قدم الوزير الأول أحمد أويحيى معطيات دقيقة عن الوضعية المالية الحالية للبلاد في معرض رده على تساؤلات وانشغالات نواب المجلس الشعبي الوطني التي طرحت خلال جلسات مناقشة مخطط عمل الحكومة، داعيا إلى تكاثف كل الجهود لتخطي هذه المرحلة الصعبة، أويحيى الذي فضل لغة الصراحة ليواجه الشعب الجزائري بحقائق قد تبدو مخيفة لكتنها تعكس واقع سياسي واقتصادي لا مفر منه، كشف عن الخيارات الكبرى والإستراتيجية للحكومة لمواجهة السنوات العجاف. تطرق الوزير الأول في جلسة ترأسها رئيس المجلس الشعبي الوطني السعيد بوحجة وحضرها أعضاء الحكومة إلى عدة مسائل سياسية واقتصادية واجتماعية طرحت من طرف النواب خلال جلسات المناقشة. وقد حاز النقاش حول مدى جدوى التمويل غير التقليدي على حصة الأسد في رد الوزير الأول والذي اهتم بتقديم المعطيات المالية والاقتصادية المرتبطة بهذا الإجراء قائلا، الحكومة لم تخلق بدعة مقارنة بما يحدث في العالم، مفندا كل الإشاعات المروج لها كتداعيات حتمية قد تنجم عند اللجوء إلى التمويل غير التقليدي مثل ارتفاع التضخم إلى مستويات عالية وتراجع القدرة الشرائية للمواطن وانهيار قيمة العملة الوطنية . ولم يحدد الوزير الأول القيمة الفعلية لحجم الكتلة النقدية التي ستضخ في الاقتصاد الوطني عن طريق التمويل غير التقليدي، مبرزا أن هذا التمويل يعد قضية تسيير اقتصادي لمدة 5 سنوات على أقصى حد ويخضع لمعطيات اقتصادية بحتة بعيدة عن كل الحسابات السياسية.وألح الوزير الأول على أن لجوء الحكومة إلى التمويل غير التقليدي سيجنب البلاد أزمة مالية خانقة وأن الزمن سيثبت إذا كانت الحكومة في اعتمادها على هذا المخطط على صواب أم لا سيما وأن هذا الإجراء سيخضع إلى دراسة من طرف الخبراء وأعضاء الحكومة خلال الأشهر الستة المقبلة . وقال أويحيى إن الحكومة ستتوجه تدريجيا سنة بعد سنة وإلى غاية 2022 كأقصى حد للتقليص من قيمة هذا التمويل من طرف البنك المركزي حتى تتمكن من التسيير وتحقيق التوازن في الميزانية وشدد الوزير الأول على أن الحكومة تعتمد على المعطيات الرسمية للبنك المركزي فيما يتعلق بقيمة الدينار مقارنة بأسعار الدولار واليورو في السوق الدولية، مبرزا أن إشاعة الخبر حول إمكانية حدوث تضخم وانهيار أسعار الدينار جعلت أسعار العملة الأجنبية في السوق السوداء تلتهب. وبخصوص التخوفات بشأن لجوء الحكومة إلى طبع العملة ما يؤدي إلى تضخم الكتلة النقدية، طمأن الوزير الأول بأن الكتلة النقدية الموجودة في البلاد لا تساوي قيمة احتياطي الصرف والتي تقدر ب 14.500 مليار دينار، فيما بلغ احتياطي الصرف إلى غاية نهاية أوت الماضي 103 مليار دولار ويرتقب تراجعه خلال شهر سبتمبر الجاري إلى 102 مليار دولار وهكذا دواليك. وطمأن الوزير الأول الرأي العام الوطني بأن أموال الجباية المحصلة إلى غاية 14 سبتمبر الجاري ستسمح بدفع أجور الموظفين خلال الأشهر المقبلة، ذلك أن ارتفاع الكتلة النقدية في البنك المركزي شهر سبتمبر الجاري سمح بتغيير التوقعات. وفي شرحه للمعطيات المالية قال أويحيى إنه إلى غاية 31 أوت الماضي بلغت الكتلة النقدية لدى البنك المركزي 50 مليار دينار جزائري الأمر الذي جعلنا نتوقع عدم إمكانية دفع أجور العمال في شهر نوفمبر المقبل، في حين ارتفعت بتاريخ 14 سبتمبر الجاري إلى 360 مليار دينار بفضل أموال الجباية المحصلة.