وسط صور بقايا الدمار والخراب والحرق، ووسط تعزيزات أمنية مشددة لقوات الشرطة والجيش، لاسيما بمباني المقرات الرسمية، كالوزارات، الإذاعة والهيئات الدولية، عايشت "الفجر" وسط العاصمة التونسية بشارع لحبيب بورڤيبة وشارع الحرية مسيرة حاشدة من تنظيم عديد الأحزاب المعارضة والمنظمات الجماهيرية كحزب النهضة واتحاد المحامين والحزب الديمقراطي وهي المسيرة التي رفعت فيها العديد من الشعارات، منها تلك التي تطالب بالإسراع في تشكيل لجنة مستقلة، بحسب ما وقفنا عليه بعين المكان. فقد كان لكلمة الرئيس التونسي قراءات متباينة وسط الفعاليات السياسية والنقابية؛ فمنها من ترى فيها أنها إجراءات متأخرة، وأخرى من ترى فيها جرعة أوكسجين للهروب إلى الأمام، وإن كانت البعض منها ترى فيها خطوات جبارة تعلن عن بداية عهد جديد بتونس. تضامن جزائري كبير ومتاعب على الحدود البرية ومن الصور التي عاشتها "الفجر" بوسط العاصمة التونسية التضامن والتلاحم الكبير لأفراد الجالية الجزائرية مع أشقائهم التونسيين. وهي الصور التي تزيل مظاهر الخوف والهلع، وإن كان تواجد كل جزائري لأغراض مختلفة، منها لغرض وظيفي وآخر استشفائي كحال السيد حمدان الذي قدم من خنشلة لإجراء عملية جراحية. غير أن الملفت للانتباه، تذمر عدد كبير من الجزائريين من صعوبة العودة عبر الحدود البرية، حسب تعبير العديد منهم ل "الفجر". إضراب عام رغم خطاب الرئيس أكد الاتحاد العام التونسي للشغل (منظمة نقابية) أمس الجمعة أنه سيواصل تنفيذ الإضراب العام الذي دعا له في وقت سابق لمؤازرة التحركات الاحتجاجية، ويأتي ذلك رغم خطاب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي تعهد فيه بإصلاحات جذرية وإرساء الحريات وعدم ترشحه للانتخابات المقبلة والتي لقيت ترحيبا حذرا من الأوساط المعارضة. وقال عبيد البريكي الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي إن الإضراب الذي قررته الهياكل القاعدية للمنظمة العمالية لا يمكن إلغاؤه، مؤكدا أنه لا علاقة له بمحتوى خطاب الرئيس بن علي. وأضاف أن إقرار الإضراب تم من قبل الهياكل النقابية لمؤازرة التحركات الاحتجاجية للتنديد باستعمال الرصاص ضد المتظاهرين. وأشار البريكي إلى أن خطاب الرئيس التونسي يعد متقدما عن سابقيه، لكن اتحاد الشغل ينتظر إجراءات عملية لتطبيق ما ورد فيه. المواجهات مع الأمن تخلف 70 قتيلا وبعد ما يقرب من شهر من الاحتجاجات التي بدأت ضد البطالة وتطورت إلى مطالب سياسية وصل عدد القتلى إلى أكثر من 70 شخصا برصاص البوليس التونسي وجرح المئات. وكانت غالبية المدن التونسية شهدت أمس مواجهات وصدامات عنيفة، تواصلت ليلا، سقط خلالها أكثر من عشرين قتيلا، في سابقة لم تشهدها تونس وفقا لما نقلتها مصادر إعلامية. وشملت المواجهات تونس العاصمة وضواحيها، وحتى الأحياء الراقية منها، إضافة إلى الضاحية الشمالية خاصة في الكرم الغربي الذي شهد ليلة دامية - ويبعد حوالي 15 كيلومترا عن قصر قرطاج الرئاسي - سقط خلالها أربعة قتلى و22 جريحا. كما شهدت مدينة القيروان مظاهرات بالتزامن مع الخطاب سقط خلالها شخصان برصاص الشرطة، وشهدت مدينتا أريانة وصفاقس والعوينة بضواحي تونس أيضا مظاهرات ليلية. الصحافة تصبح على عهد جديد على غير عادة وسائل الإعلام المختلفة بتونس، تفاعلت الصحافة التونسية هي الأخرى مع خطاب الرئيس، لاسيما ما تعلق بتعهده بفتح حرية الإعلام، حيث سارع التلفزيون التونسي إلى الشارع لاستقصاء آراء المواطنين، فيما تصدرت واجهات كبريات العناوين التونسية بافتتاحيات مغايرة لما كانت عليه وإن كان جلها مقتبس من خطاب الرئيس كعبارات "غلطوني وفهمتكم" "يزينا كرتوش"، "تحرير المجال الإعلامي والسياسي"، "لا رئاسة مدى الحياة"، وهو حال صحف "الصريح"، "الصباح" وجريدة "إكسبرس تونس". كل هذا جعل من نسخ الجرائد التونسية تنفد من الأكشاك في حدود العاشرة صباحا. وحسب الأصداء التي نقلتها "الفجر" على لسان بعض صحفيي تونس، فإن خطاب الرئيس من ناحية تحرير الإعلام جاء في وقته لما يعيش هذا الأخير من مضايقات وكبت. وكان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وعد بإطلاق الحرية الكاملة للإعلام وعدم إغلاق مواقع الأنترنت، معلناً أنه لا رئاسة لتونس مدى الحياة، وتفعيل الديمقراطية والتعددية. وقال في خطابه مساء الخميس إن الوضع يفرض تغييراً عميقاً وشاملاً. وأضاف ”أنا فهمتكم وفهمت المجتمع” متابعاً ”التخريب ليس من عادات التونسي المتحضر المتسامح”. وقال إنه أعطى تعليماته لوزير الداخلية بعدم استخدام الرصاص الحي لأنه ليس له مبرر وغير مقبول، مشيرا إلى أنه كلف الحكومة بتخفيض أسعار السلع الأساسية ومنها السكر والخبز والحليب. وأضاف أنه سيحاسب من حجب عنه الحقائق، ومن نقل إليه معلومات مضللة قائلا ”لقد ضللوني”. وأعلن سلسلة من القرارات المهمة وهي إعطاء الحرية الكاملة للإعلام بكل وسائله، وعدم إغلاق مواقع الأنترنت ورفض أي رقابة عليها ”مع المحافظة على أخلاق شعبنا”. وأعلن عن تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق بنزاهة في الفساد.