الحلقة الأولى هناك ثابتان بارزان يميّزان عهد الاحتلال الفرنسي لبلادنا، وهما من جهة، لجوء المحتل دوما إلى استعمال العنف والقمع ليضمن لنفسه البقاء فوق ارض ليست بأرضه، تقابله من جهة أخرى مقاومة شعبية دائمة ومتعددة الأشكال كردّ فعل طبيعي يعكس ما عرف به شعبنا عبر التاريخ من التعلّق بالحريّة ورفض الاستسلام لقانون القوّة. * وقد تولّد عن هذين الثابتين سلوكان متعارضان يفرّقان بينهما، أحدهما للغازي يدفعه مركّب التفوق العنصري القائم على "الأساطير التمدينية للجنس الأعلى"، والثّاني سلوك للضحيّة صقله تعلّق أجدادنا الأزلي بالحرية واعتزازهم بالانتماء إلى دائرة ثقافية ودينية مختلفة تمدّهم بأسباب المقاومة والثّقة بالمستقبل؛ وها نحن اليوم بعد مرور 48 سنة على استعادة استقلالنا الوطني، لا نزال مشدودين إلى تلك الحقبة التي لم تخمد نارها بصفة نهائية لأنّ صدماتها النفسية في الأحياء منّا عميقة وجروحها لم تندمل بعدُ؛ فهي تتأجّج كلما فترت العلاقات بين الجزائر وباريس إذ غالبا ما يثير إقدام هذا الطرف أو ذاك على اتخاذ قرارات سيادية كيفما كان طابعها الشّكوك لدى الطرف الآخر، فيعود مجدّدا الماضي الاستعماري إلى الواجهة ليجد هنالك خلف البحر من يفتخر به ويمجّده وكأنّ شيئا لم يكن . * ليس من السّهل استعراض تطوّر هذه العلاقات بالشّرح الوافي بحكم محدودية المساحة؛ ولذلك وجب الاكتفاء بالتذكير ببعض محطّاتها الأساسية، لعلّها تساعدنا على فهم أفضل لواقعها الراهن وآفاقها في المدَيين المنظور والمتوسّط، ولكن دَعُونا في بداية الأمر نُجلي من النقاش ما تنبّأ به وزير الخارجيّة الفرنسي الحالي بيرنار كوشنير في تصريح صحفي أدلى به في فيفري الأخير بشأن مستقبل الروابط الجزائرية الفرنسية لما فيه من وقاحة وتطاول : * " إنّ الجيل الذي حقّق الاستقلال في الجزائر ما زال في السلطة؛ وسوف يكون الأمر أفضل ( بالنسبة لمصير العلاقات الثنائيّة ) بعد رحيله " * لا يخفى على نبيّ قومه أنّ السلام غالبا ما يصنعه المتحاربون لأنّهم أكثر النّاس خبرة بويلات الحرب، ومعنى هذا أن مسألة الذّاكرة- كتبِعة من تبِعات السّلام- إذا لم تٌسوّ على أيديهم، فإنّ الأجيال الصاعدة في البلد الضحيّة لن تكون أكثرّ استعدادا للصّفح عن جرائم الاستعمار؛ وعلى نبيّ قومه الذي يُخامره الشكّ أن يحلّل جيّدا أسباب الهبّة الوطنية التلقائية التي أعقبت تأهّل الفريق الوطني لكرة القدم لتصفيات كأس العالم 2010، والّتي كانت من صنع ملايين الشبّان ممّن وُلدوا تحت شمس الاستقلال ولم يكتووا بنار الحرب كما قصّها عليهم الآباء والأجداد ولمسوا آثارها في كلّ مكان . * * الولادة الصّعبة لعلاقات متقلّبة * لم تخل العلاقات الجزائرية الفرنسية منذ الاستقلال من هيمنة الماضي حتّى كادت تختصر في سلسلة من الأزمات المتتاليّة والفرص الضّائعة لتجاوزها؛ ولا عجب، لقد ولدت هذه العلاقات من قطيعة مؤلمة بعد عيش مشترك طويل مفروض بُني على مئات الآلاف من الشهداء والملايين من المهجَّرين، والمعوّقين، واليتامى والثكالى ومشاريع لسحق الذّاتيّة ومحو الذّاكرة؛ لقد نجا من الفناء والإبادة فوق هذه الأرض الثائرة مجتمع أنهكته عقود من المقاومة والاستنزاف، فوجد نفسه غداة انتزاع زمام المبادرة في تقرير مصيره ممزّقا وأميّا بعد أن كان ملتحما متعلّما، وورث اقتصادا موجّها للخارج، وإدارة تحكمها قوانين قائمة على التّمييّز العنصري . * إن اتفاقيات "إيفيان" التي أنهت الحرب، نصت على فترة انتقالية من ثلاث سنوات يتمّ بعدها "تحديد العلاقات الدائمة بين الجزائر الجديدة، وفرنسا"، وحاولت أن تعطي لكلّ طرف ضمانات تطمئنه على