أثارت الاعتداءات الإرهابية الأخيرة التي ضربت تونس، الكويت وفرنسا، كثيرا من الجدل حول طبيعة الاستراتيجيات الواجب إتباعها لمجابهة ظاهرة الإرهاب العابر للأوطان والقارات، وَحى على الجزائر أكثر من أي وقت مضى، تقوية جبهتها الداخلية. في هذا السياق، أشار رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة إلى ضرورة العمل على بناء صرح داخلي قوي وكذا العمل بالتنسيق مع الدول المجاورة لمواجهة الربيع الدموي الذي روج إليه دعاة الفتنة، ولكون الجزائر استطاعت أن تحافظ على استقرارها فإنها تحولت في نظر الخبراء إلى عراب السلم والاستقرار في هذه المنطقة وهذا ما يفرض مرة أخرى السير وفق منطق تنسيق الجهود لمحاربة ظاهرة الإرهاب والنظر إليها كظاهرة عالمية قد تمس أي كيان عبر العالم. لقد كانت الجزائر من الدول الأولى التي عانت ويلات الظاهرة ومرت بتجربة مريرة في التسعينيات جعلتها تقوي جهاز مناعتها لمواجهة أي طارئ وتجاوز عنصر المفاجأة الذي تعتمد عليه الجماعات الإرهابية. وقد لجأت السلطات العليا في البلاد إلى نشر أكبر عدد ممكن من الجنود عبر الحدود مع ليبيا وتونس لوقف امتداد هذه الشبكات الإرهابية، لأن تقوية الجبهة الداخلية تعد أولوية الأولويات، ومن هذا المنطلق كان رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة قد أعلن عن عديد الإصلاحات السياسية ودعا إلى تجميع جهود الأمة لبناء دستور توافقي يؤسس لدولة الحق والقانون ويعمق البعد الديمقراطي الذي تنتهجه الجزائر منذ استقلالها. المحلل أحمد ميزاب: السياسة الأمنية للجزائر مكنتها من تفادي ضربات "داعش" أوضح المحلل السياسي والأمني، أحمد ميزاب، في حديث ل »صوت الأحرار«، أن الجزائر استطاعت أن تتفادى الأسوأ من ضربات داعش وهذا بفضل الإستراتيجية الأمنية المحكمة التي تبنتها منذ سنوات بالنظر إلى خبرتاها في مجال مكافحة الإرهاب، حيث اعتبر أن بلد مثل الجزائر يملك نظرة مغايرة عن تلك المتواجدة عند دول الجوار وهذا ما يفرض على مثل هذه الدول أن تستفيد من الخبرة الجزائرية وتعمل معها في إطار تعاون وتنسيق أمني من أجل تفادي حدوث اعتداءات كتلك التي تعرضت إليها تونس ، الكويت وفرنسا. اعتبر المحلل السياسي أحمد ميزاب في رده على سؤال حول قراءته للأحداث الدموية الأخيرة التي عرفتها كل من تونس، الكويت وفرنسا، أن القراءة الأولى مرتبطة بإشكالية أمنية قائمة على درجة تعاطي تونس مع المعلومات الأمنية من منطلق أن الدولة التونسية كانت تحصلت على تقارير أشرنا من خلالها إلى احتمال وقوع اعتداء امني مماثل لاعتداء الباردو الذي عاشته تونس منذ قرابة 3 أشهر وقلنا كذلك بان شهر رمضان سيكون عصيبا على تونس ولكن مرة أخرى وللأسف، فإن تونس لم تتعاطى بشكل إيجابي مع التحذيرات التي وصلتها. وفي سياق متصل، أكد المتحدث، أن هذا الواقع يفرض على تونس كدولة، ثلاثة تحديات، الأول مرتبط بالوضع الاقتصادي الذي سيشد تقهقرا كبيرا لأن العلمية مست عصب الاقتصاد الوطني