تُشير الأرقام الاقتصادية الرسمية وتحليلات جل الخبراء، أن الجزائر تسيير رويدا نحو مواجهة أزمة اقتصادية حقيقية وهو ما يتجلى من خلال الانخفاض المستمر لأسعار النفط والتدهور المتواصل لقيمة الدينار والعجز الذي تُعاني عديد المؤسسات الاقتصادية إضافة إلى ضخامة فاتورة الاستيراد وضعف الصادرات خارج المحروقات وغيرها..وضعية تدفع إلى التساؤل حول ما إذا كانت الإجراءات والقرارات التي اتخذتها الحكومة منذ شهر ديسمبر الماضي بما في ذلك تلك التي تضمنها قانون المالية التكميلي كافية للخروج من هذا الوضع الاقتصادي الصعب أم الأمر يتطلب وضع إستراتيجية اقتصادية جديدة كفيلة بتحقيق النمو المرغوب فيه. كل المؤشرات الاقتصادية تُنذر بقدوم أيام عصيبة على الجزائر، فأسعار البترول لا تزال تتجه نحو المسار التنازلي، بحيث بلغ الخام الأمريكي أمس 41.52 دولار للبرميل، مسجلا تراجعا ب 35 سنتا وهو أدنى سعر له منذ أوائل 2009، نفس الشيئ بالنسبة لسعر البرنت الذي تراجع إلى 48.39 دولار، يُضاف إلى ذلك التدهور المستمر في قيمة الدينار وتسجيل الميزان التجاري لعجز قارب ال8 ملايير دولار خلال السداسي الأول من السنة الجارية، مع تراجع رهيب في مخزون صندوق ضبط الإيرادات واحتياطي الصرف. هذه الأرقام وغيرها تجعل الحكومة أمام ضرورة الاستعجال في تجسيد القرارات التي اتخذتها لغاية الآن والتي يرى المختصون أنها تستدعي ضرورة اتخاذ إجراءات أخرى تكون أكثر فعالية وبعيدة عن أي تردد، ولا يُمكن الحكم طبعا على هذه الإجراءات لغاية مرور سنتين على الأقل، خاصة وأن بوادر بعض الإجراءات بدأت تأتي بنتائجها »غير الكافية« كتراجع فاتورة الاستيراد خلال السداسي الأول من السنة الجارية بنسبة قاربت 10 بالمئة، وهي نسبة يراها الخبراء غير كافية باعتبار أن وضع البلاد الاقتصادي يتطلب عدم تجاوز هذه الفاتورة ل 30 مليار دولار سنويا. ولا يتردد بعض الملاحظين في وصف الإجراءات المتخذة من قبل السلطات الرسمية بالإيجابية والفعالة، لكنها، برأيهم، تتطلب الوقت الكافي والجدية التامة في تطبيقها، كالعمل تجاه استرجاع السوق الموازية وإدخالها في إطار رسمي مما سيُوفر للاقتصاد الوطني أموالا معتبرة، قدرتها الحكومة ب40 مليار دولار، في هذا السياق، باشرت مصالح الضرائب مع بداية شهر أوت الجاري تطبيق قرار الإعفاء الضريبي على ما يُسمى أموال »الشكارة«، يُضاف إلى ذلك إجراءات »ترشيد النفقات« التي ستُوفر بدورها ملايير الدولارات بالنظر إلى عدد المشاريع قيد الانجاز وتلك التي لم تنطلق بعد، ناهيك عن الإجراءات المتخذة للنهوض بالإنتاج الوطني بصفة عامة والعمل على جعله على رأس قائمة المواد المستهلكة، وتنويع الاقتصاد عبر قطاعات السياحة والصناعة والفلاحة وهي أهم القطاعات القادرة على تعويض قطاع المحروقات. وفي وقت يُرافع فيه البعض لصالح ترك الفُرصة لتطبيق البرنامج المُعد من قبل الحكومة التي، يقولون، أنها تلقت درسا لا يُنسى، سيما وأن البرنامج قادر على تجاوز الأزمة في حال النجاح في تطبيقه، يرى البعض الآخر أن الجزائر »في حاجة ماسة لاستراتيجية اقتصادية حقيقية لتحقيق النمو« معتبرين »الإجراءات المتخذة كالحد من فاتورة الاستيراد وترشيد نفقات التجهيز لا تسمح إلا بريح بعض الوقت وفقط« وعليه فما يجب فعله »هو إصلاحات هيكلية ودعم الاستثمار المنتج عبر وضع تنظيم اقتصادي فعال بمؤسسات رابحة منتجة«. وتتوفر الجزائر برأي عديد الخبراء على إمكانيات هامة لمواجهة هذه الأزمة التي اتضحت معالمها بشكل جلي، فإضافة إلى القطاعات الإستراتيجية المذكورة أعلاه كالفلاحة والسياحة والصناعة والطاقات المتجددة بمختلف أنواعها، توجد في راحة من أمرها فيما يتعلق الديون الخارجية التي تفطنت وسددتها مع مطلع الألفية الثانية وكذا إنشائها لصندوق ضبط الإيرادات الذي وإن كان خسر 1000 مليار دج منذ سنة 2014 إلا أنه مكن من منح الوقت لتفادي السقوط الحر، نفس الشيء بالنسبة لاحتياطي الصرف.