وأجزاؤه مفككة وقواه المنهارة تئن تحت وطأة الكولونيالية وتتخبط في قبضتها علها تسترد الأوطان وتفتك التحرر وتستعيد السيادة ضيع المجتمع العربي الدولة الفلسطينية منذ جيلين من الزمن، وذلك بتدخل غربي مخطط وممنهج ومدبر. وأقطار العالم العربي منشغلة بهمومها، بتحولاتها الإيديولوجية المتضاربة، تتقاسمها الأهواء الغربية والشرقية سرى في أجزاء الجسم العربي مرة أخرى داء عضال زُرع فيه إلى درجة أنه إذا لم يَفتك به، يضعفه، ويهزله فيحول دون نماء قوته واشتداد عوده واستقامة عموده. ذلك ليستمر محدودبا ينحني بصفة قهرية أمام غيره، يصعب عليه رفع هامته بالصيغة التي تجعله قادرا على التطلع والاستشراف، أو أن يكون تواقا متطلعا يرنو إلى مستقبل مشرق بفضل بزوغ شمسه دون شموس غيره. في هذا الزمن القاتم المرخي عليه بهمومه وابتلاءاته عجز أن يتصدى إلى الضربة القاصمة التي هي قاب قوسين أو أدنى التي ستفقده لا محالة مع مطلع العام الجديد قطعة نفيسة المعدن غالية الثمن، الماجدة المجوادة بالمقدرات الطبيعية والمؤهلات الإنسانية – دولة السودان الشقيق – التي قد ينخر ما تبقى من سوس جهد ما سيبقى منها بعد الانفصال الآثم في الجنوب. وها هو بلد الثلج الناصع وزهرة الأوطان قد توجه إليه الغرب هذه المرة جادا في تدميره. فأمريكا ومن ورائها إسرائيل تسعى لأن تستصدر قرارا قضائيا ظنيا يتهم حزب الله باغتيال الحريري رحمه الله، لتشتعل نار الفتنة داخل الجسم اللبناني الغض الهادئ، اللطيف، الجميل، فما أقبحها نار وما أبشعه لهيب وما أوجعه زمهرير على لبنان الشقيق. فرنسا لا يمكن أن ترغب في تدمير لبنان ورئاسة لبنان لها والأمة رئاسة في المتاعب وفي الارتياح، إنما ما تريده فرنسا بالطبع هو الزيادة في الولاء لها. وقد تتحرك السعودية كأكبر دولة سُنية في المنطقة لحماية رئاسة الوزراء، ولن يتم لها ذلك بالطبع إلاّ من خلال دعمها لسوريا وتشجيعها حتى لا تتنازل عن شخصيتها وعن دورها في المنطقة وعن قرارها السيادي في حوض المشرق المتحرك الذي يأبى الهدوء ويعاف الاستقرار ويرفض السكينة. بمنطق أو بآخر إذا لم تقف فرنسا المسيحية والسعودية السُنية دون استصدار القرار الظني الأمريكي – الإسرائيلي، فإن حزب الله الشيعي الإيراني سيضطر للزحف على باقي أطراف لبنان ليلتهمها، وهو المدعوم حاليا بالأغلبية البرلمانية. والحال هذه سيذهب ريح الرئاسة المسيحية الفرنسية، وينتهي دور السعودية بانتهاء رئاسة الوزراء السنية، وتخسر أمريكا – تاكتيكيا – لكن إسرائيل سوف تجني ثمار تكسير مقدرات حزب الله وقدرته، وإضعاف قوته التي سيفنيها – لا قدر الله – وهو يبسط قبضته على لبنان ولو مرحليا. لبنان التي سيضيعها عندئذ المجتمع العربي المعادي لنفسه، الذي ستتوالى الأدوار وتتابع الدوائر على باقي أجزائه.