مستقبله في رحاب الدّولة الجديدة، إلا إنّها لم تعمّر لِاختلاف تفسير الطّرفين لها فور دخولها حيّز التّنفيذ واصطدام كلّ منهما بمعارضة داخليّة: فالحكومة الفرنسيّة لا تعتبرها معاهدة بين دولتين مستقلّتين لأنّها لا تعترف بوجود دولة جزائريّة قبل الاحتلال تمثّلها الحكومة المؤقّتة وإنّما تتعامل معها كشيء شبيه ببرنامج يحمي مستقبل الأقلّية الأوروبيّة ويضمن مصالح الّدولة الاستراتيجية وخاصّة في الصحراء حيث البترول والغاز والفضاء لإجراء التّجارب الذرّية العلميّة والفضائيّة، بينما ترفض منظّمة الجيش السرّي الإرهابيّة (OAS) الّتي يؤيّدها المستوطنون الأوروبيّون، التخلّي عن "الجزائر فرنسيّة". أمّا قيادة جبهة التحرير الوطني فترى فيها اتّفاقيّات بين دولتين لإنهاء الحرب واستعادة السيادة الوطنيّة والشّخصيّة الدّوليّة للجزائر، وعندما ظهر الصّراع في صفوفها على السّلطة استعدادا للعودة إلى أرض الوطن، اعتبرها المجلس الوطني للثورة الجزائريّة (وهو القيادة السياسية العليا للثّورة ) في آخر دورته في طرابلس في جوان 1962 " قاعدة للاستعمار الجديد تحاول فرنسا استعمالها لتمكين هيمنتها وتنظيمها بشكل جيّد ". * - في تلك الدّورة تبنّى المجلس الوطني مشروع مجتمع يقوم على الاشتراكية كاختيار اقتصادي اجتماعي، وعلى الحزب الواحد كنظام سياسي؛ وبقيت الأولوية الثانية المتعلّقة ببناء الدّولة، وهي الأصعب لرجال حرمتهم ظروف الاحتلال من اكتساب التجربة المطلوبة لإدارة الشأن العام، فلم تكن للجزائر إطارات مؤهّلة بالعدد الكافي، ولم يكن يخطر ببال رجالها أن تهجرها الكوادر الفنيّة الفرنسيّة دفعة واحدة ولمّا يجفّ حبر اتّفاقيّات إيفيان الّتي نصّت على بقاء الجهاز الإداري بتركيبته البشريّة طيلة المرحلة الانتقاليّة: "إنّ الموظّفين الممارسين حتّى تاريخ إجراء تقرير المصير يستمرّون في مناصبهم" بل إنّ السلطات الجزائريّة "لا تستطيع أن تطردهم إلاّ بعد استشارة السّلطات الفرنسيّة"). وهكذا بُنيت العلاقات بين الدّولتين من الأساس على سوء تفاهم ومعارضة لها داخل كلّ معسكر، وهي سمة ستلازمها في شكل أزمة ثقة خفيّة دائمة وظّفها الجيران لصالحهم وتمنّوا المزيد . * أ - من العلاقات المتميّزة إلى العلاقات العاديّة * راهنت الحكومات الفرنسية المتعاقبة بيمينها ويسارها بادئ الأمر على الحلّ العسكري، من أجل الاحتفاظ بنفوذها في الجزائر، فألقت بكلّ ثقلها في ساحة المعركة مدعومة بالحلف الأطلسي وخاصّة الولايات المتّحدة الأمريكيّة(2)؛ ولكنّها اكتشفت أنّ القضيّة الجزائريّة انتقلت إلى المحافل الدوليّة وأنصارها عبر العالم في تزايد، حينها لجأت إلى الحلّ السياسي فأدرجت في اتّفاقياّت إيفيان "تعاون الأقليّة الأوروبيّة مع المؤسّسات ومشاركتها في الحياة العامّة في الجزائر المستقلّة شرطا لقيام تعاون بين الدّولتين"، ولكن مراهنتها أيضا كانت خاسرة لأن الجزء الأعظم من هذه الأقليّة الّتي أيّدت منظّمة الجيش السرّي فرّ أو هاجر، طوعا أو كرها، في الأشهر الّتي تلت وقف إطلاق النار. ولا غرابة إذن أن يكون الرئيس الفرنسي الجنرال ديغول -وقد خسر الرّهانين العسكري والسياسي- غير مرتاح في تعامله مع نّظام الجزائر المستقلة بدعوى أنّه " لا يحترم اتفاقيات إيفيان، ويتلذّذ بمعاداة الاستعمار " ويقول : " عندما يستقيم هذا النظام يمكن آنذاك أن نقيم معه علاقات طبيعية "( 3 ) ؛ * - إنّ هذا الادّعاء يستدعي ملاحظتين: إن الدّولة الفرنسيّة آخر من يتحدّث عن احترام الاتّفاقيات والمعاهدات مع الجزائر، فقد نكثتها على الأقلّ ثلاث مرّات في عهد الاحتلال (وثيقة استسلام الدّاي حسين، معاهدة تافنة، ووجهة نفي الأمير عبد القادر)، أمّا الملاحظة الثّانية فهي أنّ هذا الادّعاء يخفي لدى صاحبه العجز عن الردّ على السؤال التالي: كيف يمكن إحلال علاقات تعاون جديدة بين ندّين متساويين بدل علاقات هيمنة بالية تجمع بين آمِر ومُنفِّذ؟ وبعبارة أخرى هل تستطيع الذهنيّة الاستعمارية أن تسلّم بإرادة الشّعوب وتتخلّص من عقد الماضي؟ * ظلّت الإجابة على هذين السّؤالين معلّقة، وكان ذلك واضحا في مسارّ العلاقات الثنائيّة، فالخطوات الأولى في إرساء هذه العلاقات استندت -ليس إلى معاهدة بين ندّين(4)- بل إلى تصريح عرف باتفاقيات إيفيان الّتي أنهت حالة الحرب بين المقاتلين وحدّدت مجالات التّعاون، مماّ استوجب -بعد المرحلة الانتقاليّة- إبرام عدد من الاتفاقات القطاعيّة بين دولتين مستقلّتين وذاتي سيادة: المحروقات في جويلية 1965، التّعاون الفنّي والثّقافي في أفريل 1966، وتنقّل وإقامة الجزائرييّن في فرنسا في أكتوبر 1968. على أنّ الأزمة الكبرى الأولى بين البلدين انفجرت عندما قرّرت الجزائر في فيفري 1971 استكمال استقلالها الاقتصادي بتأميم ثرواتها الطبيعية من المحروقات، بعد أن عدّلت أسعارها قبيل ذلك بأشهر قليلة؛ إنّ هذا الإجراء الذي يذكّر بتجربة "مصدق" الإيرانية يتوّج عملية أخرى سابقة بسنوات وتمثّلت في استعادة أراضي المستوطنين الّتي اغتصبوها أثناء الاحتلال كما مرّ معنا في الحلقات السّابقة، وتأميم النّشاطات المصرفية والصناعية والمنجمية وقطاع التأمينات واستكمال جلاء القوّات الفرنسيّة وتفكيك منشآتها العسكريّة ... * وقد أثارت هذه القرارات في حينها استياء كبيرا في باريس عبّرت عنه بإجراءات انتقاميّة في شكل تخفيضات طالت المساعدة المالية التي كانت تُقدّم لبلادنا بمقتضى اتّفاقياّت إيفيان أو الاتّفاقيّات اللاّحقة (انخفضت من مليار فرنك فرنسي في عام 1963 إلى أقلّ من مئتي مليون سنة 1968)، وكميات الخمور المصدّرة إلى فرنسا (من 9,7 ملايين هيكتولتر سنة 1964 إلى 3,5 سنة 1968) وعدد العمال المسموح لهم سنويا بالهجرة إليها طلبا للعمل (خُفّض عددهم بعد قرارات التّأميم بعشرة آلاف، من 35 ألفا إلى 25 ألفا)؛ ولم ينج من هذه التوتّرات إلا التعاون الفنّي والثقافي، الذي لم يتأثّر حتى عندما كانت العلاقات على حافة القطيعة، فلفرنسا هنا سياسة ثابتة لا يختلف حولها اليسار واليمين وهي ملخّصة في قول الجنرال ديغول: "لو كان عليّ أن أختار بين البترول واللّغة الفرنسيّة، لاخترت اللّغة الفرنسيّة"(5). * لم تهضم الحكومة الفرنسية حرص الجزائر على تنويع مصادر دخلها الوطني لضمان استقلالها الاقتصادي، فلم تر خيرا في توقيع شركة سوناطراك في أكتوبر 1969 اتفاقا مع الشركة الأمريكيةEl Paso يقضي بتزويد السوق الأمريكية بالغاز الطبيعي لمدة 25 سنة ابتداء من 1976، وجاء بعده بعامين تأميم المحروقات بردّ فعل سريع: إلغاء نظام الأفضليّة في العلاقات الاقتصاديّة والتّجاريّة، مقاطعة استيراد البترول الجزائري بنسبة الثلثين في وقت كانت فيه بلادنا أحوج ما تكون فيه إلى العملة الصعبة لتمويل مخططاتها التنموية؛ وبلغت الأمور حدّ تهديد الشّركات الأجنبيّة الرّاغبة في شراء بترولنا باعتباره "بترولا فرنسيا استولت عليه الجزائر"، التدخّل لدى واشنطن من أجل إعادة النّظر في صفقة "سوناطراك إلبازو"، وتأجيل منح البنك العالمي قرضا كانت قد طلبته الحكومة لتمويل بناء مصفاة الغاز في أرزيو؛ وقد اعتبر الرئيس هوّاري بومدين هذه التصرفات بمثابة " حرب اقتصادية " . * وعندما توفّي الرّئيس جورج بامبيدو في أفريل سنة 1974 قبيل انتهاء عهدته بعامين، كان هذا الخلاف حول تأميم المحروقات