سألني أحدهم عن الكتابة، فأجبته: هي حب وممارسة! وأنا لا أعرف سبيلا أخرى للخوض في بحران الكتابة الأدبية، أيا كان نوعها، سوى سبيل العشق والمران الدائم. وهو نفس الجواب الذي قدمته لطالبة كانت تتجول في أروقة معرض الكتاب الدولي الأخير بالجزائر. قالت لي: أنا متخرجة من كلية الآداب، قسم الترجمة، فبم، يا تراك، تنصحني؟ وكان أن أوجزت لها رأيي في الكلمات التالية: إذا كان بك أدنى ميل إلى الكتابة الأدبية، فما عليك سوى أن تقرئي أمهات الكتاب باللغات الثلاث التي تجيدينها، أي العربية والفرنسية والإنجليزية. وكبريات المؤلفات، والحمد لله، موجودة في جميع المكتبات. عليك بقراءة القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف والتحف العربية النثرية والشعرية في التراث العربي حتى يسلم لك زمام هذه اللغة. وعليك في الوقت نفسه أن تطالعي روائع ما كتب باللغتين الفرنسية والإنجليزية وما ترجم إلى هاتين اللغتين من الأدب العالمي من مختلف اللغات. وعليك في المقام الثاني أن تتدربي على الكتابة يوميا، أي أن تضعي أمامك دفترا ضخما تسجلين فيه كل ما يعن لك من خواطر دون أن تترفعي عن أدنى خاطرة، وستكتشفين بعد فترة من الزمن أن قلمك سينزلق على الورق دون صعوبة لأنك تكونين عندئذ قد وضعت الكثير من أسباب اللغة وطرائفها في وعيك الباطني. وعليك في المقام الثالث، وبالتزامن مع المطالعة والتدرب على الكتابة، أن تتأملي الحياة حواليك إذ أنها هي التي ستكون مادتك الأولى في معالجة كل ما يعن لك. هذه المحطات الثلاث ينبغي أن تكون تلقائية، ولا يجب عليك أن تطيلي التوقف فيها، بل يتعين عليك أن تقفزي الأسوار التي قد تقوم بينها. هي محطات تتجدد كل يوم بالنسبة لكل من يرغب في الكتابة الأدبية أو الصحفية. ذلك كل ما أنصحك به، يا بنتي، ذلك أن الكتابة في جوهرها مسألة مرهونة بمن يعشقها. وبمعنى آخر، لا يمكن تعلمها في الجامعات ولا في الدورات الكتابية التي يعمد الأمريكيون إلى تنظيمها بين الحين والآخر. ولا أشك لحظة واحدة في أن كل من كان له هوى في هذا الشأن، أي هوى الكتابة، إلا ووجب عليه أن يمر بهذه المراحل الثلاث، أي مراحل المطالعة الجادة والمران المستمر والنظر في شؤون الحياة كلها. وكبار الكتاب في جميع اللغات عرفوا هذه المحطات، وظلوا يتنلقون تلقائيا فيما بينها.