في فرنسا، يحتفلون بألبير كامو، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية ساركوزي، وذلك شأنهم، بل إن هناك نشاطا حثيثا من أجل نقل رفاته إلى مقبرة البانتيون التي يثوي فيها العظماء الفرنسيون من مختلف مشارب النشاط الإنساني، وذلك شأنهم أيضا، لكن الشيء الذي لا يتقبله العقل هو أن بعض المثقفين عندنا يصرون على اعتبار ألبير كامو أديبا جزائريا لحما ودما وفكرا. والسبب في ذلك هو أنه – في رأيهم – ولد في الجزائر ودرس فيها ووضع مؤلفاته الأولى فيها، بل وكتب فيها العديد من التحقيقات الصحفية عن معاناة الإنسان الجزائري في منطقة القبائل. لكن ذلك كله لا يشفع له لكي يكون جزائريا أو لكي نعتبره واحدا منا. ألبير كامو هذا، قالها بالحرف الواحد: أمي أسبق من كل شيء! ومعنى ذلك هو أنه أصر دائما وأبدا على الحفاظ على أصوله الفرنسية والدفاع عنها، وذلك شأنه. والذين يصرون على إلحاقه بنا من بعض المثقفين إنما يجهلون الأرضية التي نقف عليها من لغة ودين وتراب واحد وتطلع مشترك في نطاق الصقع الحضاري الذي ننتمي إليه جميعا. لم أقرأ إلى حد الآن ما كتبه ألبير كامو في دفاتره التي صدرت حديثا، لكن أحد المثقفين الجزائريين الكبار قال لي إنه لم ير فيها فرقا بينه وبين غلاة الاستعمار الفرنسي بدءا من شاتوبريان، ذلك الذي تهجم على الإسلام والمسلمين بصورة عامة، ومرورا بالشاعر فيكتور هيغو الذي لم يكن أقل منه في نزعته الاستعمارية، ولويس برتراند وغيرهم. ألبير كامو في مذكراته يتعجب بعد زيارته لليونان كيف أن مدنه وقعت تحت وطأة العثمانيين مع أن العقل ولد في اليونان، وينسى أن العثمانيين كانوا ينطلقون من رؤية حضارية محددة هي الرؤية الاسلامية على الرغم من سلوكهم الأرعن في بعض الأحيان وفي بعض المناطق الجغرافية. ويقول أيضا إنه أقرب ما يكون إلى الميثولوجيا اليونانية مدللا بذلك على أن انتماءاته الحضارية والفكرية هي تلك التي تقوم عليها الحضارة الغربية عامة. فلم، يا ترى، يصر البعض من مثقفينا على اعتباره جزائريا؟ ليس هناك من إجابة عن هذا السؤال اللهم سوى أن الأرضية الفكرية التي يقفون عليها متضعضعة. وقد سبق للدكتور أحمد طالب الإبراهيمي وزير الخارجية السابق أن قدم رؤية سديدة في هذا الشأن في محاضرة ألقاها خلال ستينات القرن المنصرم في الجزائر، وفي عدد من العواصم العربية. ولكأنني بأولئك المثقفين لم يطلعوا على ما جاء فيها، بل أصروا واستغشوا ثيابهم إيمانا منهم بأن التقدمية موجودة في الصقع الأوربي، وعند ألبير كامو وأشباهه بالذات.