دفعت الاحتجاجات التي عاشتها الجزائر في الخامس من الشهر الجاري والتحولات الجذرية التي تشهدها تونس، العديد من فعاليات المجتمع في الجزائر إلى الحديث عن مبادرات سياسية، ففي الوقت الذي أعلنت فيه مجموعة من النقابات المستقلة وبعض الجمعيات الحقوقية عن استعدادها لتنظيم مسيرة بالعاصمة يوم 9 فيفري المقبل، طرح مجموعة من المثقفين بيانا يدعو إلى توحيد الجهود من المطالبة بالانفتاح، فإلى أي حد يمكن لهذه التحركات أن تجد طريقها للتجسيد، وهل تتوفر عوامل نجاحها ميدانيا؟. تتفق التحركات الأخيرة، سواء تلك التي طرحتها مجموعة من المثقفين، أو تلك التي دعت إليها أحزاب سياسية مثل مبادرة حركة الإصلاح الوطني وحركة مجتمع السلم، في كونها عناوين عريضة تدعو إلى مزيد من الانفتاح السياسي والإعلامي في البلد ورفع حالة الطوارئ، لكن الظاهر أن كل الأطراف المذكورة آنفا تتحدث عن ضرورة تشكيل جبهة للتغيير تتجاوز الأحزاب والجمعيات والشخصيات السياسية المحسوبة على المعارضة، وهو ما يعني أن إمكانية تجسيد هذه المبادرات ضئيلة جدا، إن لم تكن منعدمة، فالحسابات السياسية للأحزاب وارتباطاتها الإيديولوجية، وأيضا حسابات الزعامة والريادة، كلها عوامل تجعل من التقاء مختلف الأطياف السياسية الداعية إلى التغيير مع بعضها البعض حول عمل سياسي مشترك يلامس المستحيل. أما العامل الآخر الذي يجعل من هذه المبادرات مجرد رد فعل عن الأحداث الأخيرة، فيتعلق بكون المبادرين يفتقدون إلى وسائل العمل السياسية التي تساهم في تجسيد مبادراتهم، فهولاء لا يملكون تمثيلا محترما في المجالس المنتخبة يؤهلهم إلى تمرير مقترحاتهم، ولا هم قادرون على تحريك الشارع الذي أضحى يخشى عواقب العمل الميداني، مثلما هو الحال مع مسيرة الأرسيدي التي لم تتلق أي تجاوب من المواطنين. والظاهر أن التحركات المسجلة هنا وهناك، ما تزال تبحث عن أرضية مشتركة من شأنها تجاوز العقبات الإيديولوجية الضيقة والحساسيات الشخصية والحزبية، فضلا عن التوصل إلى قواسم مشتركة فيما بينها وكلها عناصر تفتقر إليها المبادرات المطروحة إلى حد الآن.