يا أهل حسان، ويا آل جمام، لا ندري إن كنا نعزي أنفسنا أم نعزيكم في الخطب الجلل الذي باغتنا به القضاء والقدر، والموت يخطف منا أخا عزيزا ورجلا شهما ظل سهم صدقه يصيب تخلف الأذهان وتغيير المواقع وتبديل المواقف في مناحرها فيرديها• مناضل ثابت يدافع عن القيم ويرعى المكتسبات، وينافح من أجلها دون أن تشتري منه ذمة أو تخور له همة أو تلين فيه العزيمة يتحلى بالملمح النضالي الحق الذي يتجلى في سلوكه الوطني الفذ وفي خصاله الحميدة المحمودة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها• لم يجانبوا الصواب حين انتدابك إخوانك النقابيون دون غيرك، وزكاك حزبك عن سواك لتمثيل شريحة عمال بلدك في عالمهم العربي، فكنت الرسول الأمين والمثل الأعلى في نزاهتك، في إخلاصك، وفي امتثالك لتطلعات أمتك وأبعاد شعبك وتوجهات حزبك• حزب جبهة التحرير الذي التحقت به في فتوتك، واستمريت بين صفوف عناصره تنهل من قيمة وتتغذى بأدبياته حتى صرت من أنجمه اللامعة وأقماره الوضاءة وشموسه الساطعة وأيضا من شهبه الراجمة للمنحرفين والمتخاذلين• ولم يخطأ العرب حينما آثروك على أنفسهم فبوأوك في مناصب واجهة العمالة العربية فقدتهم وسيرتهم بحكمة، وأنت تشمل الجميع بلطفك وحلمك•• فما تنازعوا تحت مسؤوليتك وما فشلوا وما ذهبت لهم ريح، إنهم يعترفون اليوم بذلك والأمس قبله ويثمنونه عاليا، وما أعتقد إلا أنهم سيستمرون كذلك الغد بعده• عرفتك في صمتك فكنت القدوة الحسنة التي يجب أن تتبع•• فما لاسنت أحدا، وما آذيت أحدا، همزا، ولا لمزا فتركت الأثر الطيب والانطباع الحسن لدى كل الزملاء النواب بمختلف أطيافهم وشتى مناهلهم ومشاربهم• عرفتك في حديثك فكنت تنطق حكمة، تهدي للتي هي أقوم وتنبه للتي هي أحسن، ترشد في السياسة وتدل على الصحيح منها وعلى الفاسد، وأنت تضع الأصبع على الداء فتشخصه وتضع له الدواء الذي يشفيه ويبرئه• عرفتك صامدا صابرا تصارع الداء بهامتك العالية وشهامتك المعهودة، وجلدك الذي ليس له حدود، فكنت تكبر في أعيننا بإكبارك وأنت تقاوم، فما لان لك جانب ولا انحنت لك قامة، وما تملكك يأس ولا داهمك قنوط، فزدت علو شأن عندنا• كم تركت بصامتك غائرة في وجداني وأنت تدخل عندي مسلما وتودعني مصافحا، معتذرا عن عدم الحضور في آخر الجلسات التي تسبق عيد الأضحى المبارك بيوم، وما كنت أحسب أنه الوداع الأخير• لو كنت أعلم لضميتك أكثر واحتضنتك أكثر، وطبعت عليك قبلات أطول ولذرفت دموع الفراق لتأخذها معك شواهد على المحبة وشهودا على المودة، سواء تفطنت لها أم لم تتفطن• وما أن حضرت جنازتك وجثمانك مسجى بالراية الوطنية وشاهدت بأم عيني الحشود الغفيرة التي رافقتك إلى مثواك الأخير يتقدمها الوفي لك عبد العزيز بلخادم الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، وسمعت الكلمات التأبينية التي حاولت أن تحصر مناقبك ومآثرك فتحصيها عاجزة بالرغم من بلاغتها وتعددها قاصرة بالرغم مما تحمل من مشاعر جياشة تعترف بجميل صنيعك وفحولة خصالك• وأنا الشاهد على المشهد المرافق لفترة من مسارك ولو وجيزة رأيت واجبا علي يجب أن يؤدى، أن أكتب وأنشر هذه الأسطر المتواضعة أصالة عن نفسي ونيابة عن زملائي أعضاء المجموعة البرلمانية مقدما التعازي لأنفسنا ولأسرة جمام الكريمة، ولنقول: نم قرير العينم حسان إننا ندعو لك على الدوام أن يشملك المولى عز جل برحمته الواسعة وأن يسكنك فسيح جنانه••• وداعا يا جمام بالأجسام، وليس بالذكر والأرواح يا حسان••• !؟