البيان الأوروبي بخصوص القدس رغم الغموض الذي يلفه هو فوق كل ما استطاعت الأنظمة العربية أن تقدمه دفاعا عن المدينة المقدسة، والذين سارعوا إلى دعم الموقف الأوروبي، الذي تم تعديله من أجل إرضاء إسرائيل، يريدون العودة إلى المفاوضات في أقرب وقت والتوصل إلى اتفاق بأي ثمن. أوروبا أرغمت على سحب المشروع السويدي الذي يعتبر القدسالشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية، وبدلا عن ذلك طالب بجعل المدينة المقدسة عاصمة لدولتين في إطار اتفاق يتم التوصل إليه عبر التفاوض، ومن الناحية العملية يعتبر المطلب الأوروبي مستحيل التحقيق، وكل ما يحققه البيان هو الحفاظ على مصداقية الموقف الأوروبي وتميزه عن الموقف الأمريكي المنحاز بشكل كامل لإسرائيل، ولعل التذكير بعدم الاعتراف بضم القدسالشرقية التي احتلت سنة 1967 هو تأكيد لموقف سياسي قديم أكثر منه إعلان عن الإصرار على لعب دور فعال في عملية التسوية بالضغط على إسرائيل وإعادة تصحيح الموازين المختلة. بعض الدول في أوروبا، ومن أهمها ألمانيا، تعلن صراحة رفضها لجعل القدسالشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية، والرفض أخذ صيغة أخرى من خلال القول إنه لا يمكن فرض نتيجة المفاوضات قبل البدء فيها، وهذا هو الموقف الذي تبناه الاتحاد الأوروبي في النهاية، فالقول بالقدس عاصمة لدولتين هو تأكيد لكونها موحدة غير قابلة للتقسيم وهذا موقف إسرائيلي، وربط مصير المدينة بالتفاوض هو اعتراف في النهاية بالسيطرة الإسرائيلية عليها وهو واقع الحال، أما تجديد رفض الاعتراف بضم القدسالشرقية فيصبح مجرد ذر للرماد في العيون، لأن الحق في الأرض لا يخضع للتفاوض والمحتل لا يمكن أن يصبح صاحب حق بالتفاوض أيضا. العرب والفلسطينيون انقسموا، وكالعادة، بين مرحب بالموقف الأوروبي ورافض له، الذين صفقوا للبيان لا يهمهم إلا تصفية القضية، والذين يرفضونه يتمسكون بخيارهم الوحيد وهو المقاومة، فالقدس غير قابلة للتقسيم في الحقيقة لكنها ستكون لمن يقاتلون من أجلها، ولهذا فهي لن تعود بالمفاوضات، وهذا ليس موقف حماس والجهاد فقط، بل هو موقف إسرائيل وأمريكا وأوروبا أيضا.