكون يوميا مع المواطنين هم المؤشر الأول على البؤس الذي يحيط بالدولة والمجتمع. عدالة تفتقد سيف الحجاج في الوقت الذي تجري فيه المحاكمات في مجلس قضاء البليدة، مثل قضية بنك الخليفة وقضية الطريق السيار شرق غرب، وتبقى العديد من الملفات الأخرى لم تتم معالجتها مثل قضية سوناطراك1 وسوناطراك2، هناك عدة قراءات سياسية لهذه المعالجة القضائية، فمن المراقبين من يرى أن تصفية قضايا الفساد، تدخل في سياق ترتيبات لمرحلة ما بعد التعديل الدستوري المرتقب. وهناك من يرى أنها تمهّد لتعديل حكومي جزئي على خلفية تناقضات داخل الطاقم الحكومي خاصة مع وزير التجارة، وعلى خلفية الحملة الإعلامية والسياسية التي يتعرض لها بعض الوزراء كوزيرة الثقافة نادية لعبيدي، ووزيرة التربية نورية بن غبريط. وهناك من يرى أن الحكومة ترغب فقط في طي ملف قضايا الفساد بسرعة، حتى لا تبقى متهمة بالتستر على مسؤولين متورطين، وبالتالي لا ينتظر منها المساس بالشخصيات المتنفذة والتي تكون منبع الفساد الأول، لأن العدالة الجزائرية لا تملك القدرة على الخوض في خبايا الملفات المطروحة أو تجريم مسؤولين متنفذين. وعندما لا تتمتع العدالة بالاستقلالية الكافية لاستخدام سيف الحجاج، فإنه يمكن القول أن طريقة معالجة الفساد هي في حد ذاتها طريقة لتشجيع الفساد. نحو الدولة الآيلة للفشل لايمكننا أن نختلف في أن الجزائر فشلت في محاربة الفساد، وهذا في حد ذاته يقود البلاد إلى دخول نادي الدول "الآيلة للفشل" حتى لا نقول الدول الفاشلة. فعندما يبلغ الفساد مداه، يحدث الانفجار الاجتماعي على طريقة ما تشهده دول الربيع العربي. والمواطنون بينوا مستوى عال من الوعي والنضج، بعدم الالتفاف حول دعاة التمرد على النظام، حفاظا على بلادهم والمكتسبات التي تحققت، لكن يتعين على الحكومة أن تقرأ موقف المواطنين قراءة إيجابية، فالشعب يراقب ويصبر، لكن للصبر حدود.