كاتب صحفي [email protected] قال أحد الممثلين المصريين »الجزائر ليست إسرائيل«، وتعجب خالد الصاوي من هول وقوة وتركيز الحملة الدعائية التي تشنها وسائل الإعلام المصرية على بلد عربي مسلم. فقد وجهت الحملة في الجرائد والمجلات وبالأخص الفضائيات التلفزيونية التي سارت بشكل عدائي نازي فاشي صهيوني خلال الأيام الماضية، ومازالت الحملة »المكلوبة« -من داء الكلب - مستمرة بل ارتفعت حدتها بعد الفوز الذي حققه الخضر في السودان. ولم نعد نسمع العقلاء من المصريين، فأصواتهم وئدت ولم يسمح لهم بالمرور عبر دكاكين إعلام الفتنة والتطرف. مثلما وئدت مصر التاريخية، مصر جمال عبد الناصر، مصر العروبة والقومية، مصر الصمود والتصدي. فغاب صوت الحكمة والتعقل ودفن حيا، ودقت طبول حرب القذارة والنجاسة وقرعت أجراس الحقد والكراهية بين شعبين كان يربطهما تاريخ واحد ومصير مشترك وأهداف موحدة تتمثل في الدين والعروبة والقومية والعدو الاسرائلي. صبت أبواب الفتنة والتعصب المصرية عقدها النفسية والسياسية الفرعونية والانهزامية على الشعب الجزائري منذ حوالي شهر، فقالوا أن مصر جعلت الجزائريين ينالون استقلالهم من فرنسا ووصفوا شهداء الجزائر مثل بن بولعيد وبن مهيدي بالقردة. وقالوا أنهم علموا الجزائريون اللغة العربية، وأظهروا تعقدهم من الشخصيات الجزائرية إلى درجة أنهم كادوا يقولون أن الزعيم بومدين والرئيس بوتفليقة من أصل مصري...إنها قمة الشوفينية التي لم تصلها حتى النازية والفاشية. لا ينظر المصريون للهزيمة على أنها مجرد خسارة رياضية، فاليوم خسرت مصر مقابلة رياضية وغدا تخسر الجزائر وهكذا هي الكرة والرياضة، بل يرون أنها نكبة وطنية أصابت العقل والوجدان المصري فتوقف ولم يعد قادرا على الفهم والاستيعاب والتفكير. فهي إستراتيجية مدروسة، يتم تضخيم الخسارة الرياضية بعد أن أعطي للمقابلة بعدا سياسيا أكثر مما تستحقه وهي الوسيلة المثلى الآن لتمرير عملية توريث الحكم لجمال نجل الرئيس مبارك في الرئاسيات المقبلة التي يجري التحضير لها، والعملية أصبحت مكشوفة على طريقة »نظرية المؤامرة« واصطناع »عدو وهمي« لإيهام الشعب المصري بالخطر المحدق به وبضرورة مجابهته بكافة الطرق والوسائل. لكن الغريب أن مصر كامب دايفييد عوض أن تتجه إلى إسرائيل اتجهت إلى الجزائر. الشعب الجزائري، شعب يحفظ التاريخ جيدا، ولا ينكر الجميل أبدا. فنيا وثقافيا كرمت الجزائر بعد الاستقلال ومازال تكرم رجال ونساء الفن والسينما والفكر والأدب المصري. وعسكريا شارك الجيش الجزائري في حرب أكتوبر 1973 وساهم في معركة العبور وسقطت دماء الجزائريين من أجل أرض سيناء، التي دنستها اتفاقية العار، ومازال العالم يحفظ موقف الرئيس بومدين عندما قدم شيكا على بياض للسوفيات من أجل بيع الأسلحة لمصر في تلك الحرب. فواحدة بواحدة بل واحدة باثنين، ولا تعقدنا مصر بأنها ساعدنا في الثورة التحريرية فنحن وقفنا معها في 67 وقدمنا شهداء في معركة العبور في 73. وفي المجال الاقتصادي، فإننا نعامل المصريين معاملة خاصة، فهناك حسب إحصائيات العام الجاري 15 ألف عاملا مصريا في الجزائر من بينهم مسيحيون أقباط، وتوجد في الجزائر 20 شركة مصرية تعمل في مختلف المجالات وتمثل الاستثمارات المصرية في الجزائر قيمة تزيد عن 3 مليار دولار وهناك اتفاقيات لوصولها إلى 8 مليار دولار، وهي في المرتبة الأولى قبل الاستثمارات الفرنسية والأمريكية في الجزائر.فالجزائر تعرف كيف ترد الجميل، بل وتفضل أن »يأكل الخبر« معها العرب قبل الأجانب الأوربيين والأمريكيين. لقد حول أنصار مصر كامب دايفيد كل شيء جميل بين البلدين والشعبين الجزائري والمصري إلى أدران ووسخ ورجس من عمل الشيطان، ووصلت جرائدهم المحلية الى الاستشهاد بالصحف الاسرائلية التي ساندتهم ونصرتم على حساب الخضر وتباهت جريدة »اليوم السابع«بهذه الشهادة الاسرائلية واعتبرتها مكسبا وطنيا...سبحان الله لقد حول أمثال ابراهيم حجازي وعلاء صادق وعمرو أديب وغيرهم من زبانية الإعلام الرخيس استسلام مصر لإسرائيل إلى براغماتية واستيراتيجية ودبلوماسية حكيمة ومصلحة وطنية، وقالوا أن الفوز على الجزائر غاية قصوى وهدف قومي. لايوجد انحطاط ورخس و»دحين« أكثر من هذا. فأي منطق هذا الذي يحول معركة تاريخية أبدية مع إسرائيل الى قضية منفعة محلية مصرية وتصبح مقابلة رياضية ،نعم مجرد مقابلة في كرة القدم بين فريقين عربيين مسلمين إلى هدف استراتيجي وقومي. أتساءل وأتعجب أين كان الإعلام المصري، الذي يبدو أنه يعرف كيف يدير الحملات الإعلامية المضادة، خلال حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل في نهاية العام الماضي على غزة، فقد سقط ما يقارب ألفي شهيد وجرح أكثر5 آلاف فلسطيني، وقصف أكثر من مليون من سكان غزة بأحدث الأسلحة، ولم تتحرك الآلة الدعائية المصرية لإنقاذ أرواح الأبرياء العرب المسلمين، بل وأغلق معبر رفح من الجانب المصري في وجه المرضى والمجروحين الفلسطينيين، ومنعت السلطات المصرية مرور المساعدات التي قدمتها المنظمات والجمعيات الأوروبية عبر المعبر، لقد حنت قلوب الأوربيين الى سكان غزة ولم تحن اليهم قلوب زبانية الإعلام المصري. فأي رخس أكثر من هذا يا مصر؟.