بعد ترهيب الفرنسيين بالبرقع والهوية الوطنية وبخطر المهاجرين العاملين منذ عدة أعوام بدون أوراق إقامة رسمية وطرد شبان أفغانيين وإرسالهم إلى جحيم الحرب•••تحوّل ساركوزي هذه المرة إلى المجال الأدبي والثقافي باحثا عن مرجعية تاريخية كبيرة الحجم والوطأة بغرض توظيفها سياسيويا في الانتخابات الجهوية القادمة من باب محاصرة أصوات اليمين المتطرف وأنصار الجزائر الفرنسية القاطنين في جنوبفرنسا، حيث يتواجد مناضلو الجبهة الوطنية المتطرفة التي تتنفس الصعداء هذه الأيام إثر سلسلة الفضائح الساركوزية وتعاظم تخوف الفرنسيين من مستقبل كئيب بكل المعايير• عقدة الجزائر التي تحررت من ربقة الاستعمار الفرنسي - بغض النظر عن نتائج استقلالها - وحدت هذه الأيام رموز النخبة الفكرية والأدبية الفرنسية في سياق استجابة آلية لدعوة الرئيس ساركوزي، يوم الخميس الماضي، بنقل رفاة الروائي الكبير ألبير كامو إلى البنتيون أو مقبرة العظماء إلى جانب فيكتور هيجو وأندري مالرو• كل الصحف الفرنسية والقنوات الإذاعية والتلفزيونية تصدح هذا الأسبوع بعظمة ألبير كامو الروائي الإنساني العالمي الأكثر شهرة في العالم حسب محمد عيساوي، صحفي الفيغارو، وجان دنيال ابن جزائر الأقدام السود الفرنسية والذي ركب موجة التمجيد باسم يسارية تاريخية جعلته يتّفق مع الفيلسوف آلان فينكلكروت، اليميني المتطرف، الذي مجّد هو الآخر ألبير كامو في كتابه ''قلب ذكي'' من منطلق سلامة رفضه لاستقلال الجزائر، تماما مثل جان دنيال رئيس تحرير مجلة نوفال ابسرفاتور• وإذا كانت بعض الصحف مثل ليبراسيون ولوموند وخاصة الأولى التي أشارت إلى هدف الاستعادة السياسيوية الهابطة تحت وطأة مناهضتها لإيديولوجية سياسة ساركوزي بقيادة الصحفي الشهير لوران جوفران••• فإن إجماع أكبر الرموز الأدبية والفكرية على إنسانية كامو وأدبه الجميل المدافع عن البؤساء والممجد لجزائر الشمس والبحر والأم التي فضلها عن عدالة نضال الشعب الجزائري •••حقائق أصبحت دينا جديدا لا يقبل النقاش أو الطعن• المدهش في مواقف هذه النخبة تمثل في افتتاحية جان دنيال رئيس تحرير مجلة نوفال ابسرفاتور اليسارية الذي أفرد ملفا خاصا بمناسبة دعوة ساركوزي إلى إدخال كامو إلى مقبرة العظماء دون الإشارة إلى الخلفية الإيديولوجية التي رفضها جان ابن الأديب الكبير الراحل وتحفظت عليها ابنته كاترين، التي ذكرت بمواقف أبيها الذي رفض دائما التمجيد السايسيوي وفضل حريته الفكرية والإبداعية بعيدا عن كواليس السلطة• جان دنيال الذي ولد في بليدة الجزائر الفرنسية فضل التركيز على إنسانية صديقه وتربيته الفقيرة وإصابته بالسل وحبه للنساء والبحر والشمس في فيلم أنجزه مع جوال كالميت تحت عنوان ''تراجيديا السعادة'' ناهيك عن تبنيه موقف كامو الذيرفض استقلال الجزائر خلافا لعدوه الفيلسوف والأديب الكبير جان بول سارتر صديق الفيلسوف الراحل فرنسيس جونسون قائد جماعة حملة الحقائب التي كافحت إلى جانب جبهة التحرير• ولم يتردد دنيال في تاييد كامو الذي شاطره رأي ضرورة بقاء الجزائر في فلك فرنسا الحضاري والثقافي، متسائلا بطريقة غير مقنعة تخلط بين فساد الحكم ومبدأ انعتاق الشعوب من ربقة المستعمر• وكتب دنيال في هذا السياق حرفيا ''أتساءل مع كامو إن لم أكن محقا مع كامو في تقاسم الرأي الواحد من جزائر أرادت الاستقلال، لكن كل أبنائها يريدون اليوم الالتحاق بفرنسا''• الرسام الكاريكاتيري الشهير بلانتو وحده ''برد'' قلوب المهاجرين الجزائريين الرافضين لمنطق دنيال اليساري وفينلكلكروت اليميني المتطرف المؤيد لإسرائيل في كل الأحوال كما بيّنت ذلك مجزرة غزة• بريشة المبدع بلانتيو •••نشرت لوموند رسما تحت عنوان ''ألبير كامو في البنتيون'' ونرى في الرسم ساركوزي يدعو كامو إلى دخول مقبرة العظماء قائلا ''ادخل أيها الغريب'' في إشارة إلى روايته الشهيرة في الوقت الذي نرى فيه خلف كامو رجل شرطة يجبر مهاجرا أسود الرأس إلى دخول قفص شاحنة الاعتقال• برسم بلانتو يبطل عجب دعوة ساركوزي والغريب أو الأجنبي الذي يصر ساركوزي على إدخاله مقبرة المجد الفرنسي ما هو إلا القدم الأسود الذي رفض استقلال الجزائر على النحو الذي يتطابق تماما مع أنصار صنّاع قانون الاستعمار الإيجابي في فبراير 2005 بضغط من مناضلي الجزائر الفرنسية والمنظمة العسكرية السرية - لواس- والذين يقضون على مضجع ساركوزي قبل الانتخابات الجهوية القادمة بعد أن سرق خطابهم في الانتخابات الرئاسية التي أوصلته إلى الإليزييه•