قد سوّي بالاعتراف بحقّ الجزائر في التصرّف في ثرواتها الطّبيعيّة، لكن العلاقات الثنائية فقدت الأفضليّة في سياسة التعاون الفرنسية مع الخارج؛ أما خليفته "فاليري جيسكار ديستان" المعروف بنزعته المؤيّدة لاستمرار احتلال الجزائر وتعاطفه مع منظّمة الجيش السري الإرهابيّة، فقد احترم التزامات سلفه عندما قام في أفريل 1975 بأوّل زيارة رسمية لرئيس فرنسي لبلادنا منذ الاستقلال؛ والحقيقة أن "جيسكار" لم يكن يتمنّى أن يؤدّي هذه الزيارة، لسبب يشرحه في مذكراته: "لم أتقبّل بعدُ في أعماقي تخلّي فرنسا عن الجزائر، حتى ولو أدركت حتميته، ووافقت على القرار السياسي المتعلّق به."(6) إلا أنّه تنازل تحت إلحاح مساعديه لأن الجزائر، كما يضيف: "كانت لاعبا أساسيا في الحوار بين الشمال والجنوب، وتمارس نفوذا شبه حاسم على البلدان غير المنحازة " ؛ وربّما أحسّت الجماهير بحدسها بثقل هذه الزيارة على صاحبها فخصّته باستقبال فاتر يصفه بقوله : * "وصل الموكب إلى البريد المركزي، ومن ثمّ إلى شارع ميشلي (ديدوش مراد حاليّا)؛ رأيت صفوفا من الفضولييّن المتردّدين: بعضهم يصفّق وبعضهم يطلق إشارات باتّجاه بومدين... طلبت من بومدين الإذن بالسّير راجلين فأمر السّائق بالتوقّف... ها نحن كلانا نسير في الشّارع، بومدين بوجهه العبوس وأنا ألقي التحيّة إلى الجمهور وخاصّة عندما أرى الأطفال يصفّقون... رأيت محلاّت أسدلت ستائرها الحديديّة... نعم، إنّها مدينة ميّتة"(7). إنّ هذا الفتور الشّعبي لم يمنع الرّئيس بومدين، المعروف بالتأنّي في استنتاجاته من الجزم في مأدبة العشاء الّتي أقامها على شرف ضيفه ب "أن صفحة الماضي طويت إلى غير رجعة"؛ غير أنّ الأحداث لم تأت مصداقا لهذا التّفاؤل المفرط؛ لأن الزيارة لم تكن في مستوى ما كان منتظرا منها؛ فالضيف عاد إلى بلاده بمجرّد وعد بتأييد اقتراحه الخاص بعقد ندوة شمال جنوب حول مسألة الطاقة والّتي كانت الجزائر تعارضها بقوّة لشعورها بأن الغاية منها ليست سوى تخفيض أسعار البترول ونسف وحدة منظّمة الدول المصدّرة للبترول؛ كما تجدّدت الاعتداءات العنصرية الّتي كانت تستهدف من حين لآخر إخواننا المهاجرين وممتلكاتهم والممثّليات الجزائريّة في فرنسا، أضف إلى ذلك ما انكشف من وجود خطّة لعزل الجزائر الثورية في إفريقيا على أجندة المحور الفرنسي الأمريكي الباحث عن مناطق نفوذ جديدة بعد دحر الامبريالية الأمريكيّة في جنوب شرقيّ آسيا . * * الحلقة الثانية * تقارب عابر في السياسة الخارجية : * إن بعض رجال السياسة في الجزائر يبدون إعجابا مفرطا بالجنرال شارل ديغول؛ بسبب دوره في إنقاذ بلاده من الاحتلال النّازي، وانتهاج سياسة مستقلة نسبيّا عن الولاياتالمتحدةالأمريكية (ضمن التمسّك بوحدة العالم الحرّ) والانسحاب من منظّمة الحلف الأطلسي؛ لكن العيب في هذا الإعجاب أنّه ينسيهم أحيانا تصرّف هذا الرجل تجاه وطنهم في عهد الاحتلال: أوليس هو الذي كان رئيسا للحكومة والقائد الأعلى للجيش عندما وقعت مجازر الثامن مايو 1945 وحين قاد جيش الاحتلال ابتداء من عام 1958 أشرس العمليات الحربيّة لفرض الحلّ العسكريّ على الثّورة وفصلها عن الشّعب؟ أوليس هو الّذي كان رئيسا للدّولة عندما ألقت الشّرطة الفرنسيّة بالعشرات من إخواننا المهاجرين أحياء في نهر السّين في باريس في أكتوبر 1961 كانوا ضمن المتظاهرين المطالبين بالاستقلال؟ أولم تتمّ في عهده التجارب النووية في صحرائنا الكبرى والّتي ما زالت إشعاعاتها تنخر إلى يومنا هذا أجساد الأحياء من أبناء تلك المنطقة وذريّتهم بعد أن لوّثت بيئتهم وأبادت ماشيتهم؟ أوليس هو الّذي حاول حتّى آخر لحظة تقسيم الجزائر إلى كانتونات عرقيّة والنّيل من وحدتها الترابية بفصل الصّحراء عنها؟ * لحسن الحظّ أنّ للسياسة منطقا يخضع دائما لسلطان المصلحة، ولذلك عندما وقف ديغول منتقدا الحرب الامبريالية على الفييتنام والنزعة الأمريكية للهيمنة على العالم، وعندما أدان العدوان الصّهيوني على الأمة العربية سنة 1967 بعد أن كان يعتبر إسرائيل "حليفا وصديقا" كانت بلاده السبّاقة إلى مساعدتها على بناء منشآتها النّوويّة، وجدت السياسة الخارجية الجزائرية في هذه المواقف مجالا للتقارب لتشجيع صاحبها على المضيّ قدما فيها كما يجدر بالأنظمة العربيّة أن تفعل اليوم مع تركيا وإيران المؤيّدتين للشّعب الفلسطيني في مواجهتهما للغطرسة الإسرائيلية؛ وسوف يسهّل هذا التّقارب اعتراف فرنسا لاحقا في سنة 1975 وفي سابقة أوروبيّة منذ نكبة 1948، بحق الشعب الفلسطيني في أن يكون له "وطن"، والموافقة في نفس السّنة على فتح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في باريس، وما تلا ذلك من تحفظات على اتفاقيات "السلام" المصرية الإسرائيلية التي أدانتها الجزائر ضمن الأغلبية الساحقة من الدول العربية، وبادرت مع سوريا وجنوب اليمن وليبيا ومنظّمة التّحرير الفلسطينيّة إلى تأسيس "جبهة الصّمود والتصدّي" كوعاء يستقطب القوى العربيّة الرّافضة للاستسلام. * إلا أنّ هذا التقارب تلاشى تماما عندما اختارت باريس منذ الوهلة الأولى الوقوف إلى جانب النظّام المغربي في نزاع الصحراء الغربية بالتحمّس لاتفاقية مدريد الثلاثيّة الخاصّة بتقسيم الصّحراء الغربيّة، فنشبت بذلك أخطر أزمة سياسية في تاريخ البلدين منذ الاستقلال: "إنّ الرّئيس جيسكار لم يكن، والحقّ يقال، محايدا في هذا النّزاع بل بالغ في نهاية عهدته في الظّهور كصديق لملك المغرب وحده"(8)، ولعلّه من المناسب الإشارة هنا، وقد طال حرمان الشعب الصحراوي من ممارسة حقّه الطبيعي في تقرير المصير، إلى أن هذا النزاع كان ذريعة للنّظام الفرنسي لمحاصرة الثّورة الجزائريّة والحدّ من تأثيرها في العالم الثالث حتى لا تكون قدوة في تحرير ثرواته الطبيعية من الرأسمال الأجنبي، والنّضال من أجل بعث التعاون بين بلدان الجنوب ودعم حركات التحرير في العالم؛ وحساب باريس بسيط هنا وهو إضعاف الجزائر من الدّاخل بإنهاكها بالنفقات العسكريّة على حساب مشاريع التنميّة الوطنيّة، وإلهاؤها بحرب على حدودها الغربيّة حتّى يتراجع دورها الريادي كأحد أبرز الناطقين باسم العالم الثّالث والدّاعين إلى الكفاح المسلّح سبيلا وحيدا لتحرير فلسطين واستخدام البترول سلاحا في هذه المعركة؛ وبدأ الدّفء يعود إلى العلاقات في مطلع النّصف الثّاني من عهدة جيسكار، وكان آخر اتّصال له ببومدين تلك البرقيّة الّتي تلقّاها من هذا الأخير، وهو يعبر الأجواء الفرنسيّة عائدا مريضا من موسكو إلى أرض الوطن قبيل رحيله بستة أسابيع رحمه اللّه.(9) * * عودة إلى العلاقات المتميّزة : * بوصول الرئيس ميتران المفاجئ إلى سدّة الحكم سنة 1981 لأنّ كلّ التكهّنات كانت ترشّح إعادة انتخاب جيسكار ديستان، شهدت العلاقات الجزائرية الفرنسية تحسّنا تدريجيّا ساعد عليه التوجّه الاشتراكي للرئيس الجديد بالرّغم من الدور القذر الذي اضطلع به أثناء حربنا التحريرية كوزير للداخلية ثم العدل، في قمع كفاح الشعب الجزائري؛ أليس هو القائل من موقع وزير الدّاخليّة تعليقا على بيان أوّل نوفمبر : " الجزائر هي فرنسا والمفاوضات الوحيدة الممكنة هي الحرب " . * ورث ميتران علاقات مغاربية متناقضة ومعقّدة، فسارع إلى تصحيحها بتخليصها من الطّابع الحميمي الّذي ربط سلفه بالملك الحسن الثاّني، وانتهج سياسة