الأتراك الذين سجل التاريخ لهم في شمال إفريقيا الفضل في تنظيف كل الشمال الإفريقي من جيوب الاجتياح الإسباني، الذي لم يكتف بطرد المسلمين من شبه جزيرة إيبيريا، وإنما طارد أذيال المسلمين عبر كل موانىء البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، وأحكم سيطرته عمليا لعقود على أغلب الموانىء في الضفة الجنوبية للمتوسط الغربي، هؤلاء الأتراك الذين تصدوا للغزو الإفرنجي مطلع القرن السادس عشر، هل يفعلوها مرة أخرى ويعيدون للأعراب من حكام الطوائف الإحساس بالآدمية والكرامة !؟ وينقذوهم بعد 5 قرون أخرى من مخالب الصهيونية والغرب؟• إذا كان صحيحا أن التاريخ لا يعيد نفسه، وأن لا مجال لمقارنة عالم اليوم بالظروف والمعطيات التي كانت سائدة آنذاك، فإن الكثير من العوامل والشواهد تؤشر إلى تماثل وتشابه كبير بين الحالتين• عرب أو بالأحرى أعراب وصل بهم الحال إلى أدنى درجات الآدمية، وخور الإرادة، وفقدان العزة والكرامة، على الرغم مما أعطاهم الرب من خيرات وإمكانات لو أتيحت لغيرهم، لما تجرأ عليهم أحد ولكانت لهم كلمة في شؤون العالم، فضلا عن مصيرهم هم وشؤونهم الداخلية• هل يجوز عقلا الحديث عن شيء اسمه العالم العربي في ظل البذخ والوفرة والسفة الذي تعرفه بلدان خليجية، بينما جارهم اليمن "الشقيق" يتضور جوعا وما يزال يقتات على القات في ديكور هو أقرب إلى العصور الوسطى وأيام الجاهلية الأولى• هل يصح الحديث عن شأن يسمونه العرب والجامعة العربية، عندما نرى شعبا مثل الشعب المصري لا يكاد يضمن "عيش" مواطنيه إلا ببيع سيادته، بينما أشقاءه في الشرق والغرب يشكون التخمة، بل ويتلذذون بفقر الشعب المصري ويعيرونه بالفقر؟• السودان والصومال، جزر القمر، بلدان تصرخ وتنادي أنها عربية وأنهم عرب وأعضاء في الجامعة العربية، ولكن لا أحد من الأعراب يسمع لهم صوتا أو يحس لأنينهم، حتى ولو أنمحت الصومال من الخارطة وصارت السودان سودانات واختارت جزر من القمور اللحاق بفرنسا••• لا يهم كل ذلك عند الأعراب طالما العروش محفوظة والخزائن مملوءة، والرب الأمريكي يحميهم من خوف• الأتراك الذين وضعهم قدرهم ضمن ما اصطلح عليه بالعالم الإسلامي، تحملوا عبء تأخير استعمار الشمال الإفريقي أربعة قرون، وإذا كان المغرب الشقيق لم يعرف الحكم العثماني كباقي الدول العربية، فإنه دفع وما يزال يدفع ثمن ذلك، استعمار الإسبان لسبتة ومليلية وجزر أخرى في المتوسط والأطلنطي• فعل الأتراك ما فعلوه عبر التاريخ، لأن الشعوب العربية وقادتها المستضعفين أدركوا أن لا قبل لهم بمواجهة الاستعمار الغربي، فمدوا أيديهم إلى جيرانهم وإخوانهم في الدين وفي التاريخ، ولم يخذلهم الأتراك فتوحدت الجهود وصدقت الإرادات، فكان ما كان من طرد الإسبان شر طردة، ومن استعادة السيطرة على المتوسط• دار الزمن دورته، واستعادت الأمة التركية بعض توازنها وموقعها الإقليمي، بينما ازداد العرب تمزقا وضعفا وطائفية، كما ما كان عليه الحال في القرن الخامس والسادس عشر، فهل تدفع قوى التاريخ وعوامل الجيو ستراتيجيا الأتراك إلى تحمل قدرهم التاريخي مرة أخرى••• وهل تكون غزة وفلسطين هي النافذة ! ممكن، شريطة أن يدرك الأعراب وحكام الطوائف، أن نجاتهم مرهونة بالانخراط ضمن مجالهم الحضاري الجغرافي التاريخي الذي يشتمل حتما الأتراك والفرس•