اختارت السعودية أن تقطع علاقاتها مع إيران، وتبعتها البحرين، وتضامنت معها الإمارات العربية المتحدة بتخفيض درجة تمثيلها الدبلوماسي في طهران، ونصح الأمريكان دول المنطقة باتخاذ إجراءات لتخفيف التوتر، وقبلها كانوا قد أبدوا مخاوفهم من أن يؤجج قرار إعدام الشيخ نمر باقر النمر التوتر الطائفي في المنطقة. صحيح أن اعتداء المتظاهرين على مقر سفارة السعودية في طهران، والقنصلية في مشهد، غير مبرر، ويعتبر تجاوزا للقانون الدولي وللأعراف الدبلوماسية، لكن الرد بقطع العلاقات الدبلوماسية لا يبدو استجابة منطقية في مستوى ما جرى، بل إن القرار السعودي بإعدام نمر النمر بدا وكأنه يتعمد دفع الأوضاع إلى نقطة اللاعودة. كيف يمكن تفسير هذا الإصرار على القطيعة مع إيران في وقت تسعى فيه تركيا إلى ترميم علاقاتها بإسرائيل ؟ لعل الإجابة على السؤال تتطلب قراءة السياسة السعودية خلال الفترة الأخيرة على ضوء تغير السياسات الأمريكية في المنطقة، فقد أثمرت سياسات إدارة أوباما التي تهدف إلى تقليل التورط الأمريكي المباشر في الشرق الأوسط اتفاقا نوويا مع إيران عارضته بشدة إسرائيل والسعودية، ويبدو أن ما يجري الآن سينتهي ببناء التحالف الجديد بين السعودية وإسرائيل وتركيا، والذي يهدف إلى احتواء إيران، وقد يقف الأمريكان وراء هذه القوى الإقليمية من أجل إحكام الحصار على روسيا. لقد حرضت السعودية، وبعض الحكومات الخليجية، الكويت خاصة، صدام حسين على محاربة إيران مباشرة بعد انتصار الثورة الإيرانية، ودفعوا أموالا طائلة لتستمر تلك الحرب ثمانية أعوام، ونفس تلك الأطراف مولت حربين أخريين ضد العراق انتهت بتدميره واحتلاله، وبعدها أصروا على عسكرة الاحتجاجات في سوريا، وهم يدفعون للمعارضة المسلحة، وتورطوا عسكريا في اليمن في حرب يبدو أنها ستطول أكثر مما توقع من أطلقوها، وكل هذه الأفعال يتم تبريرها بمواجهة النفوذ الإيراني. إيران قوة إقليمية، وهي حقيقة ثابتة في المنطقة، والتجربة التاريخية أثبتت أن احتواءها أو تدميرها عن طريق القوة العسكرية أمر غير ممكن، وهذه حقيقة أدركتها القوى العظمى وأعادت تكييف سياساتها على أساسها، وسيكون من الغباء السير على طريق المواجهة التي ستدفع ثمنها شعوب المنطقة.