وهو السياحة، التحدي الثاني مرتبط بوضع تونس في شبه عزلة جراء ما حدث وربما قد يتم تصنيفها من طرف الدول الغربية في قائمة الدول التي لا يجب زيارتها، أما التحدي الأخير فهو خاص بالوضع الداخلي، إن كانت الحكومة التونسية قادرة على الحفاظ على امن واستقرار هذا البلد في ظل ما حدث وما قد يحدث. وبالتالي، فغن تونس أمام تحدي كبير جدا، لأن لها عدة مقاتلين مجندين في صفوف داعش، كما تعبر هي اضعف حلقة في المنطقة بالنظر إلى إمكانيتها واستراتيجيها الأمنية وكذا حدودها التي لا تزال مفتوحة على الحركة بينها وبين ليبيا وهذا ما قد يساهم في تغذية الجماعات الإرهابية ويزيد من صعوبة التحكم فيها، لا سيما وأن مثل هذه الجماعات تعمد في كل مرة على خطة »الذئاب المنفردة« والتي ما صعب التحكم فيها عادة لتجد تونس نفسها أمام مشهد أمني معقد. وعن قوة داعش، قال الأستاذ ميزاب، إن داعش كما سبق وأن أشرت إليه، اعتمدت أسلوب الذئاب المنفردة وهي بذلك تريد توجيه رسالة قوية تؤكد من خلالها بأنها أصبحت ظاهرة عالمية غير محصورة في رقعة جغرافية معينة، ويؤكد أيضا علنية الدولة وامتدادها بأن متواجدة في كل مكان وزمان، وأنها قادرة على توجيه ضربا في أي لحظة، والخوف في نهاية المطاف ليس من عدد مقاتلي داعش الذي يقول البعض انه يقارب 20 ألف مقاتل أو 30 الفن المشكل الحقيقي في اعتقادي مرتبطة بعدد الأشخاص الذين يؤمون بالفكر الداعشي وهو العدد الذي يفوق بكثير عدد المقاتلين وهذا ما يفتح الباب أمام مقاربة التجنيد أو سهولة تجنيد أشخاص يعملون وينفذون عمليات لصالح داعش وبذلك تصبح لداعش القدرة على التجنيد، التمدد والانتشار وهذا ما يرجعنا مرة أخرى إلى أن الإرهاب أصبح ظاهرة عالمية تقتضي تبني إستراتيجية أمنية شاملة لمواجهتها. ويرى المحلل السياسي والأمني أن الإرهاب بتونس مر بمراحل، الأولى كانت مرحلة التكوين وهذا ما حدث في السنوات الفارطة عندما كانت خلايا إرهابية تتشكل عبر المدن والأرياف، أما المرحلة الثانية فهي مرحلة التمكين وهي مرتبطة باعتداء الباردو لأنه انتقل إلى الفعل وإذا بقيت تونس على هذه الحال فغنها ستتلقى ضربات موجعة وصعبة، لا سيما وأننا سجلنا نفس العملية من الباردو إلى سوسة، وبالتالي فإن المرحلة الثالثة والأخيرة التي قد يصل إليها الإرهاب في تونس هي استهداف المواطنين في الأماكن العمومية عن طريق السيارات المفخخة العمليات الانتحارية وغيرها من الطرق التي تلجا غليها الجماعات الإرهابية، وعليه فتونس، مطالبة بان تأقلم سياسيتها الأمنية مع هذه المستجدات. وردا على سؤال، إن كانت الجزائر في مأمن من هجمات مماثلة كتلك التي تعرضت لها تونس، أكد المحلل ميزاب، أن الجزائر تملك نظرة مغايرة، لأنها خاضت تجربة مكافحة الإرهاب وتدرك تماما أنها أمام إرهاب عابر للحدود وبالتالي يمكن توجيه ضربات وهذا ما جعل الجزائر تستعد لعنصر المفاجأة وتبقى على أهبة الاستعداد لمواجهة أي تهديد أو خطر إرهابي، وهذا ما يعني أنها تمللك سياسية