انتهينا في الأسبوع الماضي إلى أنه بعد السودان، سيأتي دور المملكة السعودية، وقلنا أن هذه المملكة ستؤتى هي أيضا من جنوبها حيث حركة الحوثيين الذين خاضوا خلال الأشهر الأخيرة، العديد من المعارك ضد وحدات من الجيش السعودي. المملكة تتعرض أيضا لنشاط المجموعات الإرهابية ولضغط الدول الأوروبية في ما يتعلق بحقوق الإنسان وعلى رأسها حرية المرأة وحرية التعبير. ثلاث قضايا كبيرة مرتبطة ومتشابكة، وكلها تصب في اتجاه إضعاف النظام القائم: الحوثيون، حقوق الإنسان وضرورة إحداث تغيير جوهري في منظومة الحكم. إذا عكسنا ترتيب القضايا الثلاث سنجد أن أي انفتاح في اتجاه شيء من الديمقراطية في هذا البلد سيؤدي مباشرة إلى طرح مسألة شرعية الحكم الملكي الذي يتسم بتقديس الأسرة المالكة وهو ما سيجر أيضا حتى إلى إثارة مسألة شرعية تسمية بلاد الحجاز باسم أسرة سيطرت وحكمت بمساعدة البريطانيين وعلى أنقاض الخلافة الإسلامية. طرح إشكالية ونوعية الحكم في بلاد الحجاز، من شأنه أن يرفع الضغط عن القبائل العربية الكبيرة المبعدة عن دواليب الحكم، والتي منها قبيلة بني هاشم التي ينتمي إليها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام. طرح مثل هذه القضايا، والتي بدأت تطرح فعلا في زمن تكنولوجيات الاتصال ومن خلال المئات من مواقع الانترنيت، سيجعل الكثير من أبناء القبائل العربية يطالبون بإحداث تغييرات جذرية على طبيعة النظام السياسي، وهي التغييرات التي لا نتصور أن المملكة، بأجهزتها وآليات حكمها وأمرائها الحاليين، مستعدة أو قادرة على إدخالها. عجز النظام السياسي عن إحداث التغيير المنشود سيدفع بشباب المملكة، المتطلع إلى التمتع بحريات أساسية أصبح يتذوقها عبر العوالم الافتراضية وكذلك من خلال سفره إلى الخارج، إلى التمرد. في مثل وضع المملكة فإن أي لجوء إلى العنف لأهداف سياسية سيصب في صالح المجموعات الإرهابية وسيخدم أيضا مصالح الدول الغربية الباحثة عن إدخال كل المنطقة العربية في دوامات عنف تدوم لعقود طويلة ولا تخرج منها سالمة بحدودها الحالية. العنف، من شأنه، في هذا الزمن، أن يخلق نوعا من التواصل بين المجموعات الإرهابية المتطرفة وشباب يبحث عن التغيير والحق في التعبير والتداول الحر على السلطة. المطالبة بالتغيير، التي تتزامن مع عجز رجال النظام في إدراك أن وقت تقديس الحاكم أو أسرته والحكم المطلق وحرمان الناس من الحق في التعبير قد انتهى، إضافة إلى النشاط الإرهابي، وكذلك كون جنوب المملكة منطقة رخوة لتواجدها بجوار اليمن الذي يعرف أيضا حركة تمرد من جنوبه، كل هذا يجعل الكثير من الملاحظين ينتظرون أخطارا مستقبلية على المملكة من جنوبها. لقد ظلت المملكة السعودية، على مدى ستة عقود، محمية أمريكية، وحتى عندما قامت الثورة الإيرانية وقدمت نموذجا أخر للحكم الإسلامي يختلف شكلا وجوهرا عن الحكم في المملكة واعتقد العالم أجمع بان المملكة ستكون أول ضحية لآثار هذه الثورة الشعبية التي واجهت أمريكا وانتصرت عليها، لم يضعف النظام السياسي بالمملكة ولا تأثر برياح الثورة الإيرانية، غير أن الوضع اليوم يختلف تماما فالعلاقة مع أمريكا نفسها بدأت تتغير حيث لم تعد الإدارة الأمريكية تثق في قدرة النظام السعودي على مواصلة حماية مصالحه بالمملكة وفي المنطقة العربية. القناعة الأمريكيةالجديدة، هي نتيجة معطيات عديدة منها ما تعلق بهجمات 11 سبتمبر حيث اكتشف الرأي العام الأمريكي، بكثير من الحيرة والغضب، من أن 15 من بين 19 