عندما نسمع بأن الجزائر تحولت من دولة مقترِضة إلى مُقرِضة لصندوق النقد الدولي ''الأفامي'' ، نتذكر في ثقافتنا الشعبية المثل القائل ''مول التاج .. ويحتاج'' أو ''الدنيا دوّارة'' ولعل هذا التغير الاقتصادي له عدة مبررات واقعية داخلية وخارجية، فأما الداخلية وهي ''الأهم'' فتتعلق بالسياسة المُحكَمة المنتهجة خلال العقدين الأخيرين، حيث عكفت بلادنا على إيلاء اهتمام بالغ لإزالة ''أثقال الدين'' وإزاحتها من طريقها، فقد أعطت الجزائر الأولوية لتسديد الديون التي كانت تكبل بلادنا وتفرض عليها شتى القيود والضغوط، وتبقيها تابعة للهيئات والدول وما يترتب عن ذلك من تنازلات وامتيازات لفائدة المقرضين... ولو لم يكن هناك حسن التسيير السياسي والاقتصادي لما استفادت الجزائر من ''بحبوحة ريع البترول'' التي تم وضعها في مكانها المناسب، ولعل ذلك ينمّ عن توجّه راشد وحكيم، من منطلق أنه ''مَن سدّد ديْنه شبع'' كما يقول المثل. وأما المبررات الخارجية فتتمثل في الأزمة المالية التي ضربت الدول الرأسمالية التي تحولت من مستثمرة للأموال إلى مقترضة ولو من لدن صندوق النقد الدولي، ولا زالت هزاتها الارتدادية تفعل فعلتها في أركان اقتصادات الدول الغنية، في وقت بقيت بلادنا في منأى عن ذلك، بل صار صندوق النقد الدولي الذي يفرض شروطاً مجحفة (اقتصادية وسياسية واجتماعية) على المقترضين، ''يغازل'' الجزائر ويشيد بسياستها الرشيدة طمعاً في أن تكون الجزائر من المساهمين في الصندوق ...وهنا بودنا أن نسأل، هل يوفر ''الأفامي'' امتيازات للدول التي يقترض منها، أم أن عينه فقط على ضخ الأموال دون الاهتمام بصاحب المال، وهل يعترف ''الأفامي'' أن أمواله التي تطلبها منه الدول النامية أشبه بماء البحر كلما شربنا منها ازددنا عطشا، بل وهل يقر بأن ''العود اللي تحقرو يعميك''، والدولة التي تفرض عليها شروطاً مجحفة قد يأتي اليوم الذي تكون بأمسّ الحاجة إليها؟