أزالت الكاتبة والصحفية المصرية حورية عبيدة اللثام، عن عدة قضايا تعرفها الساحة العربية الثقافية، ناهيك عن الوقع الذي تعيشه مصر هذه الفترة الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير، التي وصفتها ب « المجيدة» وكما تحدثت الكاتبة في حوار جمعها ب "صوت الأحرار" "عن ما أل إليه القارئ المصري المثقف نتيجة الآلام والمصائب التي يكابدها ويقبض على جمرها إذ تبدلت أولويات الاهتمامات، وقالت أن "المثقف لم يعد من ذوي الحُظوة في مجتمعه ولا يتبوأ مكانتة الاجتماعية اللائقة، وكذا الإغداق على المهرجانات الغنائية والراقصة". كما ثمنت صاحبة "ترنيمة عشق" التجربة الرائدة لأم الدنيا والمتمثلة في" مكتبة الأسرة " و"مهرجان القراءة للجميع"، مما أدى إلى إعادة طبع الكتب بل وأمهات الكتب بأسعار زهيدة في متناول محدودي الدخل، وكذا "سُوْر الأزْبَكِيّة" الذي قالت عنه أنه يقوم بدور رئيسى في تلبية احتياجات الكثيرين ولو بالكتب القديمة التي يبيعها البعض بعد قراءتها. بداية الساحة العربية مؤخرا، عرفت فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب؛ كيف وجدتم هذه التظاهرة هذه السنة؟ ينتابني دوما فرحٌ خاص؛ وانا أخطو نحو العُرس السنوي للثقافة المصرية، أتذكر أحمد شوقي أمير الشعراء وهو يقول: "انا من بدّل بالكتب الصحابا ... لم أجد وافيا إلا الكِتابا..." فالمعرض يُعد أكبر احتفالية ثقافية على مستوى العالم العربي كله، تقصده أعداد كبيرة من المبدعين والمفكرين ودور النشر والقراء؛ مما يعطيه زَخْما وتميزا واضحا، ولعل شعار"الثقافة في المواجهة" الذي كلل المعرض هذا العام؛ دليل وعي وإصرار الثقافة والمثقفين على أن يتبوأوا دورهم في تشكيل الوعي، والذود عن الهوية الوطنية مما حاق بها من ضيم، ورسالة واضحة تؤكد على قضايا الانتماء والاستنارة وحرية الإبداع وتحرير العقل ومقاومة الإرهاب والتطرف، المعرض مُبهِر من حيث تنوع فعالياته واهتماماته وعناوين آلاف الكتب التي حواها، والكم الهائل من الندوات والأمسيات والمقاهي الثقافية في مختلف فروع الثقافة والأدب والمعرفة، وكان موفقا بشدة في اختيار شخصية العام وهو المؤرخ والكاتب المصري جمال الغيطاني، وكذا الاهتمام برموز الاستنارة نجيب محفوظ وطه حسين، والاعتناء الواضح بعرض سِيَر كُتاب عالميين وشعراء عرب وطرح مشاكل الثقافة والمثقفين والصوفية وتجلياتها في الرواية والشعر العربي بل والعالمي، ومناقشة العديد من الكتب المترجمة، والعروض الفنية والسينمائية والمسرحية، وورش العمل خاصة الموجهة للأطفال، وكان للشباب خَلاقٌ وافر من المشاركة الفعالة بعناوين جديدة في الرواية والشعر والإنسانيات، والعديد من العروض الفنية والتشكيلية وغيرها، مما أضفى على المعرض الكثير من روح التفاؤل والثقة في شبابنا. احتفلتِ بتوقيع كتابك "ترنيمة عشق" كتجربة أولى؛ حدثينا عن التقائكم بالجمهور المصري. قالوا "الجمهور يمنح المجد للروايات"، وأقول