أكد الجنرال إبراهيما داهيرو القائد الأعلى للقوات المسلحة المالية، أمس، أن تحرير مدن غاو وتومبوكتو وكيدال من سيطرة التنظيمات الإرهابية لن يستغرق "أكثر من شهر" إذا تم توفير الدعم اللازم لعملية "سيرفال" التي تقودها فرنسا في شمال مالي. وأضاف داهيرو بكثير من التفاؤل أن الهدف النهائي من هذه العملية يبقى تحرير كافة مناطق شمال البلاد التي وقعت تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية التي استغلت الفراغ الأمني هناك من أجل فرض منطقها على السكان. لكن هل لتفاؤل القائد الأعلى للقوات المسلحة المالية ما يبرره على الأقل من حيث آلية التجسيد العملي لهذا الأمل إذا أخذنا بواقع الحال في هذه المدن الثلاث والتي تشكل آخر معاقل التنظيمات المسلحة والتي تدرك قبل غيرها أن معركة الحسم النهائي ستدور رحاها في هذه المدن وليس في ديابالي أو سيفاري أو موبتي التي حصنتها القوات الفرنسية في طريق تقدمها نحو الشمال. والمؤكد أن المسؤول العسكري المالي عندما شدد التأكيد على عبارة "إذا توفر الدعم اللازم" فإن ذلك يعني بطريقة تلقائية أن قواته ليست على أهبة الاستعداد لخوض معركة ستكون هي أم المعارك التي تنتظر كل الأطراف المتورطة في المستنقع المالي. وقد أدركت التنظيمات الإرهابية هذه المسألة تماما كما هو الأمر بالنسبة للقوات الفرنسية التي حتى وإن أكدت إصرارها على إنجاح عمليتها فإنها حرصت على الحصول على دعم بشري للقوات الإفريقية يتماشى وحجم العملية التي تنتظر حوالي 2500 جندي فرنسي ممن تم الزج بهم ضمن عملية "سيرفال" لتحرير شمال مالي من هيمنة مقاتلي التنظيمات الإرهابية. وعندما نعلم الطبيعة الجغرافية لمدينة تومبوكتو وتضاريسها الصعبة مثلا ندرك أهمية قرار مختلف التنظيمات التي انسحبت تكتيكيا إلى تلك المنطقة لقناعتها المسبقة أن معركتها مع القوات الفرنسية والإفريقية مجتمعة ستدور هناك لتماشيها مع جوهر حرب العصابات بدلا من خوضها في مناطق صحراوية مفتوحة وذلك مراعاة لميزان القوة العسكري والعقيدة العسكرية التي تتبناها والتي تعتمد على حرب العصابات المتطورة للدفاع عن وجودها. لذلك فإن السرعة التي تقدمت بها القوات الفرنسية منذ بدء عملية التدخل في العاشر من الشهر الجاري نحو مدن الشمال لا يعني إطلاقا أن المعركة حسمت لصالح القوات الفرنسية والإفريقية قبل بدئها وأن استعادة السيطرة على مدن ديابالي ودوينتزا وموبتي الأقل أهمية استراتيجية لا يؤخذ به كمعيار لقياس حقيقة ما ينتظر هذه القوات إذا اعتبرنا أن انسحاب إرهابيي أنصار الدين والدعوة والتوحيد والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بتلك السرعة كان "تكتيكيا" وحفاظا على قدراتها وحتى لا تضرب معنويات عناصرها في مواجهة لن تكون باليسيرة. ويبدو أن تحقيق هدف القوات العسكرية الفرنسية والإفريقية في القضاء على الجماعات المسلحة واسترجاع مدن شمال البلاد من قبضة الإرهابيين سيصطدم بعقبات يصعب تخطيها في ظل عجز الدول الإفريقية المعنية في الحصول على التمويل اللازم لايصال وحداتها العسكرية إلى مالي وهو ما يجعل نتيجة مراهنة باريس على حلفائها الأفارقة غير مضمونة وسط عامل الوقت الذي لم يعد يقبل الانتظار أكثر في عملية تحسب بالدقائق.