التحريض الإسرائيلي على الجزائر أصبح حقيقة تتكرر كل مرة، بحيث يأخذ منحى أمنيا وعسكريا، ويبدو أن التقارير التي تصدرها بعض المعاهد أو المواقع الإسرائيلية حول ما تسميه »تنامي القدرات العسكرية للجزائر«، والمزاعم التي تطلقها عما تسميه »القدرات البيولوجية والجرثومية والكيماوية للجزائر«، أو عن وجود برنامج نووي سري، يندرج ضمن مساعي صهيونية تهدف إلى الضغط على الجزائر ومقايضة مواقفها المبدئية من مسألة التطبيع ومن الوضع بالشرق الأوسط، وحتى من المسألة اللبنانية وبالبرنامج النووي الإيراني الذي يثير رعب تل أبيب. والواقع أن الاهتمام الإسرائيلي بالجزائر ومنطقة المغرب العربي عامة قد تنامى في الفترة الأخيرة، ومنذ أشهر قلائل عبرت الدولة العبرية عن قلقها عما أسمته تعاظم قدرات البحرية الجزائرية بالبحر الأبيض المتوسط على خلفية الحديث عن صفقات أبرمتها الجزائر مع إيطاليا وبريطانيا لشراء بوارج حربية متطورة، وزعمت إسرائيل بأن ذلك يضع بوارجها التي تعبر البحر الأبيض المتوسط في حالة خطر إذا ما قامت حرب بينها وبين الدول العربية. ومؤخرا، نشر معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي تقريرا مفصلا جاء في أكثر من 2000 صفحة، تناول الجوانب الاجتماعية والاقتصادية ومعلومات مفصلة عن القوة العسكرية الجزائرية، فطرح بشيء من التفصيل الممل ما ادعى أنها حيثيات دقيقة حول عدد أفراد مختلف قطاعات القوات المسلحة البرية والجوية والبحرية والقوات الخاصة، وتفاصيل أخرى عن الأسلحة والمعدات العسكرية والعربات والطائرات والبوارج البحرية والغواصات..الخ، كما أفرد جوانب أخرى من التقرير للحديث عن الصناعة العسكرية الجزائرية وعن البرامج »السرية« للقوات المسلحة الكيماوية والجرثومية، من دون نسيان، بطبيعة الحال، تلك الاسطوانة المشروخة التي تتحدث عن وجود برنامج نووي عسكري سري في الجزائر. وقضية البرنامج النووي الجزائري هي حكاية طويلة تعود فصولها إلى بداية تسعينيات القرن الماضي، حيث أشارت بعض وسائل الإعلام الغربية إلى هذا البرنامج المزعوم على خلفية صعود التيار الإسلاموي في الجزائر والمتمثل في الجبهة الإسلامية المحلة، واتضح فيما بعد بأن ما قامت به بعض الصحف الأمريكية والبريطانية حينها، هو عملية استباقية الهدف من ورائها تحضير الرأي العام الغربي لضربة عسكرية كان يمكن أن توجه إلى الجزائر كما حدث للعراق في حال وصل »الفيس« إلى سدة الحكم، وبطبيعة الحال تم نسيان هذا البرنامج المزعوم بمجرد وقف المسار الانتخابي بعدم تأكد هؤلاء أن الجزائر تلقت عن طريق الإرهاب ضربة تفوق بكثير الضربة العسكرية التي كان يمكن أن توجه لها في حال اعتلى سلطتها تيار إسلامي متطرف. وقبل العودة إلى التقرير الصهيوني الأخير، لابد من الإشارة هنا إلى أن التحريض على الجزائر ليس مهمة إسرائيلية فقط وإنما تكلف بها حتى الأشقاء المغاربة الذين عزفوا بدورهم على منوال الدعاية العبرية، ودعوا الغرب صراحة إلى ضرورة أن يتفطن لما ادعوا أنه برنامج نووي عسكري في الجزائر، وما نشره موقع »ويكيليكس« عن تحريض مغربي ضد الجزائر مخافة من أن تنحو منحى إيران في تطوير برنامج نووي عسكري، أكبر دليل على التورط المغربي في التآمر الصهيوني على الجزائر. ونعود إلى التقرير الأمني الإسرائيلي الأخير لنوضح فقط أن التركيز الصهيوني على الجزائر لا يبرره فقط الخوف من القوة العسكرية الجزائرية في ظل السعي الإسرائيلي إلى توسيع نفوذ الصهاينة شرقا وغربا، وإنما تفسره بدرجة أكبر الرغبة في الضغط على الجزائر من أجل حملها على القبول بالتطبيع مع الكيان الصهيوني والتسليم كما فعلت العديد من الدول الأوربية بضرورة إقامة علاقات عادية مع تل أبيب، ذلك أن اليهود يدركون أكثر من غيرهم أن الجزائر من الدول القليلة في العالم العربي والإسلامي التي يصعب جرها إلى حظيرة المطبعين، أو يمكن إقحامها في معمعة الضغط على الفلسطينيين ومحاصرة المقاومة في فلسطين أو حتى في لبنان، ناهيك عن توريطها في الإستراتيجية الصهيونية ضد إيران التي تسايرها الكثير من الدول العربية.