تقوم على تشجيع الانفتاح الدّيمقراطي في هذه الدّول، واختار الجزائر في القارّة الإفريقية (والهند في آسيا والمكسيك في أمريكا اللاتينية) لبناء علاقة تكون قدوة في التعاون شمال جنوب، فلا غرو إذن أن يبادر فور تسلمه مهامه الجديدة إلى زيارة بلادنا حاملا معه دعوة إلى طيّ صفحة الماضي بقوله: "الماضي هو الماضي، فلنتطلع الآن وبعزم وتصميم إلى المستقبل"؛ كان يريد، حسب "هوبير فيدرين"، وهو أقرب مساعديه "أن يجعل من العلاقات الفرنسية الجزائرية ندّا للعلاقات مع ألمانيا الاتحادية"؛ وقَبِِل من أجل ذلك ك "ثمن سياسي"، أن تشتري بلاده تسعة ملايين متر مكعّب من غازنا الطّبيعي بثمن أعلى ممّا هو متداول في السوق العالمية؛ * ولمّا كانت قضية الصحراء الغربية عقبة كبيرة بين البلدين، اختار ميتران بين حسم سياسة حزبه المؤيّدة لموقف الجزائر وبين إقامة علاقات جيّدة ومتوازنة مع الجميع، ففضّل التمسّك المحتشم بمبدأ تقرير المصير لأنّه "لا يؤيّد في أعماقه ظهور دول جديدة ما عدا في حالة الدّولة الفلسطينيّة"(10) وغضّ الطّرف عن انتهاك حقوق الإنسان في المملكة والّتي جعل منها حزبه الاشتراكي محور انتقاداته لها؛ وفي المشرق العربي، ساند قيام الدولة الفلسطينية إلى جانب دولة إسرائيلية بحدود آمنة ومعترف بها، وأمر وزير الخارجيّة بلقاء ياسر عرفات رئيس منظّمة التّحرير الفلسطينيّة في بيروت في أوت 1981 قبل أن يفتح لأوّل مرّة قصر الإليزي لاستقباله في ماي 1989. ولكن فضل السّبق في هذا التحوّل يعود إلى سلفه (لقاء وزير الخارجيّة جان سوفانيار مع ياسر عرفات في بيروت في أكتوبر 1974 وهو الأوّل من نوعه على المستوى الغربي ) . * في هذا الجو، توقّف الرئيس الشاذلي بن جديد في باريس في ديسمبر 1982 ليجتمع حول غداء عمل بزميله الفرنسي كمؤشّر على انطلاق مرحلة جديدة في العلاقات الثّنائيّة، وكان ذلك تمهيدا للزيارة الرسمية الّتي أدّاها في السّنة المواليّة إلى فرنسا، وهي الأولى من نوعها لرئيس جزائري منذ الاستقلال؛ وكان ردّه على نداء ميتران إيجابيا : " فلنترك الماضي للتّاريخ ... ولنعكف على بناء المستقبل " . * * أحداث أكتوبر بين التّرحيب والتخوّف * إلاّ أنّ هذه العلاقة بدأت تتأثّر سلبا بعودة أزمة الثّقة نتيجة تناقض المصالح إزاء بعض القضايا الإقليمية المستجدّة أو الّتي أخذت منحى جديدا من الخطورة: التدخّل العسكري الفرنسي في لبنان والتشاد ورفض الجزائر فتح مجالها الجوّي للطائرات الحربيّة الفرنسيّة الرّاغبة في العبور لقصف القوّات اللّيبيّة في التشاد، تزامن إعلان الوحدة الليبية المغربية مع وجود ميتران في "زيارة خاصّة" في إيفران بدعوة من الملك الحسن الثّاني ممّا أعاد زرع الشّكوك حول بعث تحالف لمحاصرة بلادنا، ضغط حكومة شيراك اليمينية (في زمن التعايش مع الرئيس الاشتراكي) على الحكومة الموريتانية لسحب تأييدها لجبهة البوليزاريو إلى جانب مناوراتها في تونس بعدما احتدّ الصّراع حول خلافة الرّئيس بورقيبة المريض والبالغ من العمر عتيّا، وأعقبت ذلك تطوّرات لم تكن في الحسبان في بداية العهدة الثانية للرئيس الاشتراكي وهي المظاهرات والاضطرابات التي اندلعت في العاصمة وبعض المدن في أكتوبر 1988 احتجاجا على تدنّي مستوى المعيشة وتراجع العدالة الاجتماعية، وقد فرضت هذه المظاهرات الدّاميّة انفتاحا ديمقراطيا مرتجلا وغير محسوب لم يكن أساسا مطلبا جماهيريّا، وكان من نتائجه تشتيت القوى السياسية والأخذ المتسرع بالاقتصاد الليبرالي وتكيّيف السياسة الخارجية مع قواعد لعبة دولية مختلفة، أملت الإقلاع عن الخطاب المعادي للامبريالية. وكان وقع هذا التحوّل إيجابيا في