قالت الباحثة الفرنسية دينيا شيبلي أن فرنسا فشلت في تدخلها العسكري في شمال مالي، وأضافت أن هذا التدخل الذي شاركت فيه عدد من الجيوش الإفريقية، لم يحقق هدفه في القضاء النهائي على المجموعات الإرهابية وإعادة الأمن والاستقرار لمالي، وهو الاستنتاج الذي ينسجم تمامنا مع الموقف الذي تبنته الجزائر منذ البداية، بحيث رفضت التدخل العسكري في مالي، وطالبت بأن تقدم المساعدات الإقليمية والدولية لباماكو لمواجهة خطر المجموعات الإرهابية والحركات الانفصالية المسلحة. أوضحت الباحثة الفرنسية دينيا شيبلي في مقابلة مع إذاعة فرنسا الدولية أن فرنسا "فشلت في تدخلها العسكري بمالي"، حيث "لم تتمكن من القضاء على الجماعات المسلحة الموجودة هنالك، ولم تستطع إعادة السلام للأراضي المالية"، وأضافت شيبلي أن الدولة المالية تعيش "سيادة بالوكالة من خلال البعثة الأممية متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي: المنيسما، ومختلف المؤسسات التي تدعمها"، وواصلت الباحثة الفرنسية تقول، انطلاقا من التحقيق الذي أجرته حول الوضع في الشمال المالي أن "المواطنين الذين تعاونوا مع الجيش الفرنسي، لم يستفيدوا من حمايته الأمنية، حيث كانت هناك الكثير من الاغتيالات، والأعمال الانتقامية، وهو ما يجعل المواطنين يترددون في التعاون على المستوى الاستخباراتي مع الجيش الفرنسي"، واستدرت الباحثة في جامعة باريس الأولى في نفس السياق مؤكدة أن الماليين ينتظرون "أن تكون الدولة قادرة على توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية". فرنسا انتقلت من عملية "سيرفال" العسكرية إلى "برخان" وهي أشمل، بمشاركة جيوش إفريقية ل "تحرير" شمال مالي من التنظيمات "الجهادية"، إلا أنها لم تحقق أهدافها، وهذا يعني بان سياسة التدخل العسكري التي تمسكت بها باريس لمعالجة مشكل الإرهاب في منطقة الساحل الصحراوي ليست مجدية وتخلف آثارا أمنية كارثية على دول الجوار التي تدفع ثمن أي إستراتيجية عسكرية غير محسوبة العواقب، فحتى وإن نظرنا إلى التدخل العسكري من الناحية العسكرية البحتة فإننا سنلاحظ من دون أدنى شك بان عملية العسكرية، لم تحقق ما التخطيط له في البداية، صحيح أن التدخل العسكري سمح بإعادة شمال مالي إلى سلطة باماكو، وسمح أيضا بعودة مالي إلى مسار البناء السياسي والديمقراطي ومعالجة أثار الانقلاب العسكري الذي نفذ ضد نظام أمادو توري، وتنظيم انتخابات رئاسية، إلا أنه لم يمكن من القضاء على نشاط المجموعات "الجهادية" في شمال مالي، والدليل على ذلك أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عاد لينفذ العديد من العمليات، وهناك تحركات مكثفة لعناصر إرهابية تابعة لهذا التنظيم ولتنظيمات إرهابية أخرى على غرار حركة التوحيد والجهاد بغرب إفريقيا والمرابطون..الخ على الحدود خصوصا مع الجزائر وليبيا، وبدا جليا أن التنظيمات الإرهابية التي تبخر أغلب عناصرها بعد التدخل العسكري الفرنسي في إطار انسحاب تكتيكي، أعادت تنظيم صفوفها ورسم خططها للقيام بعمليات دقيقة في عدد من بلدان الساحل الصحراوي منها خطف رعايا أجانب للحصول على المال الذي يستعمل لتجنيد المزيد من العناصر وشراء السلاح والعتاد العسكري من العصابات المسلحة التي تنشط في ليبيا على الحدود خصوصا مع الجزائر وتونس، هذا من جهة ومن جهة أخرى يبدو أن باريس أحست بعد عملية "سيرفال" أنها تتورط تدريجيا في مستنقع الساحل الصحراوي، ومواصلة التدخلات العسكرية في المنطقة التي تدخل كما هو معروف ضمن نطاق النفوذ الفرنسي التاريخي غير ممكن، وغير مضمون، في منطقة مترامية الأطراف، تفلت من سيطرة دول المنطقة التي هي في الغالب ضعيفة ولا تمتلك جيوشا بالمفهوم العصري للكلمة. من جانب أخر فإن الجزائر أدركت منذ البداية بأن التدخل العسكري في مالي سوف يعمق من الأزمة في هذا البلد وسوف تكون له تبعات كارثية على الأمن والاستقرار في كامل المنطقة، ففرنسا أرادت الحرب في شمال مالي وبأي ثمن، مع أنها كانت تدرك بأن الحرب لن تكون نهاية لأزمة شمال مالي وإنما بداية لازمة أوسع ولكارثة أمنية حقيقية ستمس كل منطقة الساحل الإفريقي، خاصة في ظل الحديث عن التحاق مجموعات إرهابية تنشط بمالي والنيجر ومناطق أخرى بالساحل الإفريقي بتنظيم الدولة "داعش".