بل يمنح المجد للكلمة النبيلة والحرف الهادف، حتى وإن زَبُد السطح فحتما سيذهب جُفاءً؛ تلك سنة كونية، التقيت بالجمهور المصري ليس في معرض القاهرة وحده؛ بل سبقه معرض الشارقة الدولي للكتاب بدولة الإمارات، ومعرض بيروتبلبنان، نظرا لوجود نسبة كبيرة من المصريين في هاتين الدولتين، أما معرض القاهرة؛ فكان له مذاق خاص، فإحساس ماتِع أن تكوني في وطنك بين الأهل والأحبة والأصدقاء؛ خاصة بعد الغياب عن أرض الوطن؛ نظرا لإقامتي مذ سنوات بدولة الإمارات،ولقد استُقبل كتابي بحفاوة فائقة رغم ما يقال دائما عن عزوف الكثيرين عن القراءة، ولكن كما قلت لك آنفا؛ فالجمهور مايزال يحتفظ بذائقة جيدة تجعله يُفرِّق بين الغَث والسمين، والجمهور المصري خاصةً بحضارته ووعيه وثقافته الضاربة بجذورها مذ فجر التاريخ وتنوعها على اختلاف الحضارات التي احتواها وأعطاها هو نكهته المصرية الخاصة؛ كل ذلك يجعل فرحة النجاح الحقيقية وسط الجمهور المصري لا يضاهيها إحساس آخر... هذا من ناحية؛ومن ناحية أخرى؛ فدائما عيوننا على القارئ والتطورات التي تطرأ عليه، فالقارئ اليوم ليس لديه الوقت الكافي للقراءة،تزامنا مع الغزو الرهيب للفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي،لذا أرى دائما أن الكتب الكبيرة الحجم والروايات الطويلة؛ يقل جمهورها شيئا فشيئا؛ كما أن الأسلوب الجاف في الكتابة يُنفِّر القارئ، ومع المعاناة والآلام التي يعيشها إنساننا العربي؛ نجده يُقْبِل على القصص والروايات الرومانسية التي تخاطب المشاعر والأحاسيس الإنسانية الراقية التي يفتقدها. فإذا نظرتِ إلى كتابي « ترنيمة عشق» تجدينه من القَطْع المتوسط؛ يقع في 216 صفحة؛ مقالاتي قصيرة لا تزيد عن صفحتين أو ثلاث؛ غالبا تبدأ على هيئة قصة قصيرة بأسلوب أدبي خاص يقف على شطوط الشعر كما قال لي العديد من الشعراء؛ يحوي ثمانين فكرة؛ لا يُشترط قراءتها بالترتيب.. ويأتيني على بريدي الخاص ردود أفعال طيبة عن موضوعات الكتاب وأسلوب الكتابة؛ بل اتصلت بي عدة دور للنشر تطلب حق إصدار طبعته الثانية؛ وكثيرون يستعجلونني لإصدار الجزء الثاني، وقامت بعض الفضائيات بتسجيل عدة لقاءات معي حول موضوعاته، كما نَشَرت عنه العديد من الصحف المصرية والعربية، وأعتقد أن كل ذلك ساهم في نجاحه، وقد استقبله الجمهور بقبول حَسنٍ فاق توقعاتي وتوقعات دار النشر ذاتها، وهذا فضل من الله. . وحقيقة أنا مَحْبورة ومُمتنّة لجمهوري المصري. هل ما يزال القارئ المصري شغوفاً بالقراءة واقتناء الكتب؟ كلنا في الهم شرق؛ بمعنى أن القارئ المصري حاله حال القارئ العربي بصفة عامة؛ فنتيجة الآلام والمصائب التي يكابدها ويقبض على جمرها، تبدلت أولويات الاهتمامات، فصار المَسكن الآَمِن والملبس والمأكل والتعليم يتقدمان على غذاء العقل بخطوات وسيعة، بالإضافة إلى مئات القنوات الفضائية وتركيزها على البرامج الترفيهية والفنية، والنَّزْر اليسير من البرامج الثقافية؛ واستحواذ عالم التقنيات «النت» على البقية الباقية من وقت فراغه، وانهيار المنظومة التعليمية وتركيزها على الحفظ والتلقين وإهمالها لأهمية البحث والاطلاع كمصدر من أهم مصادر المعرفة، كما أن المثقف لم يعد من ذوي الحُظوة في مجتمعه ولا يتبوأ مكانتة الاجتماعية اللائقة، وكذا الإغداق على المهرجانات الغنائية والراقصة، وانشغال الآباء بلقمة العيش فلم يعد لديهم الوقت لغرس القيم التربوية في نفوس أبنائهم ومنها قيمة القراءة كما كان يفعل أهلونا، كل ذلك وغيره من العوامل أثرت دون ريب على القارئ المصري والعربي وعزوفه عن القراءة بصفة عامة. ومع ذلك فلدينا في مصر تجربة رائدة هي"مكتبة الأسرة" و"مهرجان القراءة للجميع"، مما أدى إلى إعادة طبع الكتب بل وأمهات الكتب بأسعار زهيدة في متناول محدودي الدخل، وكذا "سُوْر الأزْبَكِيّة"الذي يقوم بدور رئيسى في تلبية احتياجات الكثيرين ولو بالكتب القديمة التي يبيعها البعض بعد قراءتها، وفي عالم التقنيات؛ أرى مجموعات شبابية كثيرة يقوم أحدهم بقراءة كتاب ثم عرضه علي الأعضاء وكأنهم اشتروه، وبذلك تصبح النتيجة أن يقوم العضو بشراء كتاب واحد كل عدة أشهر؛ بينما كل يوم يقرأ ملخص عدد هائل من الكتب من زملائه في المجموعة.. عِلاوة على عَرْض الكتب الكترونيا؛ ساعد كل ذلك القارئ على الحصول عليه مجانا،وفي معرض القاهرة لاقت مطبوعات هيئة الثقافة المُخَفَّضَة الثمن رَواجاً هائلا... إذن الحال ليس سيئا للغاية، بل تَرَدِّي الوضع الاقتصادي هو ما يلقي بظلاله على مسألة اقتناء الكتاب.. وبالمناسبة نفس الوضع ينسحب تماما على دول الخليج العربي. ماذا تناول كتابُكِ "ترنيمة عشق" في صفحاته ال 216 من موضوعات وقضايا؟ الكتاب يضم 80 قضية تهم المواطن العربي، وأنا أُسميها 80 ترنيمة عشق، فهي تترنم بعشق الوطن والحياة والذات الإنسانية؛ وقت نبحث داخلنا عن الصفات الخيرية التي خلقها الله حين نفخ فينا من روحه... يتناول الكتاب قضايا وهموم إنساننا العربي؛ وتمزقه السياسي والطائفي والمذهبي والعرقي، خاصة في العراقوسورياولبنانوفلسطين واليمن ومصر وليبيا، ويُلقي الضوء على "إعلام الوَهن" الذي صار ينزف قبحا كل يوم، ويهدر القيم والمثل، ويؤدي لإزكاء النعرات والانقسامات، ويقدم لنا وللعالم الخارجي صورة تتنافى مع ثقافتنا وديننا وقيمنا، ويولي الكتاب اهتماما خاصا بالمثقفين وقضاياهم والذين لم يعُد يُؤخذ برؤاهم، وتجاهلتهم مجتمعاتنا، وكأنها تدعوهم للتَصَحُّر العقلي والفكري؛ في مقابل ترك الساحة والمنابر ليعتليها جهلاء العقول والقلوب علماء اللسان فقط. وللشباب نصيب من ترنيماتي؛ فدائما أراهن على وعيهم بقضايا الوطن، وبالعدو الحقيقي المتربص والمستفيد من خلافاتنا، أناديهم لينفضوا عن كواهلهم جبال الهموم التي حُمِّلوها دون جَريرة منهم ولا ذنب، أدعوهم للتفاؤل والتشبث بالأمل في غدٍ أكثر إشراقا، وأنتصر للمرأة وقضاياها وصورتها غير الأمينة في فضائياتنا، فالمرأة العربية