جزء مهم من الخطاب الرسمي يدور حول الوضع الاقتصادي، وإلى حد الآن لم يفتح نقاش حقيقي حول حقيقة الآثار التي سيتركها انخفاض أسعار النفط على الوضع العام للبلاد، أما الحديث عن البدائل المطروحة على الحكومة فيتلخص في تكرار ما سمعناه منذ سنوات عن ضرورة تنويع الاقتصاد والتحرر من التبعية لأسعار البترول دون أن نبلغ هذا الهدف أو نتقدم في اتجاهه خطوة واحدة. المخاوف التي تنتاب الحكومة من تدهور الاقتصاد يتم الرد عليها بإطلاق مزيد من التصريحات لطمأنة الرأي العام، فخلال الأيام الماضية تكررت تدخلات الوزراء التي تؤكد أنه لا مجال للمقارنة بين الوضع القائم اليوم وما جرى في منتصف ثمانينيات القرن الماضي عندما أدى انهيار أسعار النفط سنة 1986 إلى أزمة اقتصادية كبرى أفضت إلى احتجاجات الخامس أكتوبر وما تبعها من مآسي.، ولا يمل الوزراء من القول أيضا إن الجزائر ليست مضطرة إلى الاستدانة في الظرف الحالي. كل هذه التبريرات تعكس حالة من الغموض في الرؤية، فالاستدانة في حد ذاتها تعتبر من الخيارات المطروحة لتمويل التنمية، وهي لا تعبر بالضرورة عن الفشل الاقتصادي، والمشاريع الكبرى يمكن تمويلها من خلال قروض من مؤسسات مالية دولية، والأهم هو أن تكون المشاريع مجدية اقتصادية، ويؤدي تنفيذها إلى تحقيق قيمة مضافة من خلال استحداث مناصب شغل جديدة، وخلق الثروة مع كل ما يتبع ذلك من آثار إيجابية على مستوى الاستثمار. القراءة التي تقدمها الحكومة للاستدانة يغلب عليها الطابع السياسي، وهي تستند إلى تلك الرؤية التي بررت تسديد الديون الخارجية في السنوات الماضية، في حين أن خبراء جزائريين وأجانب اعتبروا أن الديون لم تكن تشكل أي تهديد للتوازنات المالية وأنه كان بالإمكان تسييرها واستثمار تلك الأموال لخلق الثروة بدل التسديد. إن التركيز على المؤشرات الاقتصادية الكلية شكل منذ البداية خللا في الرؤية، وقد حول الاقتصاد إلى مجرد أرقام صماء توحي بتعافي الاقتصاد الوطني في حين أن آثار تلك العافية لم تكن ملموسة على أرض الواقع، وقد يكون الأولى اليوم تصحيح الرؤية قبل الحديث عن أي إجراءات عملية لمواجهة آثار انخفاض أسعار النفط.