أمنية محكمة وهي تعي كل الوعي أن الإرهاب لم ينته بعد وعليه فالجزائر استطاعت أن تتفادى الأسوأ بفضل هذه الرؤية أو المقاربة الأمنية السياسية المتكاملة التي تبنتها منذ سنوات. وأضاف الأستاذ ميزاب، موضحا أن الجزائر لطالما نادت المجتمع الدولي من أجل التجند لمواجهة ظاهرة الإرهاب وطالبت بوضع إستراتجية عالمية لمكافحتها والعمل على تجفيف منابع الإرهاب، إضافة إلى سعيها للعب دور كبير كعراب للسلم والاستقرار في المنطقة وهذا ما يعين أن هناك حاجة ماسة إلى العمل في إطار التنسيق على مستوى هذه المنطقة، وفيما يتعلق بحدودنا مع ليبيان قال ميزاب، إن الجزائر اتخذت كل الإجراءات الأزمة سواء تعلق الأمر بنشر قوات في مواقع متقدمة أو غيرها من الاحترازات الأمنية لوقف زحف الإرهاب، ولكن يبقى أن مثل هذه الإستراتيجية لا يمكن لها أن تتجسد إلا بحل سلمي في ليبيا يمكن من خلالها قيام دولة وجيش يعمل بالتنسيق مع باقي الجيش بما فيها الجيش الجزائري للتصدي إلى ظاهرة الإرهاب. الفايسبوك يعج بالتنديدات بالهجوم الإرهابي في سوسة رفع جزائريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي »فايسبوك«، تحدي مكافحة الإرهاب تضامنا مع أشقائهم في تونس بعد الهجوم الذي استهدف فندقين بمدينة سوسة وتسبب في عشرات القتلى، مؤكدين أن أمنها من أمن الجزائر وأن كل ما يهدد جيراننا الأشقاء على الحدود يهدد وحدتنا واستقرارنا. مباشرة بعد الهجوم الإرهابي الذي استهدف تونس الجمعة الفارط، أطلق الكثير من الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي، حملة تضامن واسعة النطاق مع الشعب التونسي الشقيق، منددين بآلاف التعليقات بالعمل الهمجي والجبان من قبل الإرهابيين، ورفعوا شعار "أنا تونس" تضامنا مع الشعب التونسي، مؤكدين وقوفهم مع الأشقاء في تونس لمحاربة الإرهاب لاسيما وأن أمنها من أمن الجزائر وأن كل ما يهدد جيراننا الأشقاء على الحدود يهدد وحدة واستقرار الجزائر. كما عجت مواقع التواصل الاجتماعي منذ الهجوم الإرهابي على "سوسة"، بآلاف التعليقات التي تؤكد تضامن الجزائريين مع التوانسة في مصابهم، حيث يلاحظ ذلك خصوصا في الصفحات التونسية على غرار الصفحة الرسمية لقناة "نسمة" على فيسبوك، وكتب أحد المعلقين » أنا كجزايري لا ترهبني هذه الأعمال الجبانة ولن ألغي عطلتي مع أحبابي في تونس الشقيقة"، وكتب آخر "زكارة في لي يكرهو تونس أخوكم من الجزائر.. بعد رمضان نروح لسوسة مع لحباب نتسيح ..تحيا تونس". أما آخر فقال "والله أنا كجزائري أتضامن مع الإخوة التونسيين في هذه المأساة والمعناة التي يعيشونها لأنهم إخوة مسالمين ويحبون العيش في كرامة وأمان ولكن الأعمال الإرهابية لا تعنى أن السياحة سوف تنقص في تونس الخضراء وبعد رمضان سوف نزور بلادنا الثانية والحبيبة تونس الخضرا والخوف فقط من الله والإرهاب لا ينقص من عزيمتنا في زيارة تونس". كما كتب آخر »لا تحزني يا تونس من مغادرة السياح الأجانب.. فالجزائريون قادمون بالملايين