الصبورة الحمولة الصامتة القابعة خلف أسوار الشقاء؛هي الودود الولود المتحملة لثقل الزمن وأوجاعه، وأُركز على قضايا المهمشين والبسطاء الذين يَحْيَون ويموتون دون أن يشعر بهم أحد، وكذلك أطفال الشوارع والذين أطلق عليهم دوما» زهور ربيع منسية «، وأُمِيط اللِثام عن الأسباب الحقيقة للتطرف والإرهاب الذي يبتلع شبابنا في أتونه يوما بعد يوم. أُلقي ببصيص ضوء على انهيار المنظومة التعليمية والقيمية؛ والتي تُعَد حَجَر عَثْرة أمام إنهاض الوطن، أتناول بعض مشاكل الحياة الزوجية والجفاف العاطفي الذي تعاني منه الأسر نتيجة لفقدان الكلمة الحلوة بين الزوجين.. وأخيرا ورغم أوضاعنا المريرة إلا أن الكتاب يبحث عن بارقة أمل؛ ودفقة ضياء؛ وفيضٍ من التصافي بين البشر؛ ويدعو إلى ملامسة مواطن الجمال في الحياة كي نحيا إنسانيتنا بشكل نستحقه، وننال نصيبنا من الفرح الإنساني النبيل، لا أن نموت قبل موعدنا. الكتاب ينتصر للمرأة المصرية وصورتها في وسائل الإعلام المصري، هل لما تعانيه في مجتمعها كقرينتها العربية بصفة عامة؟ بل للمرأة العربية عموما، فقد تناوْلتُ المرأة الفلسطينية والسورية والعراقية واليمنية والمصرية واليمنية واللبنانية، وأشرت لجهودها وبطولاتها في ظل بُهتان إعلامي يُلقي عليها بردائه فيشوهها، أما تركيزي على المصرية خاصة؛ فنظرا لأن وسائل إعلامنا المصرية فقدت مؤخرا المعايير المهنية الواجب الالتزام بها كما تعلمنا من أساتذة الإعلام في الجامعة، وصارت تُهِين وتُهدِر قِيَمَنا، وكان للمرأة حظٌ وافر من هذه الإهانة؛ باعتبارها مستضعفة –في ذهن البعض-فكان يجب أن أنتصر لها، خاصة وأنني أعيش في أبوظبي؛ وأجد صديقاتي الإماراتيات يستَهْجِنّ تلك الصورة المُهينة التي يرسمها الإعلام المصري، لأنهن يرونها تعمل في الإمارات طبيبة ومعلمة وباحثة ومهندسة وأستاذ جامعة وصحفية وأم فاضلة لها كل تقدير واحترام. هل بالإمكان تغيير فكر الشباب العربي المحبط لأسباب كثيرة تقهره؟ سؤالك غاية في الأهمية؛ ساعة نعرف أن 45 بالمائة من سكان العالم العربي من الشباب، أي لدينا كتلة نشاط فتيّة؛ هائلة؛ قادرة على أن تنهض بالأوطان إذا ما وجهت توجيها سليما، وقناعتي أن شبابنا حُمّل من الأوزار والهموم دونما جريرة منهم ولا ذنب، وبما أنهم أحلامُنا فأقول لهم دوما» اجعل حياتك قصة تستحق أن تُروَى؛ اخلع يأسك؛ جازف مادمت حيا».ولكن في المقابل أرى أن إحباط الشباب وتطرف البعض منهم وانضمامهم للجماعات الإرهابية؛ تعود المسئولية فيه في المقام الأول إلى المجتمع. ففي وطننا العربي نعاني من نظم سياسية واقتصادية مُجحفة،ومن عدم تكافؤ الفرص، ومن تمايز طبقي وعرقي ومذهبي في بعض أقطاره، ومن غياب للعدالة الاجتماعية، والكيل بمكيالين؛ بمعنى إهمال الظالم والفاسد دون محاسبة، تَرْك العَنان لأصحاب الهوى(من يملك السلطة والمال والإعلام)، شراء الذمم والضمائر، انهيار المنظومة التعليمية والقيمية مما أدى لانتشار الانحلال