لم يلتفت الجزائريون بمن فيهم أولياء التلاميذ إلى الإضراب الجاري منذ إثني عشر يوما بسبب الجو الوطني الحماسي الملتهب الذي جرت فيه مقابلتي كرة القدم التأهيليتين إلى مونديال جنوب افريقيا 2010 ، بالقاهرة، والخرطوم، ورب ضارة نافعة، حتى الأساتذة وعمال القطاع عموما، والتلاميذ وجدوا أنفسهم جميعا وبدون استثناء متفرغين للمشاركة بمختلف الطرق في هذا العرس الكروي، الذي لم يسبق له نظير في تاريخ الكرة الجزائرية والمونديال عموما. هذا الإضراب كان نعمة على الأساتذة والمعلمين، وعمال قطاع التربية عموما، والتلاميذ في مختلف المراحل التعليمية الثلاث، ليس لأن وزير التربية الوطنية أبو بكر بن بوزيد، والوزير الأول أحمد أويحي استجابا لمطالبهم المشروعة في رفع الأجر الشهري، والمنح والعلاوات، بل لأنه فرّغهم على مدار 24 ساعة على 24 ، لمناصرة الفريق الوطني، والتعبير بمختلف الأشكال والألوان الوطنية عن فرحتهم وبهجتهم التي لا توصف، بالأداء الوطني الجيد والممتاز الذي أداه الأبطال الخضر، بكل شرف واعتزاز على أرض »أم دنياهم« ، في المقابلة التأهيلية الأولى يوم 41 نوفمبر الجاري، رغم كل أجواء الحرب الحقيقية التي خطط لها المنافق» الزاهر« الذي لا أزهار له، وجميع أهل التوريث، والورثة أنفسهم في سرايا آل فرعون، على أرض حضارة قبيلة »كتامة« ، بما فيها أسلاك الأمن الفرعونية، التي يعود لها فضل غض الطرف، والتواطؤ في الاعتداء الذي خطط له بإحكام مقيت في حق أبطالنا، فلدة أكبادنا الصناديد. أساتذتنا ومعلمونا وكافة عمال قطاع التربية ، وفي مقدمتهم وبأعلى درجات الفرحة والنشوة والغبطة تلاميذ الابتدائي والمتوسط والثانوي، بل وحتى الجامعي اعتبروا هذا الإضراب أجمل وأحسن وأفضل وأروع إضراب شنته هذه الفئات العمالية في حياتها الدراسية، ولسان حالها حتى هذه اللحظة يقول يا ليت كل إضرابات مدرسينا وعمالنا تأتي لنا بمثل هذه الأجواء الرائعة التي لا نظير لها في تاريخ المناسبات الرياضية والوطنية الجزائرية، وأسباب ذلك ليس لأن التلاميذ والأساتذة والعمال محتاجون إلى أيام للراحة، بل لأنهم جميعا كانوا عامرين بأسمى وأرقى معاني الوطنية، و مهيئين نفسيا ومعنويا ، لخوض غمار هاتين المنافستين جنبا إلى جنب مع أبطال الفريق الوطني بروح رياضية عالية، كلها تحد، ودفاع عن شرف وكرامة وعزة الوطن. ولعل ما أدخل البهجة أكثر على نفوس الأساتذة والمعلمين، وعمال القطاع، أن وزير التربية أعلن عن تراجع وزارته على الخصم من أجور المضربين في الوقت المناسب، حيث كانت وقتذاك الأجواء الرياضية ملتهبة بالشوارع والساحات والحارات، وداخل بيوت كل الجزائريين على كامل ربوع الوطن، بل وفي كل مكان يوجد فيه جزائري على هذه الكرة الأرضية، هذا الإجراء الذي هو في حقيقته يدخل في سياق إجراءات التهدئة ، التي أقرتها حكومة أويحي للتنفيس عن المضربين، كان عاملا حاسما في تجنيد ثمانية مليون تلميذ، وأكثر من نصف مليون مدرس وعامل بالقطاع، وشحذ هممهم إلى جانب الفريق الوطني، وكل تلميذ من هؤلاء، وكل مدرس وعامل وجد نفسه في غبطة ونشوة ما بعدها نشوة وغبطة، يجوب شوارع مدينة أو قرية أو دشرة، وهو يحمل علما وطنيا خفاقا في عنان السماء، ويهتف بأعلى ما في حنجرته من قوة » وان، تو، ثري، فيفا لالجيري« ، هذا الشعار المعبر، الفريد من نوعه في العالم كله، لم يتأخر عنه أي أستاذ، أو معلم، أو عامل، وحتى المدرسين المستخلفين الذين لم يكن من حقهم الإضراب بحكم المادة القانونية المنصّعة في عقد العمل، وجدوا أنفسهم مدمجين بقوة في سياق » وان، تو، ثري، فيفا لالجيري« بعد أن تمرد عليهم تلاميذهم ، وأقسموا جميعهم بالتغيب، وعدم الحضور، والانضمام إلى صف زملائهم الآخرين، وكلهم وحدة وانصهار عفوي في اللون الأبيض والأخضر والأحمر، في الشوارع والساحات العمومية بالمدن والقرى والمداشر. بهذا اتسعت الشوارع والساحات والحارات الجزائرية لكل أبنائها في دفء وطني لا يوصف، وحبذا لو يستثمر هذا الإحساس والشعور الوطني الخارق للعادة، في إعطاء دفع قوي للحمة الوطنية، ويُترجم في شكل استراتيجيات بناء وتحرر حقيقي لهذا الشعب الأبي، الذي يستحق بالفعل كل خير، على أساس القاعدة الحقيقية للواجبات والحقوق. وليعذرني جميع الذين يستكثرون على عمال قطاع التربية والشعب الجزائري تحسين قدرتهم الشرائية، أن أقول بصوت مرفوع إلى فخامة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، ووزيره الأول أحمد أويحي، ووزير تربيته أبو بكر بن بوزيد أن هذه المناسبة العظيمة التي توحدت فيها الأفئدة والقلوب الجزائرية، وتوحدت فيها الروح الوطنية العالية، التي لا غبار عليها في تاريخ الشباب الجزائري، والشعب الجزائري الأصيل برمته، هي أنسب مناسبة لأن يُلتفت فيها إلى ما ينقص المربي والمواطن الجزائري عموما من حقوق، قبل أن نطالبه بالمزيد من الواجبات، وتلك هي قمة الاستثمار الوطني الإيجابي لهذه المحطة التاريخية، العامرة بالنبل والشهامة وحب الوطن.