ما من شك في أن هناك أكثر من طرف يريد أن يسرق من الشعب التونسي ثورته، في الخارج وفي الداخل يكثر المتربصون الذين يريدون إفراغ نصر الشعب التونسي من محتواه وإبعاده عن أهدافه التي لا يجوز أن يخطئها أبدا وهي في الأساس تدور حول بناء دولة الحق والقانون، دولة المواطنة والعدل. أول من يريد ضرب إنجاز الشعب التونسي في مقتل هم دعاة نظرية المؤامرة الذين يدعون بجبنهم المعهود أن ما حدث كان مجرد انقلاب نفذه الخارج للإطاحة ببن علي الذي استهلك وأصبح عبئا ثقيلا على من استعملوه طيلة ثلاثة عقود من الزمن، وهؤلاء حاضرون دوما للتشكيك في نضج الشعوب وقدرتها على أخذ مصيرها بيدها، قد يتقمص أحدهم دور مثقف حكيم، وقد يلبس آخر لبوس رجل دولة داهية يحيط بما لا علم للعوام به، غير أنهم في النهاية جزء من مظاهر الوضع العربي المريض بنخبه السياسية والمثقفة. قبل أن يهرب الطاغية من تونس استنفذ كل وسائل الإقناع، وقدم كل ما استطاع من تنازلات لكنه فشل في إقناع الشارع باختزال الاحتجاج في مطالب اجتماعية، ورغم كل محاولات الترغيب والترهيب أصر التونسيون الأحرار على الذهاب بثورتهم إلى آخر المطاف، وبعيدا هناك في لندن كان أحد مثقفي تونس من أصحاب المشاريع الفكرية التي تطرح على العرب كل مساء عبر شاشة فضائية، يختار بكل وعي صف الطاغية ويفتح له المجال ليتحدث لعل الناس يلقون السمع إليه بعد أن قرروا مقاطعة أبواق دعايته ممثلة في الإعلام الرسمي، وكان ذلك نموذج حي عن النخبة الساقطة المرتزقة المقطوعة الصلة بالشعب، النخبة التي تقول لنا اليوم وما أدراكم بمن حرك الأمر في تونس ؟. لا يهم كثيرا معرفة من تحرك في الظلام ومن يسعى إلى احتواء الشارع التونسي أو توجيهه، بل الذي يهم هو أن في تونس الملايين يؤمنون اليوم بأن مصيرهم في أيديهم، وهذا الإيمان وحده يجعلهم قادرين على تصحيح الوضع كلما اختل، ويجعل ثورتهم عصية على الاغتصاب، وسيبقى أدعياء الحكمة من المثقفين المزيفين خارج حركة التاريخ يطلبون السلامة التي لا تأتي إلا مغمسة بحياة الذل والخضوع.