بقلم : آيت سالم عبد القادر وجبهة التحرير مُقبلة على عقد مؤتمرها التاسع، أبيت إلا أن أقول كلمة، أساهم بها في النقاش الدائر حول هذا الحدث الجليل، أعبر فيها عن انطباعاتي إزاء ما يجري في هذا الإطار، وأدلي برأيي المتواضع في بعض القضايا ذات الصلة بهذا الموعد المفصلي في تاريخ الجبهة والوطن وإذ هممت بصياغة أفكاري في هذا السياق، تذكرت مقالا نشر منذ أسابيع في إحدى الصحف الوطنية تحت عنوان: "مناضل ومناضل" و"جبهة وجبهة". صحيح أن الحزب أصبح أقوى من ذي قبل، لكن هذه القوة تبقى معرضة للاهتزاز وهي بحاجة إلى قوة ذاتية نابعة من قاعدة نضالية صلبة حتى وإن كان الحاكم هو أحد أبناء الجبهة البررة ورموزها البارزين ورئيسها، ولا يفسرنّ أحد كلامي هذا على أنه لوم للحزب على تأييده ودعمه للرئيس والالتزام ببرنامجه• فحاشا أن يكون هذا قصدي، وكيف يكون قصدي، وقد كنت ولا أزال من أول الداعين إلى مساندة الرئيس والالتفاف حوله، ويكفي دليلا على ذلك ما كتبته في هذا الشأن على صفحات الجرائد الوطنية في مختلف المناسبات وعلى الخصوص في جريدة "صوت الأحرار" المحترمة• ما نريد أن نقوله فقط، هو أن الحزب ينبغي أن تكون له شخصيته وبرنامجه الخاص• فإذا التقى هذا الأخير مع برنامج الرئيس كما هو حاصل اليوم، كان ذلك أقصى ما نرجوه ، ونحن إذ نطالب بهذا، فقد طالبنا به منذ أمد بعيد ، ومن باب قناعتنا لا من باب التزكية لمواقف ظهرت مؤخرا على لسان إخوة كانوا بالأمس ينادون بعكسه. وبناء على ما سبق وحسب رأيي المتواضع -وأتمنى أن أكون مخطئا، فإن الجبهة -حتى وإن تحسن أداؤها بشكل ملموس في الآونة الأخيرة -ليست على أحسن ما يرام، وهو ما اعترف به الأخ الأمين العام نفسه في كثير من مداخلاته وتصريحاته، ولتصبح كذلك لابد من إنجاز كثير من الأشياء يأتي على رأسها تطهير الحزب من مناضلي المناسبات والانتخابات ولن يتحقق ذلك إلا باعتماد الديمقراطية المطلقة والشفافية التامة في العمل التنظيمي، على نحو يسمح بفرز وبروز مناضلين جديرين بتحمّل المسؤولية بأمانة واقتدار• هذا إلى جانب التقيّد الصارم بنصوص الحزب وقوانينه، لا فيما يخص انتخاب مندوبي المؤتمر فحسب• بل كذلك وقبل ذلك، فيما يتعلق بالترشح للانتماء للحزب والارتقاء في سلم هياكله، إلا أن بلوغ هذا الهدف، لن يتم إلا بنبذ كل النزاعات السلبية وفي مقدمتها الجهوية والعشائرية والمحسوبية، والابتعاد عن تأثير المتطفلين من أصحاب الجاه والمال، لأن المال السياسي هو أسوأ ما يمكن أن يبتلى به حزب مرجعيته ثورة نوفمبر، لأن المال السياسي هو أكبر عدو للديمقراطية لقدرته على تشويهها وتحويلها عن مسارها السليم• وهذا ما نبهنا إليه منذ فترة طويلة وندد به مؤخرا الأمين العام للحزب بعد أن تأكد من أثره الهدام خلال الانتخابات النصفية لمجلس الأمة التي سبقت الإشارة إليها• وفي هذا السياق، يحضرني ما قاله الرئيس بومدين رحمه الله، في أحد اجتماعات المجلس الوطني للمجاهدين، لقد قال: من يريد الثراء والغنى فهو حر، لكن يجب عليه أن يبتعد عنا، أي يبتعد عن المسؤولية في الحزب والدولة"، ونحن إذ نذكر بهذا فلسنا ندعي الوصاية على جبهة التحرير، ولسنا ضد الأغنياء ممن أتاهم الله من فضله من رزق حلال• ولا ندعو أبدا إلى اقصائهم من العمل والنضال من أجل الوطن الذي هو ملك للجميع• لكننا ضد تلك الزمرة من الأثرياء الجدد، التي تعتقد أن كل شيء يشترى بالمال حتى النضال، وتحاول -وقد نجحت في بعض الأحيان- أن تتسرب إلى صفوف المناضلين، سعيا منها إلى الحصول على مواقع تمكّنهم من تحقيق مآرب خاصة، لا علاقة لها بمصلحة الحزب والوطن• أعود إلى أساس القضية لأقول بأن عملية التقييم والمراجعة الحقيقية والتي يتطلع إليها كل مناضل أصيل لا تتأتى إلا بمراجعة النفس قبل الغير، وذلك باعتماد النقد الذاتي الذي هو مبدأ أساسي في كل تنظيم يتوخى القوة والديمومة، مهما كان نوع هذا التنظيم، فما بالك إذا كان حزبا سياسيا عتيدا بحجم جبهة التحرير الوطني، فالنقد الذاتي- كما يعلم الجميع - هو بالنسبة للإنسان وبالأحرى الجماعات، بمثابة البوصلة التي تحميه من الانحراف عن الطريق