شخصا ممن قالوا عنهم أنهم نفذوا تلك الهجمات هم من السعوديين؛ ومن هذه المعطيات الجديدة أيضا، احتلال العراق والسيطرة على منابع البترول فيه وكذلك إقامة قواعد عسكرية أمريكية في دول الخليج الصغيرة بحيث تزعزع موقع المملكة السعودية إلى المرتبة الثانية من حيث احتياجات أمريكا من البترول ومن حيث استعمال أراضيها للانطلاق منها في عمليات عسكرية مستقبلية. إضافة للعنصرين السابقين، أدت الكتابات الصحفية والحملة على الإرهاب التي رافقت أحداث 11 سبتمبر 2001 والتي أشارت للمذهب الوهابي كمفرخ لإسلام سلفي تحول إلى مهد لتخريج الإرهابيين، إلى نشر الكثير من النقد، وحتى من القدح، في حق الأسرة الحاكمة بالمملكة. هذا الوضع أنشأ حالة من الكراهية المتبادلة بين شعبي البلدين، وهو ما ظهر من خلال سبر للرأي أجري بالولاياتالمتحدةالأمريكية حيث بين أن 58 بالمائة من الأمريكيين لا يكنون المودة للسعودية. كرد على هذا السبر، سمحت السلطات السعودية لمؤسسة »غالوب« لأبحاث الرأي العام بإنجاز استطلاع، عام 2002، هو الأول من نوعه في المملكة، حيث تبين أن نسبة 64 بالمائة من السعوديين لا يكنون المودة للولايات المتحدة. وقد جاءت التفجيرات الإرهابية في الرياض، والتي استهدفت المصالح الأمريكية في المملكة لتدعم وجهة النظر الأمريكية القائلة بأن المملكة لم تعد بالبلد الذي يمكن الوثوق فيه على مصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية. الكل في العالم العربي وخارج العالم العربي، يعرف أن المملكة السعودية هي من البلدان العربية الكبيرة بمساحتها وببترولها وبقيمتها الروحية. هذه القطعة من العالم العربي لو تتحول إلى بلد مدعم للحقوق العربية، وحامل للواء الإصلاح والتطور، وناشر للرسالة المحمدية كرسالة تحرر وعمل وجهاد حقيقي على النفس أولا ومن أجل البناء ثانيا وليس كسلفية تدعو إلى التمسك بمظاهر الإسلام وقشوره عوض المفهوم التحرري للدين الحق ولبه، لو يحدث ذلك، فستحل الكارثة على الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل والدول الغربية التي تدرك جيدا أن هناك تململا داخل المجتمع كما تدرك بأن النظام السياسي غير قادر على إحداث ولو أبسط تغيير في آليات الحكم وأن هناك خطوطا حمراء موضوعة من طرف أمراء المملكة تحرم على أي ملك المغامرة بإدخال أية إصلاحات تمس بطبيعة الحكم أو بمصالح الأمراء. لا شك أن المآل الذي انتهى إليه الملك فيصل رحمه الله هو خير درس لكل من يفكر ولو للحظة في أي تغيير، مهما صغر، على نمط أو حتى أسلوب الحكم. الدول الغربية، التي تعرف المنطقة العربية أفضل بكثير مما يعرفها حكامها وأبناؤها، والتي لها أيضا المئات من مراكز ومخابر البحث حول المنطقة، والتي تقرأ المستقبل كما يقرأ أبناء المنطقة العربية الماضي، هذه الدول، تعمل على تطبيق خطط استباقية لكل دولة قد تهدد مصالحها، ولأن بعض الدراسات تقول أن دوائر الحكم في الغرب بدأت تقتنع بأن النظام السياسي في بلاد الحجاز وصل إلى نهايته وأنه لا يستطيع إصلاح نفسه ولا حتى التحكم في ثورة التطلع لدى الشباب إلى نظام أكثر تفتحا؛ ولأن أي تفتح سياسي وثقافي وفكري في المنطقة، ولو في إطار نفس النظام السياسي، لا يخدم مصالح الغرب إضافة إلى أن إسرائيل هي من تخطط لمستقبل الدول العربية في غياب تام لأي مجهود عربي لمحاولة استقراء الغد، لكل ذلك فأن ما يخطط للمملكة السعودية هو أيضا إتيانها من الجنوب لإضعافها وجعلها تدخل في صراعات تدوم لعقود من الزمن.