كثيرا ما نسمع عن أشخاص- وما أكثرهم- يرفضون الالتحاق بمراكز وضعتها الدولة خصيصا لاستقبالهم مفضلين ألف مرة افتراش الأرض والالتحاف بالسماء في ظروف لا يمكن أن يعيش فيها إلا "طويل العمر " ويفسر هذا الرفض من قبل القائمين على هذه المراكز بعدم قدرة هؤلاء الأشخاص بدون مأوى على التعايش في إطار منظم وفق مجموعة من الحقوق والوجبات بعد أن تعودوا على قانون الشارع الذي يأكل فيه القوي الضعيف.. لكن الحقيقة أن الحالة التي بين أيدينا ، المراكز هي التي أغلقت أبوابها في وجهها بسبب مرضه و ليس العكس فالمواطن جيلالي-ب البالغ من العمر 57 سنة الذي طرق أبواب الجريدة يائسا متسائلا" وين نروح وشكون نشوف " حالة تستدعي الوقوف عندها كإعلاميين وكإنسانيين بالدرجة الأولى لنتساءل بدورنا هل يمكن أن تعوض في كل مرة مساهمات ذوي القلوب الرحيمة التي تكفلت في كل مرة باحتياجات "جيلالي وغيره من الأشخاص بدون مأوى جهود الدولة التي خصصت الملايين للتكفل بهؤلاء وهل امتلأت المراكز عن أخرها رغم كثرتها حتى لا يبقى مكانا واحدا شاغرا ل "جيلالي" الذي يئن تحت وطأة المرض وهل يحق لأي مسؤول بهذه المراكز أن يقرر طرد أي نزيل لأن مرضه معد أو خطير، وإذا كان لا يمكن لمراكز الدولة أن تتكفل بالمشردين من دون مأوى حماية لهم ولغيرهم فمن يتكفل بهم يا ترى؟ المواطن جيلالي-ب يقيم في الجزائر العاصمة منذ سنوات عديدة بصفة اضطرارية بسبب مرضه الذي يستدعي تنقله كل ثلاثة أشهر إلى مستشفى القطار لزيارة طبيبه المعالج و الحصول على حصته من الأدوية الأطباء بالمستشفى المذكور لم يسألوه قال لنا عن مسقط رأسه ولم يرفضوا علاجه لأنه ليس من العاصمة بل تعاملوا معه بكل الطيبة وإنسانية مقدمين له خدمات صحية كغيره من المرضى مؤكدين له أن طرق انتقال مرضه معروفة من شخص لأخر ويمكن التحكم فيها وقد أكدت له الطبيبة المعالجة له انه يمكن لها أن تأكل من طبقه وبملعقته دون أن يحصل لها مكروها عندما سمعت بقرار مسؤولي مركز العجزة والمعوقين بباب الزوار منذ سنة تقريبا والقاضي بطرده بسبب مرضه لم يشفع لديهم سوى برودة الطقس آنذاك فاضطروا لتأجيل تنفيذ قرار الطرد إلى أسبوع حاول مرارا أن يستقصي السبب ومعرفة ما صدر منه من تجاوز أو خطا لا يغتفر لكن دون جدوى . جهود هذا الشخص بدون مأوى لدى وزارة التضامن و العائلة لرفع ما لحقه من ظلم و حقرة على حد تعبيره باءت كلها بالفشل و لم ينجح إلا في إبقائه لمدة خمسة أيام بمركز بئر خادم خرج منها هذه المرة بتوصية موجهة إلى مسؤولي مركز بتيارت- مسقط رأسه- تسمح له بالمكوث فيها بعد شرح حالته الصحية لكن لم ليكن للتوصية الذي احتفظ بها "جيلالي .ب" جيدا في جيب سترته ولازال يحتفظ بها خوفا من ضياعها أي مفعول . "لم أنزح إلى العاصمة قال جيلالي من باب السياحة أو الاستجمام بل طبيعة مرضي تحتم بقائي قريبا من مستشفى القطار، اضطررت في السنوات الأولى أضاف قائلا بعد خروجي من المستشفى افتراش الكرتون بضواحي باب الجديد كنت أتحاشى الأماكن التي تكثر فيها أعمال العنف والانحراف لكن أولاد الحلال بعد طردي من مركز باب الزوار ساعدوني ولازالوا يساعدونني من حين لأخر للمبيت في احد المراقد ويتكفلون بدفع 3000 دج شهريا واعترف لكم بمجرد أن ينتصف الشهر ينتابني شعور بالخوف من العودة إلى الشارع ثانية فأسارع إلى طرق أبواب المحسنين والذين لا يبخلون في مساعدتي كلما سمحت ظروفهم بذلك " . وبالرغم من الوضع الصعب الذي يعيشه هذا المواطن من مرض و فقر و تشرد فان عبارة الحمد و الشكر لله لا تفارق قاموسه اليومي بالرغم من أنه يضطر في كثير من الأحيان عندما لا يجد من يتصدق عليه بلقمة يومه البحث في المزابل عن خبز ماس أو بعض الخضر أو الفواكه يتقوت بها في انتظار أن يصادف صدفة أو عمدا وجوه الخير و الإحسان الذين تعودوا عليه يدعونه من حين لآخر على وجبة ساخنة في المطاعم الشعبية لكن في غياب هذه التفاته يئن هذا المواطن تحت وطأة الجوع ويصوم لو تطلب الأمر أيام متتالية بينما الكثير المواطنين يتألمون من التخمة. مطالب المواطن "جيلالي . ب "بسيطة و ليست مستحيلة يحلم بسرير في مركز يكون قريب من مستشفى القطار و بوجبة ساخنة تقدم له كغيره من النزلاء في مواعيدها حتى يتمكن من تناول دواءه دون مضاعفات" أنا شخص مسالم هادئ قال لنا "جيلالي" لم أوذي أي شخص انقلبت حياتي رأسا على عقب بعد وفاة والدي واستحواذ زوجته على المسكن لتبدأ معاناتي من رحلة البحث عن" الخبزة" بغرداية حيث بقيت ست سنوات هناك لا اعرف كيف انتقل الي المرض ..أخشى كل ما أخشاه أن ا موت لا من المرض بل من البرد والجوع فلا أجد من يحمل نعشي إلى قبر أخاف أن يقال لا تدفنوه في العاصمة ..انقلوه إلى مسقط رأسه..."