القويم، فالعجزة وحدهم، هم الذين يخافون من النقد البناء ويحاولون تأويله على أنه إساءة للرموز والمؤسسات، محاولين بذلك التهرب من تحمل مسؤولية عملهم وأدائهم• وفي نفس السياق أريد أن أشير إلى أن الغيرة على جبهة التحرير غيرة مشروعة وأن تقييم نشاطها حق لكل المناضلين الذين آمنوا بفكرها ومبادئها على مر السنين عبر مسيرتها الطويلة• فالجبهة ليست قصرا على مناضلي اليوم ولا هي حكرا لمناضلي الأمس، ولهذا نرى - يقينا - بأن الغيرة على الجبهة عند كثير من المناضلين، بل وكثير من المواطنين، غيرة صادقة، ومعظم ملاحظاتهم - ولا أقول كلها - نابعة عن حسن نية ورغبة مخلصة في أن يروا جبهة التحرير في أوج قوتها وأنصع صورتها كما كانت أيام الكفاح، ولئن اضطر بعض أبنائها إلى التعبير عن رأيهم على صفحات الجرائد، فذلك لتعميم الفائدة، بالإضافة إلى كون الهياكل الحزبية لم تكن تسمح سابقا - أقول سابقا، لأن الأمر بدأ يتغير ايجابيا في المدة الأخيرة - بممارسة أي نقاش جدي أو حوار بناء، خاصة على مستوى القاعدة - لقد كتبت - وأنا المناضل المنهوك - عشية المؤتمر الثامن - مقالا تحت عنوان: "جبهة التحرير إلى أين"، ومن بين ما قلت حينها أن المؤتمر ليس تجمعا "للزردة والهردة" على حد تعبير المرحوم الأستاذ "مولود قاسم"، وها أنا أكرر اليوم أن المؤتمر ليس مهرجانا خطابيا، بل تجمعا وطنيا لمناضلين يمثلون عن جدارة واستحقاق القاعدة الحزبية، مناضلون يلتقون لتقييم المسيرة وتصحيح المسار، لوضع معالم واضحة لعمل مستقبلي، يترجم في برنامج دقيق وملزم التطبيق• وعندما أتحدث عن مناضلين حقيقيين فأنا أعي وأعني ما أقول، لأن العبرة، ليست بالعدد وإنما بالنوع، والنوعية بالنسبة لي ليست أسماء فضفاضة وألقابا جوفاء، بل رجالا يؤمنون بمبادئ الجبهة وأفكارها ويضحون بالنفس والنفيس من أجل تجسيدها على أرض الواقع، ورحم الله الشاعر العربي القائل: "وما تنفع الخيل الكرام ولا القنا، إذا لم يكن فوق الكرام كرام"• أجل، فماذا تنفع المؤتمرات والندوات والملتقيات إذا كانت مجرد تجمعات لإلقاء خطب ورفع شعارات وقراءة لوائح معدة سلفا•• لوائح يصادق عليها بالتزكية وتنسى بمجرد أن ينفض اللقاء•• وماذا تنفع هذه الجحافل من "المناضلين" الجدد الذين لا نراهم يملؤون المحافظات والقسمات إلا عندما تحين المواعيد الإنتخابية، ولهذا دعونا إلى أن يكون التحضير للمؤتمر على مستوى القواعد، تحضيرا جديا ودقيقا ودون استعجال،إذا أردنا أن يتمكن هذا التجمع الوطني الجبهوي الهام، من الإجابة على كل الأسئلة المطروحة عليه والتي تعتبر مصيرية بالنسبة لمستقبل الحزب، وأولها السؤال الذي طرحه الأخ "نذير بولقرون" في إحدى مقالاته إذا لم تخني الذاكرة، والذي ننضم إليه في طرحه ألا وهو: ما هي جبهة التحرير التي نريد؟، كما ننضم إليه ونتفق معه عندما يجيب على هذا السؤال مذكرا بالمبادئ الأساسية التي بنيت عليها الجبهة، أقصد مبادئ نوفمبر العظيم التي يجب علينا أن نتمسك بها نصا وتطبيقا، إن أردنا لجبهة التحرير أن تبقى جديرة باسمها وألا تتحول إلى شيء آخر كما قال الأخ نذير في مقاله المشار إليه، وبهذا الصدد يجدر بنا أن ننوه بأن الوثائق المنبثقة عن اللجنة التحضيرية قد جاءت منسجمة مع هذه الدعوة وهذا الاتجاه الذي نشترك فيه مع مجموعة كبيرة من المناضلين، وبالعودة للحملة المغرضة التي تعرضت لها الجبهة أقول بأن "رب ضارة نافعة"، فلعل بل أكيد أن هؤلاء المرجفين الحاقدين قد أفادوا الجبهة من حيث أرادوا الإساءة إليها، فقد كانت لحملتهم السخيفة تداعيات إيجابية تمثلت في صحوة جديدة في أوساط الحزب، جعلته يستيقظ من غفوته ويتخلى عن الثقة المفرطة والشعور بالإطمئنان والأمان النابع إلى حد ما من ارتباطه الذي يكاد يكون عضويا بالسلطة، قلت حسنا فعل هؤلاء المتطاولون من حيث أرادوا الإساءة للجبهة، حيث كانت لحملتهم الدنيئة الظالمة ردة فعل سريعة، جعلت الحزب يستنفر أبناءه على جميع الأصعدة والإنطلاق في عملية مراجعة ذاتية طالما دعونا إليها•• تلك المراجعة التي لمس الجميع آثارها الإيجابية على الأشغال التحضيرية للمؤتمر التاسع•