أعرب عن شكوكه فيما يجري في الصحراء الكبرى من عمليات اختطاف، وأرجع ما يحدث من مناورات واستفزازات سياسية فرنسية، بالتعاون مع بعض الجيران، إلى مواقف الجزائر الاقتصادية الأخيرة وقراراتها السيادية وثباتها في مربع دعم القضية الفلسطينية دون قيد أو شرط.. إنه بعض ما تحدث به أحد الأساتذة في ندوة مركز الرائد للدراسات والبحوث حول خلفية الحملات الإعلامية المغربية وأثرها على العلاقات بين الجزائر والمغرب. أكاديميون وسياسيون ووجوه من المجتمع المدني تداولوا على منبر الحديث وصالوا وجالوا في ميدان العلاقات الجزائرية المغربية وقضية الصحراء الغربية وأثرها على المنطقة وتداعياتها على مسيرة اتحاد المغرب العربي ذلك الفضاء الذي تتطلع إليه الشعوب والنخب السياسية والثقافية الصادقة بقلوب تنبض بالحب والإخاء والرغبة في السلام والوئام، وعقول أدركت حقائق التاريخ والجغرافيا فوصلت إلى نتيجة كالشمس في وضح النهار تنادي الجميع إلى التنسيق والتعاون ومن هناك إلى الوحدة الشاملة لأنها قدر الجميع في زمن التكتلات والفضاءات الكبرى. قضية الصحراء الغربية هي بيت القصيد في الخلاف الجزائري المغربي، كما شدد أحد الأكاديميين، وهي مفتاح الحل ومن ثم الأساس في بناء اتحاد المغرب العربي.. ومن هذا المنطلق تحدث المتدخلون عن حقائق تاريخية كثيرة أبانت عن وجوه متعددة لحق الصحراويين في إقامة دولة مستقلة.. تلك الدولة التي ستنهي عند قيامها الحساسيات، شبه المزمنة، بين الجزائر والمغرب وتكون إضافة جديدة في بناء اتحاد المغرب العربي الكبير حين يتشكل من ست دول بدل خمس. كلمات المتدخلين أفاضت في الحديث عن الحملات الإعلامية المغربية التي لم تعد مجرد ردود فعل أو تصرفات معزولة بقدر ما صارت منظمة ولها أهدافها الواضحة وجهاتها الداعمة، ولا تقتصر على وسائل الإعلام المغربية بل تتعداها إلى استعمال القنوات العربية عبر الصحفيين المغاربة هناك وغيرهم من الموالين أو النفعيين. الحملات استهدفت تشويه صورة الجزائر عبر تحميلها مسؤولية فشل مسيرة اتحاد المغرب العربي من جهة، وتصويرها على أنها غربية الهوى والثقافة وأن توجهاتها وارتباطاتها أمتن وأقوى مع الضفة الأخرى للمتوسط على حساب العلاقات المغاربية والعربية. ويمكن القول بأن هذا شأنهم الخاص وتلك سياستهم وإن بات واضحا أن بعض مراكز القرار المغربي تستثمر في معاناة الشعبين الصحراوي والمغربي، على حد تعبير أحد الأكاديميين.. لكن السؤال يتجه نحونا ويتمحور حول دورنا في الرد على هذه الحملات الإعلامية، ومسؤوليتنا عن تقديم الصورة الصحيحة عما عندنا على الأقل، ثم ترك الأمر للمشاهد والقارئ العربي والمغاربي ليقارن ويحكم. عدد من المتحدثين اتفقوا على ضرورة إعادة النظر في الاستراتيجية الإعلامية المتبعة في بلادنا على مستوى التلفزيون ووكالة الأنباء، كما تحدثوا عن دور المجتمع المدني والأحزاب السياسية في الدفاع عن سمعة الجزائر.. فإذا كان من حق الجهات الرسمية أن تتبع سياسة الصمت في بعض الأوقات لحسابات ما؛ فإن الأحزاب والجمعيات والمنظمات الجماهيرية لها ما تفعله في هذا الشأن، والمفترض أنها طليقة اليد واللسان أكثر من غيرها. ما دار في الندوة مفيد لكن ما أودّ التركيز عليه هو ذلك الكلام الصريح لأحد الأساتذة عن ضرورة مد الجسور مع وسائل الإعلام العربية خاصة القنوات الفضائية الرائدة، والتواصل معها واحترام مهنيتها وعدم التدخل في أساليب تعاطيها مع الأخبار والقضايا التي تتناولها.. والحقيقة أن الكلام في هذا الموضوع له شجون، لأن مشكلة الخلاف مع وسائل الإعلام في بلادنا وبلدان أخرى تعود إلى إصرار البعض على التفكير بأسلوب تجاوزه الزمن بعدما دخلنا عصر الفضائيات والانترنت والتنافس المحموم بين وسائل الإعلام وجريها وراء الخبر أينما كان خاصة إذا شابه شيء من الإثارة. علينا أن نتفهم آليات وأساليب وأجواء العمل في غرف أخبار القنوات الفضائية ووسائل الإعلام الكبيرة المؤثرة لنتمكن من التعامل معها دون حساسيات ونستوعب بعض ما يحدث ولا نتصور أن ما يقومون به موجّه ضدنا بالضرورة مع سبق الإصرار والترصد، وأنهم يسعدون باتساع جراحاتنا وتفاقم مآسينا وأزماتنا. سوف نفترض أن رئيس تحرير نشرة الأخبار، في غرفة أخبار قناة إخبارية عربية في الخليج، صحفي مهني محايد، بل دعونا نذهب إلى أبعد من ذلك ونتصور أنه جزائري يرغب في بثّ شيء من صور بلاده الزاهية ليدفع عنها بعض أخبار القتل والقتال التي شاعت عنها خلال سنوات وسنوات.. إن على صاحبنا إعداد نشرة الأخبار والظهور بها في وقتها دون تأخير ولو لثانية أو ثانيتين.. وهو يعد النشرة ويرتب الأخبار، حسب أهميتها وقيم المؤسسة في ترتيب الأولويات لدى المشاهد، يحتاج إلى متحدث من الجزائر مثلا ويريده بالصوت والصورة، فهل تظنون أن في وسعه الحصول على ذلك بالسرعة التي تحدث في دول أخرى تزدهر فيها الخدمات الإعلامية؟ وهل في استطاعته الصبر على بطء الإجراءات وتردد المسؤولين في قبول التحدث مع القناة من عدمه؟.. وفي المقابل سيجد البديل جاهزا.. وزير مغربي سابق، وحتى حالي، أو سياسي أو أكاديمي.. وبينه وبين الأستديو في الرباط خمس دقائق أو عشر على الأكثر ويكون حاضرا ليفرّغ في آذان المشاهدين ما يشاء.. وغير الرباط هناك عواصم أوروبا وخدمات الاتصال المتميزة فيها وأعداد المتحدثين الغفيرة من الجزائريين وغيرهم. إن الأمر لا يحتاج إلى كثير عناء وما هو إلا توفير خدمات تقنية وتخصيص متحدثين إعلاميين نشطين حاذقين لمختلف المؤسسات والجهات.. وقبل ذلك وبعده نحتاج إلى تغيير نظرتنا لقضية التعامل مع وسائل الإعلام فنمدّ معها الجسور ونصبر على بعض مشاغباتها وتوجهاتها في التغطية، ونؤمن بأن التواصل من متطلبات زمن الإعلام، وأنه أكثر من ضرورة، وأنه لن يمس كرامتنا وسيادتنا كما يظن البعض.