سنة أخرى انقضت من عمر "صوت الأحرار"، قبل اثني عشر عاما من اليوم كانت ثلة من الصحافيين ترفع التحدي وتطلق جريدة في ظروف لم تكن سهلة، وقد لعبت أوضاع البلد، لغير صالح المنافسة الإعلامية النزيهة، وكان لابد من التسلح بكثير من الشجاعة والصبر للمغامرة بإطلاق عنوان صحفي وضمان الاستمرار له. كان لابد للجريدة أن تستمر، ليس لأن مؤسسيها أرادوا لها أن تكون صوتا رصينا في الساحة الإعلامية فحسب، بل لأنها أيضا خاطرت بأن تكون حاملة لرسالة الوطن، مدافعة عن قيم الشعب ومصالحه، وكان لابد منذ البداية أن نفرق بين الدفاع عن الوطن وبين رؤيتنا الخاصة لما يمكن أن يكون مصلحة الوطن، فقد ولدت "صوت الأحرار" في عهد التعددية، وقد خرجت إلى الوجود بفضل جهود صحافيين آمنوا حقا بالتعددية في الفكر والإعلام والسياسة، ومن هنا لم تنكر الجريدة في يوم من الأيام على أحد أن يكون صاحب رأي مخالف، ولم تغلق الباب أمام أصحاب الرأي من كتاب ومثقفين وسياسيين، بل يحق لها أن تفاخر بأن صفحاتها اتسعت لمن ضاقت بهم الجرائد الخاصة الموسومة بالاستقلالية، وتحملت نشر أفكار أخذت كل ألوان الطيف التي تزين الثقافة والسياسة والفن في هذا البلد، ويحق لها أيضا أن تفاخر بأنها فعلت ذلك دون ابتذال أو إسفاف أو إخلال بتعهدها الأول كجريدة ملتزمة سياسيا ومنحازة لصف الوطن وثوابته. قبل سنوات كانت ذكرى انطلاق "صوت الأحرار" مناسبة لطرح سؤال تقليدي هو: هل سنكون هنا العام المقبل لنحيي الذكرى مرة أخرى ؟ لكن اليوم لسنا وحدنا من نطرح السؤال، فالعالم كله يتساءل كم بقي أمام الصحافة المكتوبة لتعيشه، ففي ظل هذا الزحف الرهيب لتكنولوجيا الاتصال انكمشت المساحات أمام الورق، ومع ذلك لا يزال هناك ما يجب إنجازه لإتمام هذه الرسالة، فمتعة القراءة مرتبطة دوما بالورق، والجريدة رفيق لا يمكن التخلي عنه بهذه البساطة، وبقدر تمسك الناس بالصحافة المكتوبة يشعر الصحافيون بحجم مسؤوليتهم في تقديم مادة إعلامية أكثر تميزا، مادة يطبعها النفاذ إلى الأعماق التي تتحاشاها وسائل الاتصال الأخرى، وتقديم القراءة الهادئة التي تساعد على تشكيل رؤية أوضح لما يحيط بنا. "صوت الأحرار" مصرة على المضي قدما على طريق الإعلام النزيه الذي لا يسقط في فخ الإثارة، ولا يبغي الربح على حساب أخلاق المهنة، ولا يضحي بالوطن والمجتمع من أجل حصة أكبر في سوق الإعلانات، ومع شراسة المنافسة، وهي غير عادلة في كل الأحوال، فإن لدى العاملين في الجريدة والقائمين عليها ما يكفي من الإرادة والكفاءة والالتزام للقول بكل ثقة سنكون هنا العام القادم إن شاء الله، وسنبقى دوما تلك الجريدة التي فرضت الاحترام على كل من يعرف قواعد المهنة وأسرارها.