بعد رمضان«، وكتب آخر أيضا » الجزائريين كلهم متضامنون مع الشقيقة الحبيبة تونس ولن تخيفنا هذه الأعمال الجبانة.. تحيا تونس وليس أروع من السياحة في تونس الخضراء". وأضاف معلق آخر يدعى عنتر صالحي »ما تخافوش.. غير يكمل رمضان يجو الملايين من خاوتكم الدزيرية وأنا أولهم «، وكتب جزائري آخر تعليقا يحمل تحديا كبيرا جاء فيه »زحف 40 مليون جزائري بعد رمضان نحو الجارة تونس.. نحن سياح في وقت الفرح وفي وقت شدة رانا خاوتكم وبلادكم هي بلادنا وبلادنا هي بلادكم.. يد وحدة في وجه الدواعش الجبناء. عيون يقظة على الحدود وإصرار على دحر بقايا الإرهابيين يثبت الجيش الوطني الشعبي يوميا تجربته الرائدة في مجال مكافحة الإرهاب في ظل التهديدات الأمنية على الحدود الممتدة على آلاف الكيلومترات، كما يقوم بواجبه الوطني المتمثل في الحفاظ على السيادة الوطنية على أكمل وجه. برهن الجيش الوطني الشعبي في الآونة الأخيرة أن عيونه يقظة وساهرة من أجل حماية الحدود والسيادة الوطنية ومنع تسلل الإرهابيين في محيط يتسم بالاضطراب الكبير خاصة على الحدود الشرقية والجنوبية الممتدة على آلاف الكيلومترات، حين اعتبر في افتتاحيته للشهر الحالي أن " الإصرار والتفاني الذي يتحلى به الجيش الوطني الشعبي في القيام بمهامه بكل انضباط وعزم, كان له الدور الفاصل في هذا المجال حيث تمكن خلال الآونة الأخيرة من القضاء على عدد معتبر من الإرهابيين الخطرين واسترجاع كميات كبيرة من الأسلحة الحربية وأغراض عسكرية مختلفة". وتعكس افتتاحية مجلة الجيش الإستراتيجية التي رسمتها المؤسسة العسكرية للقضاء على ظاهرة الإرهاب التي تطورت وأصبحت عابرة للحدود والأوطان، ومن منطلق أن الظاهرة تشكل تهديدا حقيقيا للدول والشعوب على المستوى الإقليمي والدولي، أكدت الافتتاحية أن الجزائر»كانت سباقة إلى التحذير وباستمرار من خطورة الأوضاع والتهديدات المحتملة وتمكنت من اكتساب خبرة طويلة في ميدان مكافحة الإرهاب وأصبحت تتحكم بشكل فعال في التصدي للإرهاب والجريمة بفضل الاستغلال الأمثل للمعلومات والتنسيق بشكل وثيق مع مختلف الأطراف، لاسيما إقليميا، مما مكنها من السيطرة على حدودها وأراضيها والحفاظ بالتالي على الأمن والاستقرار الداخلي. وأبدى الجيش الوطني الشعبي التزامه واستعداده وتحليه باليقظة والاحتراس وعاقد العزم على العمل "دون هوادة" لإحباط كافة محاولات تسلل المجرمين عبر الحدود الوطنية والقضاء النهائي على ما تبقى من الإرهابيين، مبرزا الجهود الجبارة من أجل الحفاظ على السيادة الوطنية وحماية الحدود، الذي اعتبره "واجبا وطنيا نابعا من صميم المهام الدستورية لقواتنا المسلحة«. وفي كل مناسبة تذكر المؤسسة العسكرية بالمرحلة التي عاشتها الجزائر في مكافحة الإرهاب على المستوى الداخلي و»التضحيات الجسام التي قدمتها والتي بذلها أبناؤها من الجيش الوطني الشعبي وقوات الأمن والوطنيين المخلصين لهذا الوطن حفاظا على أمانة الشهداء لتبقى الجزائر حرة ديمقراطية".