مدير إدارة الشرق الأوسط بصندوق النقد الدولي موجود بالجزائر منذ الأحد، وخلال زيارته التي تدوم أسبوعا سيعقد، والوفد المرافق له، اجتماعات مع مسؤولين من وزارة المالية وبنك الجزائر من أجل تحيين معطيات الصندوق حول وضع الاقتصاد الجزائري. الأفامي الذي له سمعة سيئة لدى العامة، مؤسسة مالية دولية تعتبر من أعمدة النظام الاقتصادي العالمي، وهذه المؤسسة تقدم قروضا لجميع دول العالم، لكنها تشترط إصلاحات اقتصادية ومالية فضلا عن الفوائد التي تجنيها من تلك القروض، وقد تعرف الجزائريون على صندوق النقد الدولي في تسعينيات القرن الماضي عندما فرض على الحكومات الجزائرية شروطا من أجل إعادة جدولة الديون التي عجزت الجزائر عن سدادها في حينها. بعض الموضوعية تقتضي القول أن كل من يقرضك مالا عليه أن يطمئن على قدرتك على السداد، ومن هنا فإن صندوق النقد الدولي يقدم نصائحه لجميع الدول بهدف تحسين أدائها المالي، والمؤكد أن السياسات الاجتماعية المكلفة لا تجد لها مكانا في وصفات الصندوق، لكن الحكومات التي فشلت في تحقيق النمو المطلوب، والاستقرار المالي، لا يمكنها أن تلقي باللوم على صندوق النقد الدولي، وعليها أن تراجع سياساتها. عندما بدأت أسعار النفط في الانهيار شدد المسؤولون الجزائريون على أن اللجوء للاستدانة غير وارد، وهذا الحكم المتسرع ليس له أي طابع اقتصادي، بل هو رسالة سياسية موجهة إلى الداخل، لأن الاستدانة ليست مشكلة في حد ذاتها، لكن المشكلة في كيفية إنفاق أموال القروض التي نحصل عليها من الدول أو من المؤسسات المالية الدولية، فالاستدانة من مصادر تمويل التنمية، وما قد يفرضه المقرضون من شروط هو في النهاية جزء من إصلاحات تأخر تجسيدها. صحيح أن سياسات الأفامي والبنك العالمي قاسية وغير شعبية، لكن سوء تسيير أموال الريع النفطي تجعل القيام بمراجعات عميقة للخيارات الاقتصادية الكبرى أمرا ضروريا، وقد تعلمنا الأزمة الاقتصادية التي تشتد، وقد تطول، كيف نستثمر المال في إنتاج الثروة بدل إنفاقه في تنفيذ سياسات مكلفة ودون فائدة على المدى البعيد.