تحرص الرواية البريطانية (آغاتا كرستي) في حل عقدة رواياتها البوليسية على اثارة السؤال التقليدي: من المستفيد من الجريمة؟ فالجريمة سواء تعرض لها فرد بعينه أو جماعة من الناس لا بد وأن يقف وراءها دوافع، والأكيد أن المجرم يلجأ إلى كل طرق التمويه والتعمية على كل ما يمكن أن يدل عليه، وأولى خطوات التحقيق الجاد في الجرائم تبدأ بتضييق دائرة المشتبه فيهم بإعمال هذا السؤال الذهبي: من المستفيد من الجريمة.؟ ولأن علماء المنطق من قديم الزمان قد قرروا أن لكل منطوق مفهوم، فمهوم هذا السؤال بداهة هو من المتضرر من الجريمة؟ وإذا حاولنا تنزيل هذه القاعدة وما يقابلها منطقيا على الجريمة التي حدثت في باريس، فإننا نقف أمام مشهد عبثي، فالتنظيم الإرهابي الذي يسمى داعش، وهو تنظيم لحد الساعة هلامي، ولد كبيرا ومنظمًا ومسلحًا ويملك تقنيات تفوق ما تملكه دول، هذا التنظيم سارع فيما نقلته وسائل الإعلام إلى تبنى هذا الترويع في بيان مكتوب؛ وظاهر المر أن هذا الداعش مستفيد من الجريمة بحسب منطق يبيح له القتل والترهيب والترويع، وممارسات أخرى كانت البشرية تظن أنها قد أصبحت من نوادر التاريخ. وإذا تجاوزنا الترويع الذي حدث على مسرح الجريمة، وتداعياته المحلية في فرنسا و أوربا، وأعدنا طرح السؤال: من المتضرر من الجريمة، ومن كل الجرائم التي تقع تحت بند الإرهاب في العالم؟ الجواب أننا لا نخطي العنوان فالمتضرر هم المسلمون عامة والمسلمون وحتى غير المسلمين من العرب، فعلى كل فرد منهم في نظر العالم الآخر أن يثبت أنه بريء من ذنب لم يقترفه، ومن نمط تفكير هو أول ضحاياه في بلاده. والتساؤل المؤرق في مثل هذه الحال، هو لماذا يصر بعض الغربيين من سياسيين وإعلاميين على ترسيخ هذا النمط من التفكير وتعميمه بين الغربيين جميعًا، والذي يقضي بأن ترسخ صورة نمطية لإنسان الشرق العربي والمسلم أنه إرهابي بهويته، أو أنه مشروع كامن للإرهاب؟ إن تكرر هذه الظاهرة إلى درجة مخيفة، حيث أصبح هناك ما يشبه التلازم بين ما يقع من حوادث وأعمال ترويع جماعي يشمل كل البشر في هذا الجناح من العالم، ألا يدفع بنا ذلك إلى طرح تساؤل آخر أن أطرافًا أخرى داخل الغرب نفسه تتماهى مع هذه الحوادث، والتماهي هنا لا يقصد منه بالضرورة أن هذه الأطراف تقف وراء تنفيذها، بل بتوفير أسبابها وشروط وقوعها. إن الأداء الإعلامي في رصد وتحليل تداعيات مثل هذه الحوادث مخيف، ويدفع في أغلبه إلى استعداء جمهور الغربيين ضد كل ما هو عربي ومسلم، ويثير داخل النفوس أحقاد في جهة وشعور بعدم الاطمئنان من جهة أخرى، أو لنقل إن الترويع الآخر الذي يقابل حوادث الإرهاب ترويع جماعي. ألم يكن بمقدور ذلك الإعلام، أو بعضه على الأقل، التركيز على حالات الرفض والاستياء الواضح عند عموم العرب والمسلمين لهذا المسلك الذي ترفضه شريعتهم الدينية، تماما كما ترفضه الفطرة الإنسانية؟ المؤكد أن الغرب ليس واحدًا، كما أن الشرق ليس واحدًا، فالخير والشر، والحقد والتسامح، والاعتدال والتطرف في كل مكان وهو مشاع بين بني البشر، فلمَ يحَّمَل أبرياء أوزار ذنب لم يرتكبوه، وجرم لم يرضوا به؟ إن كل حديث في هذه القضايا، يستثني الوقوف المتأني عند هذه الأسئلة لن يخدم مسيرة البشرية في اتجاه التعايش وتحقيق الأمن، وكل تطرف لابد وأن يثير في وجدان ضحاياه تطرف آخر، فإلى متى تكسر هذه الدورة العبثية؟