بعد مرور عشرة أيام من انطلاق الحملة الدعائية المصرية الرهيبة ضد الجزائر، على إثر مجرد مقابلة في كرة القدم انهزم فيها الفريق المصري أمام الفريق الجزائري، سألني صحفي بجريدة جزائرية عما إذا كانت هذه الحملة ستؤدي إلى قطع العلاقات بين الجزائر ومصر، وكان جوابي، كما ورد في نفس الجريدة )الفجر: 24/11/2009(، بأن تصوري للمستقبل حول ما يجري، هو أن مصر ستواصل تحرشاتها وكلامها الفارغ وإفشاء أحقادها ضد الجزائر لمدة معينة، ثم تدخل في صراع داخلي أي بين المصريين أنفسهم وذلك على جميع المستويات، بتبادل الاتهامات، ثم يهدءون ويتذكرون مصالحهم مع الجزائر فيعودون إلى صوابهم ويفيقون من سباتهم، وهي العادة التي دأبت عليها القاهرة عندما يتعلق الأمر بالجزائر. إنه ما يحدث بالفعل، فبعد شهر كامل من كلام »ستات« الحواري الذي لم يترك رمزا في بلدنا إلا وتعرض له بالقدح والشتم، بدأ المسؤولون يستعيدون وعيهم فيوحون إلى منابرهم بتوقيف ما يسمونه عندهم بالشحن الإعلامي. خلال الأسبوع الماضي بدأت، كما تنبأت فعلا، تعلوا أصوات نفس الذين ساهموا في الحملة على الجزائر مغيرة من لهجتها لتتحدث عن »الأشقاء« في الجزائر وعن العلاقات التي يجب أن تصان مع هذا البلد بالذات. إنها المرحلة التي تسبق عملية تنظيم، أو »خلق«، حدث ما يدعى إليه بعض الفنانين والمثقفين الجزائريين الذين سيستقبلون بالأحضان في عاصمة »أم الدنيا«، وأمام عدسات المصورين و»زومات« الكاميرات ينجز سيناريو »البوس بوس«، ويقفل ملف الخلاف وكأن شيئا لم يكن. هذه هي خطوات السيناريو المصري، وهو السيناريو الذي تعودت عليه »أم الدنيا«، فهي تعطي لنفسها حق سب وشتم العرب ثم »تسمح« لنفسها بنسيان كل ذلك وتقرر من تلقاء نفسها إعادة الأمور إلى طبيعتها في انتظار مناسبة أخرى تمارس فيها مصر »حقها« في شتم وسب نفس البلد وهكذا. لكن هذه المرة الأوضاع اختلفت، فلأول مرة لم يسكت الإعلاميون والمثقفون الجزائريون بل واجهوا الدعاية المصرية وفضحوها أمام العالم أجمع وبينوا بأن هؤلاء الناس لازالوا يمارسون الدعاية الهتلرية السمجة والمتخلفة وأنهم يحملون فكرا عنصريا متطرفا، فهم يقولون بتفوق المصري على غيره من شعوب الأمة العربية ويقولون بأن كل الشعب الجزائري هو شعب لقيط. ما جاء في الدعاية المصرية هو مناقض تماما لكل الأعراف الدولية ولكل ما تدعوا إليه المنظمات الدولية وما يسعى إلى تحقيقه أحرار العالم. في دراسة أكاديمية أقوم بإنجازها حول الدعاية المصرية، يتضح من خلال تحليل مضمون عينة من الحصص التي بثت على القنوات التلفزيونية المصرية على إثر مقابلة أم درمان، أن هذه الدعاية تقترب بشكل غريب من الدعاية النازية كما أنها تؤمن، مثلها، بتفوق الشعب المصري وانحطاط الشعب الجزائري وأن الأول يحمل في ذاته عناصر التحضر والإنسانية وأن الثاني يحمل جينات العنف والتخلف. ولأن حماية الإنسانية من عودة النازية هو واجب كل إنسان حر في العالم أجمع، فسنعمل باستمرار على فضح ما يسمى بالإعلام في هذا البلد وسنضل ننادي بتحديد العلاقات معه إلى الحد الأدنى لأنه لا يمكن أبدا تصور وجود علاقات طبيعية للجزائر مع بلد يقوم فيه ولدا الرئيس ومسؤولوه على مختلف المستويات بشتم بلدنا بأقبح الشتائم وذلك فقط بسبب أن فريقنا انتصر عليه في مقابلة لكرة القدم. لا يجب أن ننسى بأنه لا دخل للعاطفة في العلاقات بين الدول، وليس لأن مصر هي دولة عربية يوجب علينا تقبل مزاج حكامها ودلال راقصاتها ولوم فنانيها. العلاقات الدولية تبنى على أسس صحيحة يحكمها العقل والمنطق. لكن العقل والمنطق مغيبان تماما في مصر، وإلا كيف يفسر اقتناع القوم هناك بأن مريم أم المسيح عليه السلام ظهرت في سماء القاهرة خلال الأسبوع الماضي؟ وكيف نقبل بأن بناء جدار مخزون تحت الأرض على حدود غزة هو لممارسة السيادة المصرية على أرضها، بينما إسرائيل تحدد لها عدد الجنود الواقفين فوق الأرض المصرية على الحدود مع فلسطينالمحتلة بعدد 750 جندي ولا يسمح لمصر بإضافة ولو جندي واحد دون موافقة إسرائيل. لكن الجدار الحقيقي الذي أقامته مصر ليس ذلك الذي تنشئه العبقرية المصرية تحت الأرض، بل ذاك الذي أنجزته سياستها في نفوس الفلسطينيينوالجزائريين. منذ أيام، قال لي صديق يتنقل كثيرا، بحكم مهمته، عبر ولايات الجزائر، أن معظم الذين يتحدث إليهم عن مصر، في كل أنحاء الجزائر، يؤكدون له بأنهم لم يعودوا يتحملون مشاهدة الأفلام والمسلسلات المصرية ولا الاستماع إلى الغناء المصري بما في ذلك أغاني السيدة أم كلثوم. فعلا، لقد نجحوا في إقامة جدار نفسي لن يستطيع أحد بعد الآن اختراقه، لأن الفلسطينيين سيضلون يتذكرون بأن الأشقاء المصريين كانوا أشد عليهم من العدو الحقيقي؛ والجزائريين، لن ينسوا أبدا من وصف شهداءهم بالجزم )الأحذية(. عندما يغيب العقل والمنطق تختلط الأمور »ويلعب خزها على ماها«، كما قال الشاعر الشعبي الجزائري. عندها يباح استعمال كل وسائل التضليل، وتصدق العامة فعلا بأن العذراء ظهرت في مصر »المحروسة«، وقد تتطور الأمور فتنطق العذراء ذات يوم لتوصي الغلابة المصريين خيرا بالواد جمال مبارك. نذكر أخيرا، بأن استعمال هذه الوسائل ليس بالأمر الجديد في العالم العربي فقد سبق أن استعملت لتضليل العامة في الجزائر عندما كتب اسم الجلالة في سماء ملعب 5 جويلية أمام الآلاف من أنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ في آخر تجمع لهم بمناسبة الحملة الانتخابية للمحليات (1990)، وعندما سئل رئيس الجبهة، في نفس اليوم، من طرف الصحافة عن الكتابة في السماء، أجاب بأنها »غمامة مباركة ظهرت في العاصمة وأمطرت في الشلف«. نحن، في الجزائر، نعرف إلي أين أدت »غمامة« الجزائر، وقد تجاوزنا ذلك والحمد لله، فإلى ماذا ستؤدي عذراء القاهرة؟