اشتكت بعض مديريات التربية الوطنية من مشكل عويص، يُطرح عليها بين الحين والآخر بالتناوب عبر الوطن، ويتمثّل في ترحيل مئات وآلاف العائلات إلى أحياء سكنية جديدة، ضمن حدودها الجغرافية، دون أن تُشيّد بهذه الأحياء أية هياكل تربوية، ودون تنسيق، أو سابق إشعار احتياطي معها، أو مع وصايتها، والغريب في الأمر أن الأغلبية الساحقة من الأحياء الجديدة لم تُنجز بها المؤسسات والهياكل التربوية المطلوبة، وهذا الوضع كثيرا ما وضع مديريات التربية المعنية في عجز كبير عن تلبية ما هو مطلوب، وفي مواجهة مباشرة مع احتياجات لا متناهية من المقاعد البيداغوجية. هذا المشكل ناجم عن مشكل التنسيق بين وزارتي السكن والتربية الوطنية، وتُضاف إليهما بدرجة أقل وزارتي الداخلية والثقافة، وقد سبق لوزير التربية أبو بكر بن بوزيد أن طرح بحدة هذا المشكل لاسيّما مع وزير السكن، ودعا إلى إنهائه، بل وسعى إلى عرضه عليه، وقد جمعتهما اجتماعات من أجل ذلك، ولقاءات، حرص الجانبان فيها على إشراك كافة المسؤولين التنفيذيين، والمصالح المعنية بالوزارتين، وكان واضحا قبل أكثر من سنة أن وزيري القطاعين كانا مُتّفقين على ضرورة التنسيق في تحديد وإنجاز المشاريع التي تخص جانب السكن، والتي تخص جانب التربية والتعليم في نفس الزمان والمكان، وقد تابع الذين حضروا آخر لقاء ثنائي بين الوزيرين والقطاعين في معهد التربية سابقا، بابن عكنون، في العاصمة العروض والمداخلات التي تناوب عليها المسؤولون بالوزارتين ورؤساء المصالح المعنية، وكانت الكلمة أيضا لمديري التربية الوطنية، الذين مسّتهم الآثار السلبية لعدم البرمجة، أو التأخرات المُبررة أو غير المُبررة المتعلقة بإنجاز الهياكل التربوية. وما زلتُ أذكر أن وزير التربية، ووزير السكن ألحّا آنذاك على ضرورة التنسيق بين القطاعين، وأعطيا توجيهات صريحة لكل المصالح المعنية، ورغم ذلك، فإن هذا التنسيق لا يسير على أحسن ما يُرام، وقد عاد بن بوزيد للحديث عنه بانفعال كبير، حيث تمّ بالعاصمة ترحيل آلاف التلاميذ مع عائلاتهم على الأحياء الجديدة المقامة ببعض المناطق، دون أن تُرفق بالهياكل التربوية المطلوبة من مدارس ومتوسطات وثانويات. كما أنه عاد للحديث عنه في آخر زيارة له إلى قسنطينة، حين انتقد الوضع القائم المسجل في بعض الولايات في مجال الإنجاز، وذلك بسبب التأخرات المسجلة في مجال بناء وإنجاز الهياكل والمؤسسات التربوية. وما هو غريب بالفعل، وقد تكرر في ولايات عديدة، أن هناك أحياء كبيرة، واسعة، تعدادُ مساكنها المُنجزة بالمئات وبالآلاف، تمّ إنشاؤها، وسُلّمت لأصحابها، دون أن تُبنى معها أية مدارس ابتدائية أو متوسطات أو ثانويات مطلوبة، مع العلم أن هؤلاء المواطنين المُسلمة لهم هذه المساكن الجديدة، هم سكان وافدين عليها، ولم يكونوا من سكانها الأصليين، الأمر الذي كان من الواجب أن تُهيّأ لأبنائهم المؤسسات التربوية اللازمة، لكن ما حدث أن مديريات عديدة للتربية عبر عدد من الولايات واجهت ظروفا تربوية صعبة بهذه الترحيلات المفاجئة دون سابق تنسيق أو إشعار، وقد ترتّب عن هذا الوضع تسجيل حالة كبيرة من اكتظاظ الأقسام بالمؤسسات التربوية، وأن أعدادا من التلاميذ الجدد لم يُسمح لهم بالتسجيل والدراسة في دوائرهم التربوية الجديدة، أين توجد مساكنهم الجديدة، وهو ما اضطرّهم إلى قطع المسافات الطويلة يوميا، وأجبر الكثيرين منهم على مغادرة مقاعد الدراسة. وبناء على هذا الوضع، فإن جمعيات أولياء التلاميذ تتبنىّ نفس موقف وزارة التربية الوطنية من هذا الموضوع، وتطالب القطاعات الأخرى، وفي مقدمتها قطاع السكن التنسيق الكامل مع هذه الأخيرة، وتدعو إلى أن تتضمّن الأحياء السكنية المنجزة حديثا كافة المرافق التربوية اللازمة للتلاميذ الوافدين عليها، تجنّبا للوقوع في حالات الاكتظاظ الحالية، والتسرّب الدراسي اللاّإرادي.