الخلقي، تنحية الدين جانبا وجعله مجرد طقوس تُؤدَى في دُور العبادة، وإبعاده عن ضبط إيقاع حياتنا والحكم عليها، وفي نفس الوقت يتكلم باسم الدين فاقدو الأهلية؛ إما مُتشدِد يُنفِّر الناس، وإما مُفرط مُتهاون يٌحلّ حرامه ويحرِّم حلاله ويُعلي من شأن العادات البالية على حساب صحيح الدين، كذا ازدراء العلماء وأهل القدوة. في وسط كل هذه المِحن؛ ألتمس كافة الأعذار لأن يُحبَط شبابُنا؛ بل وينحرف عن جادة الصواب، فإذا أردنا تغيير تفكيره وإصلاحه كي يتبوأ الشأو اللائق به في أوطاننا؛ فلنزلل هاتيك العقبات؛ ولنحمل مسؤلياتنا تجاه إصلاح ودرء مفاسد أنظمتنا، فعلى عاتقنا وعاتق ولاة الأمور تقع المسئولية. بما أنك إعلامية؛ فبإمكاننا القول أنك تتشاركين في مصطلح كُتّاب المهجَر، كيف تتحملين مسؤولية كتاباتك لتكوني سفيرة القلم والوطن؟ هاجرت جماعات من العرب خاصة من سورياولبنان منذ عقود، وحطوا رحلهم في كندا وأمريكا ، فنقلوا العربية وآدابها إلى تلك المَهاجر؛ فأبدعوا أدبا يُعبّر عن مشاعرهم وعواطفهم الجياشة وغربتهم وحنينهم المُوجع للوطن، حتى أضحى مدرسة مُعتبرة في الأدب؛ يُشار لها بالبنان.فهل ينطبق عليّ هذا التعريف؟ الحقيقة لا أحسب نفسي كذالك،فكل دولنا العربية وطن واحد؛ هوية ودين وانتماء ولغة واحدة؛ تتشابه همومنا وقضايانا وعاداتنا وتقاليدنا، حتى وإن اختلفت بعض المظاهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فحين أكتب عن فلسطين أو العراق أو سوريا أو اليمن أو ليبيا أو لبنان؛ أشعر وكأني أكتب عن بلدي مصر،فالْهَمُ واحدٌ، والاستلاب الحضاري واحد، والمؤامرات التي تُحاك لنا بليل واحدة، والمصير واحد، والمأزق واحد.. لذا تجدين عل صفحتي بمواقع التواصل الاجتماعي الأصدقاء والقراء من مختلف مناحي الوطن العربي؛ وعلى تباين مذاهبهم وطوائفهم؛ مسلمين ومسيحين؛ يُعلقون على كتاباتي، أجد لديهم نفس الهم ونفس الاهتمام ... وهكذا كلنا نُدرك ونَعِي؛ ولا نلتفت للحدود السياسية التي خطها الاستعمار لخدمة مصالحه هو. سبق واحتفيتِ ب « ترنيمة عشق « بمعرض الشارقة للكتاب؛ كيف كان تواجد القراء هناك؟ لا شك أن معرض الشارقة الدولي قد تبوأ مكانة مرموقة؛ كأحد أهم المحطات الفكرية والتظاهرات الثقافية ليس في الوطن العربي فقط بل على مستوى العالم، بدليل حرص العديد من دول العالم على التواجد كل عام واستضافة عدد كبير من الكتاب والمفكرين الدوليين بشكل لافت، والشارقة بشكل عام لها مكانتها المرموقة ثقافيا، ومعرض كِتابها يتقدم لينافس بقوة من حيث عدد عناوين الكتب المطبوعة، والدول المشاركة، ودور النشر، والاهتمام الرائع.. حين يفتتحه سمو الشيخ «سلطان القاسمي»حاكم الشارقة وهو رمز للمثقف العربي الواعي والمستنير، كما يتميز المعرض بقدرة عالية على التنظيم والاحتفاء بضيوفه والتغطية الإعلامية اللائقة والندوات التي تتعرض لمناقشة قضايا مُختارة بعناية فائقة. بالنسبة لكتابي؛ حقيقة لا أنسى أبدا