شدد أمس رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، على ضرورة توخي الصرامة التامة في إدارة الأموال العمومية وإرفاق ذلك بتدابير تحافظ بقدر الإمكان على المبادئ الاجتماعية مع الاستمرار في الإصلاحات الاقتصادية وتعميقها، ودعا إلى الاستمرار في تقليص واردات البلاد، موضحا أن المجهود الاستثماري "الهائل" الذي بذلته الجزائر يسمح لها اليوم بأن تطمح إلى بناء اقتصاد منتج ومتنوع وتنافسي في ظرف وجيز. وأبرز الرئيس بوتفليقة في رسالة له بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للشغل قرأها، محمد بن عمر زرهوني، مستشار لدى رئاسة الجمهورية، أن الجزائر "حققت خلال العشريات الأخيرة إنجازات هامة تمثلت في تحويل مواردنا الطبيعية من المحروقات ومواردنا البشرية إلى قدرات إنتاجية في القطاعين العمومي والخاص". وأوضح بوتفليقة أن هذه الإنجازات التي تحققت بفضل مجهود استثماري "هائل" أتاحت "بناء الهياكل القاعدية الضرورية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية«، وبفضلها »صار مسوغا لنا اليوم أن نطمح طموحا مشروعا إلى بناء اقتصاد منتج ومتنوع وتنافسي في ظرف وجيز". وتابع يقول "لكن لا يجوز لنا أن نتطلع إلى بناء اقتصاد منتج ومتنوع وتنافسي ما لم نضطلع بترقية الإنتاج الوطني وتطويره، لكي يتجسد حقا طموحنا بترقية صادرات إضافية للمحروقات وتعزيز استقلالنا الاقتصادي، وبالفعل، إننا نواجه اليوم تبعية شبه كاملة لمداخيل المحروقات مقرونة بانفجار وارداتنا التجارية مع ارتفاع مذهل لكلفتها، واضطرتنا إلى اللجوء إلى احتياطنا من الصرف، لذا، نرى في تقليص حجم وارداتنا، خلال الأشهر الأخيرة، تراجعا لابد من مواصلته". كما أن ترقية الاقتصاد الوطني، يُضيف، تتطلب كذلك "وثبة لمؤسساتنا بحيث تقوى على استعادة السوق الوطنية، وهذا مطلب نادى به الإتحاد العام للعمال الجزائريين وهو مشكور من خلال تعبئتها لمزيد من الإنتاج واستهلاك المنتوج الوطني"، وحسب الرئيس فإن هذا الاتجاه "جاء في أوانه ليكمل مبدأ منح الأفضلية للمنتوج الوطني بالأولوية في الصفقات العمومية عندما يكون الإنتاج الوطني متوفرا ويستجيب للمعايير المطلوبة". وبعد أن حث القوى العاملة "الغيورة على سلامة اقتصاد بلادها" على دعم وتعزيز سياستنا التنموية بحيث تتحرر كليا من تبعيتها للمحروقات لفت بوتفليقة إلى سعى الدولة لضمان ديمومة الخيار المتمثل في العدالة والتضامن الوطني من خلال اتخاذ إجراءات حافزة وسياسة قوية ترمي إلى تشجيع الاستثمار الإنتاجي وتعزيز مكانة المؤسسة في الاقتصاد الوطني، وأكد في ذات السياق يقول "إلى جانب ما تضطلع به الدولة يكون سعي المؤسسات إلى تنويع مصادر استدرار الثروات أفضل ضمان لدوام التشغيل والحفاظ على القدرة الشرائية للعمال وتحسينها". كما أبرز ضرورة مساهمة جميع القطاعات الاقتصادية من صناعة، وفلاحة وصيد بحري، وطاقة، وسياحة، وتكنولوجيات الإعلام والاتصال، في رفع تحدي بناء اقتصاد متنوع ومنتج وأن تضاعف إسهامها في تحقيق هذه الغاية الهامة من خلال تعبئة القدرات الاقتصادية الوطنية والاستعانة بالشراكة الدولية. وأكد رئيس الجمهورية "بالفعل إن قطاع الفلاحة، من حيث هو الضامن للأمن الغذائي، وفي ذات الوقت القطاع الذي يزود الصناعة الزراعية الغذائية بالمواد الأولية التي تحتاجها، وقطاع تكنولوجيات الإعلام والاتصال بتأثيره الإيجابي الأكيد في الإنتاجية العامة للاقتصاد وفي تحديثه تكنولوجيا، وكذا قطاع السياحة بإمكاناته القادرة على خلق مناصب الشغل ودر المداخيل تعد، إلى جانب غيرها من النشاطات، قادرة على تطوير النمو الاقتصادي الذي يتيح الإنفاق العمومي". وجدد بذات المناسبة عزم الدولة مواصلة دعمها لاستثمار المؤسسات الإنتاجي وإنشاء مناصب العمل وتسهيل الاستفادة من العقار فضلا عن التسهيلات التي أقرتها الحكومة مؤخرا، واستفادة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من التمويل البنكي، كما دعا إلى تعبئة القدرات الإنتاجية وتحرير المبادرات بتحسين محيط المؤسسة وتأمين مناخ ملائم للاستثمار. وشدد بوتفليقة يقول »إن التحكم في توازناتنا المالية والاقتصادية في الظروف الصعبة التي نمر بها حاليا على غرار جميع البلدان المنتجة للبترول لا يترك لنا خيارا آخر سوى توخي الصرامة التامة في إدارة الأموال العمومية وفي استعمال مواردنا الطبيعية ومواصلة الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية الجارية وتعميقها«. وأوضح أن هذه الصرامة »يجب أن ترافق بخيارات تحافظ بقدر الإمكان على مبادئنا الاجتماعية وخاصة الحفاظ على مستوى معيشة ذوي المداخيل المتواضعة«، مذكرا بأن الدستور المعدل مؤخرا جاء بضمانات جوهرية تؤكد التزامات الدولة بالإبقاء على خياراتها الاجتماعية. وذكر باعتماد الجزائر قبل سنوات على إستراتيجية الحفاظ على التوازنات الاقتصادية الكبرى وكذا الدفع المسبق للديون الخارجية وتكوين احتياطات الصرف قصد التمكن من مواجهة التقلبات التي قد تحدث على الساحة الاقتصادية الدولية، وأوضح أن تلك السياسة الحذرة سمحت للجزائر "بالتقليل من أثار الأزمة المالية العالمية وخاصة بمواجهة عواقب الانخفاض الفادح لأسعار النفط حاليا".