وبالنسبة لقيمة الجباية غير المحصلة والغرامات أفاد الوزير الأول، أن القيمة الحقيقية للجباية غير المحصلة تقدر ب 2.500 مليار دينار عكس ما يتم تداوله حول رقم بقيمة 12 ألف مليار دينار والذي يتضمن بدوره قيمة الجباية التي كانت ستدفعها المؤسسات التي تم حلها والمقدرة بمبلغ 1.900 مليار دينار و7.000 مليار دينار قيمة الغرامات الصادرة بأحكام قضائية خلال السنوات الماضية. وفي هذا السياق، أشار الوزير الأول أنه يتم حاليا العمل على تحصيل قيمة هذه الجباية من خلال الإجراءات اليومية التي تباشرها مصالح وزارة المالية. وبالنسبة لكتلة القروض المقدمة من طرف البنوك أفصح الوزير الأول عن ما قيمته 8467 مليار دينار إلى غاية 12 سبتمبر الجاري منها 4.000 مليار دينار منحت للمؤسسات العمومية و700 مليار دينار منحت للمؤسسات المصغرة اونساج والباقي لدى الخواص. وبالنسبة للقروض غير المسددة قال الوزير إنها تشكل 11 في المائة فقط من إجمالي القروض والمقدرة ب 800 مليار دينار لدى المؤسسات العمومية والخاصة والمؤسسات المصغرة عبر وكالة دعم وتشغيل الشباب، هذه الأخيرة استأثرت لوحدها فقط ب 100 مليار دينار. وفي حديثه عن ملف مسح ديون بعض المؤسسات المصغرة قال الوزير الأول، إن الحكومة عازمة على مساعدة الشباب، مبرزا أن ما قيمته 27 مليار دينار من الضرائب تم مسحه من طرف البنوك تجاه مؤسسات أونساج التي تم انشاءها قبل 2011 ، كما تم القيام بعمليات إعادة الجدولة لصالح مؤسسات أخرى. وبخصوص الإجراءات المنتظر اتخاذها في إطار قانون المالية 2018 قال الوزير الأول، إن ميزانية التسيير التي سيتضمنها مشروع قانون المالية المقبل لن ترتفع مقابل ارتفاع في ميزانية التجهيز بالنظر إلى تنامي قيمة مشاريع التنمية البلدية والقروض التي ستضخ في صندوقا الجنوب و الهضاب العليا إلى جانب تطهير المديونية تجاه المقاولين. وتعتزم الحكومة إدراج الصكوك الإسلامية في خزينة الدولة ضمن قانون المالية 2018، كما سيتم قبل نهاية السنة الجارية 2017 إدخال نمط التمويل الإسلامي في الميدان المصرفي بالنسبة لبنكين عموميين في انتظار تعميمها على أربع بنوك عمومية أخرى في غضون 2018. 2.700 مليار دينار كتلة نقدية في السوق الموازية وبخصوص الكتلة النقدية المتداولة في الاقتصاد الموازي قال الوزير، إن المعطيات المقدمة من طرف محافظ البنك المركزي تفيد أن الأموال المتداولة في البلاد تقدر ب 14.500 مليار دينار إلى غاية جويلية 2017 مقابل 2.700 مليار دينار من الأموال يتم تداولها في السوق الموازي. وهي قيمة مالية مساعدة في حال تحصيلها ولكنها غير قادرة على حل الأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد حسب ما قد يتوهم البعض. وصرح الوزير الأول قائلا، هذه المرحلة الصعبة تتطلب تكاتف جهود كل الفاعلين في البلاد سواء بالنسبة للحكومة أو المواطنين الذين سيكون من الواجب عليهم شد الحزام خلال الفترة المقبلة من أجل تخطي الظرف المالي الصعب وبالمقابل ستحافظ الحكومة على المكاسب الاجتماعية خلال قانون المالية 2018 خاصة سياسة الدعم التي ستبقى مستمرة خلال السنة المقبلة الذي أكد أن دعم المواد الاستهلاكية الأساسية سيتواصل، كما يرتقب وبعد المصادقة على مشروع قانون القرض والنقد تمويل مشاريع بناء السكنات بصيغة البيع بالإيجار عدل عن طريق الصندوق الوطني للاستثمار من خلال ضخ 250 مليار دينار كقروض تسدد على مدى 30 سنة وأكد الوزير الأول بخصوص مكافحة ظاهرة الرشوة أن الجزائر من ضمن أولى الدول التي أمضت على المعاهدة الدولية لمكافحة الرشوة وهي الظاهرة التي ينبغي حسبه أن تعرف تظافر كل الأطراف المعنية، مؤكدا أن العدالة تقوم بعملها على أكمل وجه في هذا المجال. من جانب آخر وفي إطار تفعيل و ضمان العمل الرقابي على آليات تنفيذ مخطط عمل الحكومة أكد الوزير الأول أنه سيتم تأسيس هيئة مستقلة عن طريق مرسوم رئاسي ستراقب تنفيذ المخطط عمل الحكومة وكذا مسايرة عملية التمويل غير التقليدي المرتقبة في هذا البرنامج والتي ستقوم بإرسال تقارير فصلية ثلاثية إلى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة من اجل متابعة وتقييم كل ما يتم انجازه .وكان نواب المجلس الشعبي الوطني قد صادقوا بالأغلبية على مخطط عمل الحكومة.