أنه صدر مطبوعا قبل إقامة المعرض بشهرين فقط، ولم أكن أتوقع أن يلحق بِرَكْبِه، نظرا لأن قائمة المطبوعات يتم إعدادها قبل المعرض بنحو ستة أشهر، ومع ذلك تفاجأت بوضع كتابي على خريطة حفلات التوقيع، وكان مُدهشا أن يكون في يوم الافتتاح وعلى المنصة الرئيسة؛ ومعروف أن يوم الافتتاح له خصوصية معينة من حيث استقباله للوفود العربية والأجنبية المشاركة، ويَعِج بجمهورٍ غفيرٍ من القراء، ويحظى بتغطية إعلامية لافتة من وسائل الإعلام العربية والدولية خاصة في وجود حاكم الشارقة ذاته... وعلى هذا فقدْ حَظِيَ الكتاب بالتفاف جماهيري لم أكن أتوقعه، واهتمام مُذهل من وسائل الإعلام الفضائية والمطبوعة، فكان يوما قاب قوسين أوأدنى من منتهى الجمال والألق. لاحظنا في معظم كتاباتك الإبداعية والصحفية أنك تتحدثين عن أوجاع مريرة؛ فما الذي يقهر تلك الكتابات ويجعلها بركانا من الرسائل الإنسانية؟ تحضرني مقولة الشاعر العربي الفلسطيني محمود درويش» نكتب لأننا لا نتقن فعل أي شيء آخر بالجَدارة عنها»، فكلما تألمت واعتراني الهم والحزن الناتج عن مكابدة أوضاعنا المريرة؛ أُقرر أن أتنحى جانبا لنَيْل خلاق وافر من الراحة والسكينة، فإذ بالقلب وقد هاج وماج واصطفقت نيران مواجده؛ أُوقِن وقتها أن التوقف عن الكتابة تماما كموجة ألمٍ يتلوها ألأشدُ إيلاما، وأن الموت الزوءام أخفَ وطأة من قهرٍ ينْغل في الرُوح حين يُنَحّى القلمُ جانبا. دون الكتابة تصبح الحياة عِبئا ثقيلا، وكما يقول كافكا الأديب العالمي:» الكتابة فأسٌ للبحر المتجمد فينا، بها ينفتح الجرح؛ وتبدأ أُولى علامات الفهم»، ومن هنا حين أنظر بعين الحسرة لوطننا العربي وجماهيره، أراه موطنا للأنبياء والأتقياء، زاخرا بالعلماء والشعراء، باهر السحر وكنزاً للأحلام، خِيْرَة أرض الله، فيه تتعانق المئذنة والكنيسة، تلفه الخيرات والنِعم،حباه الله بثروات وهدايا سماوية وموقع جغرافي ومزايا يعلمها القاصي والداني، ومع ذلك أنظر لإنساننا العربي؛ فلا أرى إلا الحُرُمات وقد اُستُبيحت، وبِيعت الكرامة وهُدمت جُدران الضمائر، واختلط التآمر بالخيانة بالذل والتمزيق والذبح ، واغتيلت الأحلام، وقُطِّعت الأرحام، وأصبح أهلونا مابين هارب ونازح ولاجيء ومُهجر وقتيل وذبيح، حتى باتت دُورُنا مُهدَّمة مُعْتِمة حزينة، بعد أن زُفَّ أصحابُها في جنائز، وأصبح القهر والجوع والتشرد يرتع على بقايا عِظام كبريائنا، وغدت دموع أطفالنا تختصر الحكايا. لم نعد نطرب! صرنا نُصْبح ونُمْسي على فواجع وعظائم الأمور وجسام الكوارث وشِرار النفوس، فهل يستحق الإنسان العربي هذه المَهانة؟ متى ينال نصيبه من الفرح الإنساني النبيل؟! وعلى هذا تصبح رسائلي دعوة للفرار من أحزاننا التي نقتاتها يوميا، دعوة للبحث عن ترنيمة حب وعشق للحبيب والأوطان والأديان والخير والفن والحياة والجمال‘ كي نستمد القوة وتعلو الهمة لبناء الوطن، فَفَقْدُ الحبِ يخلقُ إنسانا مشوها، ويبني وطنا سقيما، لذا أدعو دائما لأن نفسح لنبضات الفرح مكانا في القلب الحزين..... أدعو ولاة الأمور وصُناع القرار في وطننا العربي كله، ان يَعوا ان الكاتب والمثقف حين يوجه كلمته ورؤيته، لا يبغي إلا العزة للأوطان، فالكلمة نورٌ يُضيء الدروب، لوطن عانى مذ عهود طويلة آلام المخاض؛ ليُنجِب غدا زاهرا لا أن يلد إخفاقا وراء إخفاق. بعد"ترنيمة عشق" ماذا هناك؟ لدي مشروعان لكتابين كِدت أنتهي منهما، الأول نصوص أدبية؛ هي بوح إنساني خالص؛ أسكب على الورق مشاعرنا وأحاسيسنا بحبر روحي بكل تجلياتها؛ أفراحها وأتراحها ونبض خلجاتها؛ مُفعمة بالصدق التام، والثاني أعتبره جزءا مُكملا لترنيمة عشق، فنجاح ترنيماتي حَمّس الكثيرين وشجعوني على مواصلة تجميع مقالاتي؛ نظرا لتفرقها في العديد من الصحف والمجلات المصرية والعربية؛ يجد معها القارئ صعوبة في متابعتها. أدعو الله أن ينالا استحسان القارئ كما حدث مع كتابي الأول. لو نتحدث عن السينما وإبداعية الأبيض والأسود التي ما تزال تُسجل أرقاما قياسية في المشاهدة، ما سر ذلك حتى وصل الأمر لتخصيص قنوات معينة لها؟ مبدئيا أنا لست ناقدة سينمائية، لكن كمتلقية أقول أني لا أحب المغالاة أو التعميم في الأحكام، وأرى أن الإنسان ينتابه دائما حنين طبيعي للماضي، يمتطي صهوة خياله وذكرياته، فيُسقِط ما علق بها من سيئات، ويقبض على الجميل والمتوهج منها، ولأننا نحيا في عصر يشمئز منه الكثيرون، وواقع يعاني من انهيار المنظومة القيمية والتعليمية، ينتشر فيه المخدرات والتطرف والإرهاب، وتعلو فيه قيم التآمر والذمم الخربة، تسوده البلطجة والجنس وكل ماينافي الفطرة الإنسانية السوية، كل تلك المآسي تجعل النفس تسعى جاهدة للهروب من واقعها، تحاول مهادنة الروح المتعبة، تبحث عما يجلي قلقها وتوترها، فإما تهرب للخيال والأحلام، وإما تُنَقِّب في تراثها الراقي؛ هربا من أيامنا؛ تلك التي أتخمتنا فيه الفضائيات بالابتذال والانحطاط والرداءة والتي كنا نحسبها موجة عابرة؛ فإذا بها تمكث مُتشبِّثة. حين نهرب لأفلام الأبيض والأسود ترانا ننشد القصص الرومانسية الحالمة، نرتاح لنهايات أفلام تنتصر لقيم الحق والخير، تقع نواظرنا على الشوارع الخالية النظيفة الهادئة، تنعم الأذن بالألفاظ والحوارات الراقية، نستمع لأغنية هادئة، ونتماهى مع بطلة ناعمة في أدائها وهي ترتدي الملابس الأنيقة ولو كانت بسيطة. لكن على الجانب الآخر هل كانت تلك الأفلام فعلا وكما يُقال عنها تُجسد الرقي والعَظَمة في كل تفاصيلها بدءا من كتابة أول سطر وحتى يوم الافتتاح؟الجواب بالقطع لا..