باريس سارع ميتران إلى التّعبير عنه بأن كان أوّل الزّائرين للعاصمة للتّهنئة بالدّستور الجديد الّذي عصف بالأُحاديّة الحزبيّة والاختيار الاشتراكي(11)"؛ وظلّ، بشهادة إيبير فيدرين ساعده الأيمن، إلى جانب الرّئيس الشّاذلي حتّى النّهاية آملا أن يتمكّن من التخلّص من نفوذ جبهة التّحرير الوطني دون أن يقع في تحالف مع الإسلامييّن " . ( 12 ) * إنّ أحداث أكتوبر الّتي هزّت أركان النظام هزّة غير مسبوقة لم تتوقّف ارتداداتها حتّى اليوم، خيّبت آمال بعض الدوائر الفرنسية الحاقدة -وبعضها داخل الأغلبيّة الحاكمة- لأنها لم تنجز القطيعة بين جيل الاستقلال وجيل نوفمبر، فلم يسقط النظام السياسي، كما وقع في حالات مشابهة ومتزامنة، في أوروبا الشرقية، ولكّنها كشفت في الحالة الجزائريّة الفرنسيّة عن وجود رابطة خاصّة تكوّنت مع مرور الزّمن، بين الرّئيسين الشّادلي بن جديد وميتران، ويفهم الأمر من تصريح الرّئيس الفرنسي أمام مجلس الوزراء في 12 أكتوبر، وكان دخان الانتفاضة لم يتبدّد بعدُ من سماء العاصمة: "ماذا يجري في الجزائر؟ إنّه عصيان، أو تمرّد له أسبابه الّتي تدفع إلى انتقاد طريقة الحكومة الجزائريّة في ممارسة السلطة، ولكن أليس هذا قائما في جميع بلدان العالم الثّالث مع استثناءات نادرة؟ دعونا من الحكايات... جميع بلدان إفريقيا تقريبا تعيش تحت دكتاتوريّة شخص واحد أو حزب واحد، وهذا دليل على أنّ ظاهرة التخلّف تفرز الدوّامة الجهنّميّة للعصيان والقمع". وختم متسائلا: "لا أحد يعرف إذا رحل الشّاذلي أيّ سلطة ستخلفه وماذا سيحدث في الجزائر. لا أدري... وفي كلّ الحالات، هناك فرضية يمنع التّفكير فيها الآن وهي تطبيق الدّيمقراطيّة"(12) كما يبرز ودّ هذه العلاقة من خلال تعاطفه مع الرّئيس الشّاذلي بعد انسحابه من الحكم: "إنّ ميتران كان بعد 1990 يرفض تصديق الاتّهامات الّتي توجّه إلى الشاذلي و ائلته من طرف خلفه في الحكم؛ كان يثور بعنف كما لو أنّ التّهم موجّهة إلى أقاربه . "( 13 ) * ومنذ هذا "الانسحاب"، عادت العلاقات إلى دائرة التقلّبات فشهدت استياء باريس من إلغاء نتائج الدور الأول من الانتخابات التشريعية الأولى واعتبرته "عملا أقل ما يقال فيه إنّه غير طبيعي"، واقترحت في فيفري 1995 عقد ندوة أوروبية حول الأزمة الجزائرية تكون فيها المعارضة ممثّلة فيها على أساس عقد روما. وقد تزامن هذا الاقتراح الذي أعلنه ميتران بحضور المستشار هيلموت كول قصد توريط ألمانيا في الأزمة مع اتّفاق أحزاب المعارضة المجتمعة في روما على مخرج سلمي للأزمة، وجاء غداة الاستيلاء على طائرة تابعة لشركة إير فرانس في مطار هوّاري بومدين الدولي في نهاية ديسمبر 1994؛ * - كان ردّ فعل السّلطة سريعا في اتّجاهين: رفض الاقتراح الفرنسي واتفاق روما جملة وتفصيلا، بينما تولّت بعض الصّحف الوطنية إحياء الحديث عن ملفّ الماضي الاستعماري متبوعا بدعوة فرنسا إلى الاعتذار للشعب الجزائري عن تلك الحقبة... وتولت ردود الفعل فأمرت باريس شركاتها الجويّة بمقاطعة المطارات الجزائرية، وشدّدت من إجراءات منح تأشيرة الدخول إلى أراضيها، ولكنّها استمرت في ذات الوقت في دعم سياسة "الكل الأمني" بالموازاة مع تقديم مساعدة اقتصادية لمنع تدفق الجزائريين إلى أراضيها، وحرصت على إبعاد تهمة التحيز لفريق معيّن بالتّوضيح - كما ورد على لسان الرئيس شيراك المنتخب منذ عدّة أشهر - بأنّ هذه المساعدة " موجّهة للشعب الجزائري لا لفئة سياسية معينة " . * وبلغ هذا التوتر مداه بسلسلة من الانفجارات في قلب باريس وُجّهت فيها أصابع الاتّهام إلى المخابرات الجزائريّة، وبدأت وزارة الدّاخليّة الفرنسيّة في تفكيك