من سوء حظ مصر ووزير خارجيتها أحمد أبو الغيط أن القاهرة أن كل التصريحات التي تبرر تصفية القضية الفلسطينية تطلق من القاهرة. عندما كانت إسرائيل تستعد لتدمير قطاع غزة وتقتيل سكانه دون تمييز ذهبت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة مجرمة الحرب تسيبي ليفني إلى القاهرة ومن هناك أطلقت تصريحا اعتبر إعلانا رسميا للحرب على قطاع غزة، وبالأمس ذهبت كاتبة الدولة الأمريكية هيلاري كلنتون إلى القاهرة لتقول إن أمريكا تريد من الفلسطينيين والعرب أن يسيروا قدما على طريق التسوية وألا يلتفتوا إلى الماضي، وبحسب كلنتون فإن المطالبة بالحقوق الوطنية الفلسطينية هو من الماضي. في حالة تسيبي ليفني كان هناك إعلان حرب، الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى، فالمقصود كان تدمير المقاومة الفلسطينية تمهيدا لتصفية القضية بشكل نهائي، وكان اختيار القاهرة يحمل رسالة واضحة تفيد أن ما ستفعله إسرائيل يحظى بمباركة العرب ومن ضمنهم سلطة رام الله، وقد كانت المحرقة مروعة ولم يجد من سكتوا على الجريمة أو شجعوا على ارتكابها ما يبررون به مواقفهم. إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما أعطت العرب المتحالفين مع إسرائيل بعض الحجج لتبرير تهافتهم على التسوية دون مقابل، غير أن الإدارة الجديدة سرعان ما فتر حماسها فعدلت مواقفها بما يرضي إسرائيل، فقد تم التخلي عن مطلب تجميد الاستيطان وسلطة عباس ومن ورائها عرب التسوية مطالبون اليوم باستئناف المفاوضات حتى مع استمرار الاستيطان. أكثر من هذا تحدثت كلنتون التي كانت تقف إلى جانب أبي الغيط عن القدس وأراضي 1967 على أنها من الماضي، بل إنها أدخلت حتى مشروع الدولتين الذي اقترحته أمريكا ضمن الماضي وأوحت لمن كانوا يتابعون كلامها أن الوقت قد حان لفرض الأمر الواقع. تسيبي ليفني ارتكبت جرائم حرب من أجل تغيير الواقع، وكلنتون جاءت لتحول الجريمة إلى نصر سياسي من خلال تصفية القضية الفلسطينية عن طريق التفاوض، وفي الحالتين كانت القاهرة هي منبر الإعلان عن الكارثة، والحالتين كان أبو الغيط، وما يمثله من عرب التسوية، يقف في موقع المزكي الذي لا حول له ولا قوة. تلك قرارات النساء، وهذه تزكية الرجال، أو من نسميهم الرجال.