فشل التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية في تنظيم المسيرة الشعبية التي قرّرها أمس وسط العاصمة، ولا يعود ذلك فقط إلى التجنيد غير المسبوق لمختلف أسلاك الأمن والتعزيزات التي فرضت الجهات المعنية على كل منافذ العاصمة، بقدر ما التجاهل الذي قابل به المواطنون مع هذه الدعوة التي تحوّلت إلى »لا حدث«، وهو ما سهّل من مأمورية التحكّم في الوضع وتفادي أي انزلاق بحسب ما كان يرغب فيه رئيس »الأرسيدي«. لم يختلف الوضع أمس في ما أصبح يُسمى الآن ب »ساحة الوئام«، ساحة أول ماي سابقا، عن ما كان عليه في باقي الأيام الأخرى، حيث لم تكن هناك مؤشرات فعلية لوجود مسيرة أو تصعيد باستثناء ضجيج الطائرات المروحية التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني التي لم تتوقف طيلة الصبيحة مما أوحى بوجود استنفار أمني غير مسبوق، وهو ما ظهر من خلال الانتشار الكثيف لعدد معتبر من قوات مكافحة الشغب منذ الساعات الأولى، وقد عزّزت تواجدها بالشاحنات المدرعة وسيارات الإسعاف التابعة للحماية المدنية. وفي المقابل بدت الحركة المرورية هي الأخرى طبيعية، رغم قلّتها، لأن السيارات كانت تمر عبر المكان الذي اختاره »الأرسيدي« لانطلاق مسيرته، بشكل طبيعي ولم تنقطع رغم كل هذه التعزيزات. وأكثر من ذلك فإن المحلات المحاذية للساحة المركزية ب »أول ماي« على امتداد شارع »حسيبة بن بوعلي« فتحت أبوابها بشكل عادي بما في ذلك المقاهي والمخابز وحتى محلات بيع الملابس والمطاعم، وقد أرجع البعض ممن تحدّثت معهم »صوت الأحرار« ذلك إلى أن التعزيزات الأمنية المتواجدة بعين المكان دفعتهم إلى الشعور بالأمان من احتمال وقوع أي انفلات. وعلى الرغم من أن الوضع بدا طبيعيا فإن مصالح الأمن حرصت على تفادي أي تجمع يفوق ثلاثة إلى أربعة أشخاص حتى لا يكون ذلك بمثابة بداية شرارة للمسيرة، وهو ما ظهر جليا من خلال انتشار رجال الأمن بالزي المدني الذين كانوا أكثر عددا من الأعوان ذوي الزيّ الرسمي، وتزايدت حيطة أعوان الأمن أكثر مع اقتراب الساعة الحادية عشر، الموعد الذي حدّده حزب سعدي لانطلاق المسيرة، والواقع أن الجهات الأمنية وجدت في البداية صعوبات كبيرة للتحكّم في الوضع خاصة أمام تزايد أعداد الفضوليين عبر حافة الطرقات. وفي هذه الأثناء تواترت أنباء أن رئيس »الأرسيدي« يعقد ندوة صحفية بمقر الحزب الكائن بشارع »ديدوش مراد«، وهو الانطباع الذي تركه تمركز طائرة مروحية كانت تحوم على علو منخفض فوق المقرّ معزّزة بكاميرا مراقبة خاصة في أعقاب اندلاع مواجهات عنيفة بين قوات مكافحة الشغب وأنصار هذا الحزب الذين أرادوا التسلل بالقوة من أجل الوصول إلى »ساحة الوئام«. وزيادة على الفضول الذي خيّم على جموع المواطنين وسكان العمارات المُحاذية ل »ساحة الوئام«، انتظر رجال الإعلام والمصوّرون الصحافيون ظهور أي وجه من »الأرسيدي«، وزاد الترقّب خاصة أمام الحديث عن إمكانية وصول سعيد سعدي بين الفينة والأخرى، لكن قبل دقائق عن موعد المسيرة وصلت أنباء أخرى عن محاصرة مصالح الأمن مقري التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية بكل من »الأبيار« و»ديدوش مراد«، وهو ما منع أي تدفّق لأنصار ومناضليه إلى الشارع، لكن مع ذلك فقد وصل عدد قليل منهم لكن تمّ إبعادهم بسرعة عند مخرج شارع »حسيبة بن بوعلي«. وفي سياق نجاح مصالح الأمن في التحكّم في الوضع فإن الحقوقي علي يحيى عبد النور، الرئيس الشرفي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، كان الشخصية الوحيدة التي حضرت إلى المكان، ولم تمنعه المتاعب الصحية وتأثيرات التقدّم في السن الحقوقي المعروف من التأكيد بأنه قدم إلى »ساحة الوئام« بعيدا عن أي حسابات سياسية، وصرّح للصحافيين أنه مع تنظيم المسيرات وتأطيرها بشكل يضمن فعاليتها، مشيرا إلى غياب العدالة في البلاد. واللافت أن تعامل أعوان الأمن مع الحقوقي والوزير السابق علي يحيى عبد النور كان مرنا رغم علمهم المُسبق بأن حضوره كان لدعم المسيرة التي دعا إليها »الأرسيدي«، وقد طالبوا الأخير بضرورة البقاء في الساحة المقابلة للمستشفى الجامعي »مصطفى باشا« خاصة وأن المعني يحظى باحترام كبير وسط المواطنين الذين لا يتردّدون في تحيته، وهو ما تمّ فعلا حيث لم يُغادر المكان حتى تأكد من أن المسيرة غير المرخّص لها انتهت أخيرا إلى الفشل.