تواصل أمريكا وحلفاؤها في أوربا، خدمة الإيديولوجية المتطرفة، وتعمل كل ما في وسعها لإنعاش خلايا "القاعدة" في العالم العربي والإسلامي، عبر السياسة التي تنتهجها باسم ما يسمى بالحرب على الإرهاب، ولجوئها إلى جانب باريس إلى اعتماد إجراءات أمنية مشددة بحق المسافرين الذين يدخلون مطاراتها من بعض الدول العربية والإسلامية، على غرار الجزائر، لن يحد أو يقلل من الخطر الإرهابي، بل على العكس من ذلك تماما، سوف يساهم بشكل كبير جدا في توسيع دائرة التطرف الإسلاماوي، وسوف يوفر للتكفيريين المبررات التي يبحثون عنها لإضفاء مسحة " شرعية" على اعتداءاتهم، ولجر آلاف الشباب إلى مستنقع الإرهاب والجريمة• لقد عودنا هذا الغرب، وخصوصا أمريكا، على احتضان التطرف الإسلامي، ودعم الإرهاب بطرق ووسائل أخرى، في السابق، فقامت برعاية " الجهاد" الأفغاني وغذته ماديا وايديولوجيا باسم مواجهة الخطر الأحمر، أي الشيوعية، واحتضنت طالبان أفغانستان حتى كبرت وكسرت شوكة باقي فصائل "المجاهدين" في أفغانستان بعد انسحاب الاتحاد السوفياتي من هذا البلد، ووفر لها الطالبان المبرر لغزو افغانستان وتحويله إلى ساحة معركة دامية حالت دون استعادة هذا البلد لاستقراره المفقود منذ عشرات السنين• سياسة أمريكا ومن يدور في فلكها، خاصة في العراق والصومال، وتبنيها لإسرائيل ودعمها للكيان الصهيوني بكل الوسائل والتغطية على مجازره ضد الفلسطينيين، كما حصل في لبنان وغزة، كلها عوامل ساهمت، مع سبق الإصرار والترصد، في تغذية "القاعدة" وتبرير نشاطها في العديد من المناطق بما في ذلك الجزائر، مع هذا لاتزال واشنطن ترفع شعار الحرب الدولية على الإرهاب• ففضلا عن الأساليب الأخرى المستعملة لشحن المسلمين وجرهم إلى حضن من يسمون ب" الجهاديين" شكلت التدخل في العالم العربي والإسلامي في إطار ما سمي بمشروع " الشرق الأوسط الجديد" وشحنة الكراهية التي يتم تغذيتها خصوصا في أوروبا، والإساءة المفضوحة للإسلام كدين، عبر تدنيس مقدسات المسلمين، والتطاول على النبي محمد "ص"، وقود بالنسبة للحركات المتطرفة، التي ترفع شعار حرب على الصليبيين للرد على ما يروج له الغرب نفسه، والتصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي جورج بوش نفسه بعد هجمات نيويوركوواشنطن في 11 سبتمبر 2001، لما تحدث عن الحرب الصليبية الجديدة ضد العالم الإسلامي، لم تكن زلة لسان، وإنما إشارة انطلاق لحرب جديدة تستهدف المسلمين تحت غطاء محاربة إرهاب "القاعدة"• وإذا كانت الإجراءات الاستثنائية التي يتم تنفيذها بحق المسافرين بمطارات أمريكا وفرنسا، القادمين من بعض الدول الإسلامية، واستعمال "جهاز الكشف الضوئي" هي إهانة للإنسان كإنسان بغض النظر عن لونه ودينه وجنسيته، حسب شهادة حتى المنظمات الدافعة عن حقوق الإنسان في أمريكا، فإن طابعها السيئ للأخلاق، تجعلها موجهة خصوصا ضد المسلمين، وهو أمر يكفي لتبرير كل ما تقوم به "القاعدة" وأخواتها، ضد الآخر في أي مكان من العالم، سواء كان غربيا أو متهما بموالاة الغرب• أمريكا ومن يسير في ركبها في الغرب، لا تؤمن حقا بالتحالف مع الجزائر أو أي دولة عربية أو إسلامية أخرى فكل هؤلاء في أعين واشنطن وباريس وغيرهما مجرد أدوات لخدمة استراتيجية جهنمية تتخذ من الإرهاب و"القاعدة" غطاء لبلوغ أهداف معينة، وخدمة مصالح اقتصادية وأجندة سياسية وأمنية في المنطقة العربية، وتصنيف الجزائر ضمن قائمة تضم 14 دولة "مصدرة للإرهاب"، هو أكبر دليل على هذه المعادلة التي أصبحت أخطر من الإرهاب نفسه، ويبقى أن نشير إلى أن عهد الرئيس الأمريكي الحائز على جائزة نوبل للسلام قد يجعل المسلمين يترحمون على زمن بوش، رغم الجرائم التي ارتكبها بحقهم، فبوش لم يرغمهم على التعري وكشف عوراتهم ليثبتوا أنهم ليسوا إرهابيين كما يفعل حسين أوباما•