فإذا دققنا مَلياً سنجد الراقصات والعاهرات وبائعي الهوى وشرب الخمور والمخدرات، والفقراء الحُفاة، وانتشار الجهل والمرض، والطبقة الأرستقراطية التي تعيش مباهج الحياة منفصلة تماما عن بقية الشعب، بمعنى أنها كانت تحاكي واقعها بحُلوِه ومُرِّه، وكما قلت لكِفلأن إنساننا الحالي مُتعب ، لذا يحاول الهرب إلى عالم أكثر راحة وجمالا، فتقع عيناه في أفلام الأبيض والأسود على مايحتاجه هو ويفتقده حاليا، يستاء من أفلامنا الحالية ليس لأنها سيئة، ولكن لأنها تحاكي واقعه السيء، وإن كان الأمر لا يخلو من بعض المبالغات يقدمها المنتجون سعيا وراء الربح ومغازلة للجمهور، إلا أننا في المقابل علينا التحلي بالموضوعية، وساعتها لو نظرنا بعين الإنصاف لوجدنا حاليا أفلاما ذات قيمة، رغم أن العملة الرديئة تطرد الجيدة أحيانا، وكما أقول دائما أنت وما تريد، فإن بحثت عن الرديء ستجده، وإن بحثت عن الجيد حتما ستراه. وماذا عن تقييم المثقف المصري للسينما، وهل تغيرت نظرته في السنوات الأخيرة؟ هذا السؤال بالغ الأهمية؛ خاصة وأنه يأتي في توقيت شديد الحساسية، فكما تعلمين تعيش مصر هذه الفترة الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير المجيدة، ومن ثم فإجابة السؤال تقودنا بالضرورة للربط بين السينما المصرية والثورة. فالبعض قال أن الثورة المصرية أعطت قبلة الحياة للسينما، فكما نجحت في تحريك المجتمع سياسيا على أرض الواقع؛ نجحت في منح الأفلام المصرية لتتبوأ صدارتها في المهرجانات العربية والدولية، فشهدت الفترة التي تلت الثورة إنتاج كم كبير من الأفلام؛ يتناول كل منها مشهدا مختلفا من مشاهد الثورة أو ميادينها أو ما كان يحدث وراء كواليسها، فكل فيلم كان ينسج ما يناسبه من خيوط الثورة، لكن الحقيقة أن السرعة في تجهيز الأفلام مصاحبا لباكورة الحدث وعدم ترك مدة زمنية كافية تسمح برؤية الوضع الثوري بشكل أعم وأشمل.. أدى لإنتاج أفلام كثيرة لا تتناسب وحجم الحدث. ومن ناحية أخرى، كان للانفلات الأمني الذي عانت منه البلاد لفترة عقب الثورة تأثير بالغ الأهمية على ظهور أفلام البلطجة والعنف والدعارة والمخدرات والجنس وتغييب الوعي والانفلات الأخلاقي عموما، مما عاد ليذكرنا بأفلام المقاولات التي غزت الساحة في فترة الثمانينات، ونظرا للظروف السياسية المتلاحقة التي أعقبت الثورة وانتشار الإرهاب والتطرف في البلاد، ظهر العديد من الأفلام سيطر عليها الفوضى، والبعض اتهم الثورة بأنها السبب، ومن ثم ظهرت أفلام تُحقِّر من شأنها، وتقلل من قيمة الثوري، وتتهمه بالخيانة والعمالة.والبعض الآخر ادعى الثورية وتكلم باسمها ولبس مُسوح النضال كورقة رابحة؛ يغازل بها الجمهور في ظل رؤية غائمة لم تتضح ملامحها بعد. عموما السينما المصرية تواجه تحديا كبيرا على مستوى الفكر والقيمة، وأرى أنها حاليا بعيدة عن مدارج الرقي، لأنه حين ينهزم المثقفون وتنهزم النخبة وتتراجع قيمة المواطن تتردى العملية الإبداعية ككل، المنظومة يشد بعضها بعضا، تماما كما رأينا نجم مصر يبزغ في سماء الإبداع الأدبي والفني عقب ثورة 1952، حين كان التركيز على بناء الوطن والمواطن وانهاض الهِمم والعزائم.. وختاما أقول أن الثورة المصرية تحتاج لسينما أمينة تتناولها وستظل مُلهمة لعقود قادمة، ومازال وسيزال الأمل يحدوني لأن تكون السينما خير شاهد حي على مجرياتها.