تعود ذكرى الحادي عشر من سبتمبر تاريخ الهجمات المروعة التي هزت الولاياتالمتحدةالأمريكية 2001 في هذه السنة بنفس التساؤلات التقليدية المعروفة، هل نجح العالم في مواجهة ظاهرة الإرهاب، وهل تتجه هذه الآفة نحو الاندثار في الجزائر، أم أن تصاعد وتيرة التفجيرات الانتحارية في الآونة الأخيرة قد يشر إلى أن الملف الأمني مرشح للأسوأ في المستقبل القريب أو المتوسط. محمد الناصر رغم مرور سبع سنوات كاملة عن الحدث، يبقى الحادي عشر من سبتمبر 2001 يلقي بضلاله على جل القضايا الشائكة في العالم ويتحكم في طبيعة العلاقات الدولية التي شهدت تطورات مهولة انتقلت بها من صراع إيديولوجي إلى مواجهة مفتوحة مع ما يسمى بالإرهاب، رغم عدم وجود معيار واحد لتحديد الفعل الإرهابي ووجود اختلافات جوهرية بين الأطروحات التي تعتبر الإرهاب هو كل سلوك عنيف يهدف إلى تحقيق أهداف سياسية أو غير سياسية عبر وسائل عنيفة تستهدف المدنيين، والطرح الأمريكي والغربي عامة الذي يضع في خانة الإرهاب كل حركة مسلحة مهما كانت طبيعتها وأهدافها، ويصنف حتى التنظيمات المسلحة المقاومة للاحتلال ضمن ما يسميه بالإرهاب. هناك شبه إجماع لدى جل المتتبعين للشأن الدولي بأن العالم قد أضحى اقل أمنا منذ 11 سبتمبر 2001، وأن الحرب الدولية على الإرهاب التي تقودها الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ الهجمات المذكورة لم تحقق الهدف المعلن أي القضاء على التهديد الإرهابي وضمان الأمن والاستقرار في العالم، فحرب أمريكا وشركاؤها على الإرهاب تحولت في الغالب إلى حروب مفتوحة ضد العديد من الشعوب المستضعفة، فمكافحة ما يسمى بتنظيم القاعدة أعطى مسوغا لواشنطن لكي تغزو بالعراق وقبله أفغانستان، وبرر المذابح ضد المسلمين في الشيشان، بل برر حتى الاحتلال الإثيوبي للصومال، و"شرعن" الجرائم التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في حربه الأخيرة على بلبنان وحزب الله. الحادي عشر من سبتمبر لم يؤثر على أمريكا أو على أوربا بل اثر على العالم العربي والإسلامي الذي واجه صدمة الانتقال من الحروب ذات الخلفية الإيديولوجية إلى الصراعات التي لها منطلقات دينية، وما من شك أن التحول المذكور قد كان له الأثر الكبير في التحولات التي شهدتها ظاهرة الإرهاب في الجزائر، والتي أخذت كما هو معروف بعد دوليا في السنوات الأخيرة. السؤل الذي يجدر بنا طرحه هنا هل حققت الجزائر نجاحا وتطورا في السنوات الأخيرة في مجال حل المعضلة الأمنية ومعالجة مشكل الإرهاب، أم أن الحادي عشر من سبتمبر كان له الأثر العكسي على بالجزائر، وأن الأحداث التي أعقبته والتحالفات المختلفة التي تولدت فيما بعد على الصعيد الإقليمي والدولي قد زادت في تقوية الإرهاب وفي إمداده بالوسائل التي مكنته من الصمود أمام كل الاستراتيجيات الموضوعة لمواجهته، سواء على الصعيد الداخلي أو على صعيد التعاون والتنسيق الدولي؟ لا يمن أن ننكر بأن الجزائر قد حققت بعض المكاسب في حربها على الإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 التي استهدفت الولاياتالمتحدةالأمريكية، ومن أهم هذه المكاسب أن واشنطن والغرب عامة أيقنوا أخيرا بان الإرهاب لا يهدد فقط دول الجنوب بل يطال حتى الدول الكبرى التي تعتقد نفسها محصنة من هكذا هجمات واعتداءات، علما أن أمريكا وخصوصا أوربا كانت تتفرج على جرائم الإرهاب في الجزائر، ويجتهد بعضها في البحث عن مبررات المجازر التي كانت الجماعة الإسلامية بالمسلحة "الجيا" تنفذها ضد المدنيين العزل خاصة في المناطق النائية، بل أن بعض هذه الدول كانت عبارة عن ملاذ أمن لرؤوس الإرهاب وللشبكات الإرهابية التي كانت تمول الإرهابية في الجزائر بالمال والسلاح. لقد استثمر الكثير من الدول التي تتحدث اليوم عن مكافحة الإرهاب في مآسي الجزائر، واستغلت دون رحمة أو شفقة الوضع الأمني الذي كانت تمر به البلاد في منتصف التسعينيات، للابتزاز باسم حقوق الإنسان وتحت مسميات أخرى كثيرة. لكن لا بد من الإشارة أن التحولات التي طرأت على الصعيد الدولي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر كان لها، من وجهة نظر أخرى أثرا سلبيا على تطور ظاهرة الإرهاب في الجزائر، فإذا كانت الخيارات السلمية قد ساهمت في معالجة الظاهرة بشكل كبير وغير متوقع وأن الوئام المدني والمصالحة الوطنية ما كان ليكونا لولا التغيرات المذكورة التي أتاحت البحث عن حلول أخرى بعيدا عن التصورات الإيديولوجية القديمة التي لم تكن لتسمح بمعالجة الإرهاب خارج الخيار الأمني، مع هذا لا بد من الإشارة إلى أن ظهور ما يسمى بالقاعدة ساهم في ارتبط ظاهرة الإرهاب في الجزائر بما يسمى بالإرهاب العالمي، وارتباط عضوي وإيديولوجي أيضا، بالجماعات الإرهابية في الجزائر أضحت تمارس إرهابا يتغذى من تكتيك باقي فروع القاعدة الأخرى ويستفيد من الدعم بكل صوره وحتى الدعم الدعائي الذي يوفر للمجموعات الإرهابية فرص أكبر للنفاذ في الأوساط الاجتماعية وضمان قدرتها على التجنيد..الخ