الشبكات الإسلاميّة للدّعم والإسناد في أوروبّا، وترتّب عن كل ذلك إلغاء الرئيس السابق "اليمين زروال" لقاء كان مرتقبا أن يجمعه بزميله جاك شيراك على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في أكتوبر 1995 . * وظلّ هذا التوتّر السياسي في تصاعد إلى غاية تسلّم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الحكم سنة 1999، فدبّت الحياة من جديد في شرايين العلاقات الثنائية: تبادل الزيارات على أعلى مستوى، تنظيم سنة الجزائر في فرنسا، التخفيف من إجراءات منح تأشيرات الدخول، استئناف الرحلات الجوية لشركة "إير فرانس"، تكثيف المبادلات الاقتصادية التي تضاعفت ثلاث مرّات خلال 12 سنة، لتتجاوز عام 2008 سقف الثمانية مليارات أورو، إعادة النّظر في الموقف الرّسمي المعارض للانضمام إلى الرّابطة الفرانكفونيّة.. * يتبع * المراجع : * 1 ) غير أنّ ذلك لم يمنعه من المصادقة عليها في دورته الاستثنائيّة السّابقة قبل تفويض وفد الحكومة المؤقّتة للتّوقيع عليها، ويقول رئيس هذه الحكومة آنذاك المرحوم بن يوسف بن خدّة: "إنّ أعضاء قيادة أركان جيش التّحرير الوطني الثلاثة لم يصوّتوا عليها، وهم هوّاري بومدين وقايد أحمد وعلي منجلي، بالإضافة إلى الرّائد سي ناصر من الولاية الخامسة"، ويضيف: "إنّ قيادة الأركان رفضت التّعاون مع الحكومة المؤقّتة وتعيين عسكرييّن في الوفد المفاوض". كتاب اتّفاقيات إيفيان، الطّبعة الفرنسيّة، ص 36، ديوان المطبوعات الجامعيّة، الجزائر 1987 . * 2) "إنّ حكومة الولايات المتّحدة الأمريكيّة تقدّم لفرنسا الإمكانيّات اللازمة لمواصلة الحرب، وتستعمل كلّ سلطتها لتعبئ ضدّ الشّعب الجزائريّ جهاز الحلف الأطلسي كاملا حتّى أصبح أداة في خدمة الاستعمار الفرنسي" من بيان المجلس الوطني للثورة الجزائريّة، دورة طرابلس 16 ديسمبر 1959، 18 جانفي 1960 . * 3)Philippe de Gaulle :DeGaulle mon père, p. 420, éd. Plon,t.2, Paris 2004 * 4) لأنّ فرنسا رفضت الاعتراف بوفد الحكومة المؤقّتة للجمهوريّة الجزائريّة كممثّل للشّعب الجزائري؛ لأن ذلك يعني اعترافا بوجود الدولة الجزائريّة المستقلّة سنة الاحتلال في 183، ولذلك تعاملت معه كممثّل لجبهة التّحرير الوطني. * 5) P . Balta et C . Rulleau : L ? Algérie des Algériens vingt ans après , Ed . Ouvrières p . 204 Paris 1982 * 6) V . G . D ? Estaing : le pouvoir et la vie , t2 , p . 15 , Ed . Cie 12 , Paris 1991 * 7) المرجع السّابق الصفحة 37 * ( 81996Hubert Védrine : les mondes de François Mitterrand ( 1981 - 1995 ) , p . 326 , ed . Fayard , Paris * (9 قيل الكثير عن هذه البرقيّة والبعض اتّهم بوتفليقة الّذي كان في الطّائرة بتحريرها بلهجة الاستجداء حتّى يضمن تأييد فرنسا له في معركة خلافة بومدين، ولكن قراءة متأنّية لهذه البرقيّة كما نشرت في الصّحافة الوطنيّة، لا توحي بأيّ تغييّر في السياسة الخارجيّة الجزائريّة . * 10 ) الصفحة 332 Hubert Védrine * 11) زار الرّئيس ميتران الجزائر بعد أقلّ من عشرين يوما على صدور الدّستور الجديد ثمّ التقى في باريس على انفراد مع الرّئيس الشاذلي بن جديد يوم 22 ديسمبر 1991 أي قبيل الدورة الأولى للانتخابات التشريعية التعدّدية الاولى بخمسة أيّام، وبعد أربعة أيّام على هذا اللّقاء أي عشيّة هذه الانتخابات، صرّح الرّئيس الشّاذلي في التّلفزة الوطنيّة بأنّه على " استعداد للتعايش مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ إذا فازت بالأغلبيّة في البرلمان " ... * 12 ) ص 683Hubert Védrine * 13) المرجع السّابق ص 336 . * *