في شهر مارس 2018 قمت بزيارة للمملكة العربية السعودية، وهي ليست الأولى، لكن هذه المرة كانت الزيارة مغايرة، بسبب الظروف السياسية المحيطة بها، مثل الحرب في اليمن، أزمة قطر مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر، فضلا عن تباين الموقف الجزائري مع الموقف السعودي في بعض القضايا العربية والإقليمية المرتبطة بالربيع العربي، إلى جانب ملامح ولوج السعودية ضمن "الدولة الرابعة" أو "المملكة الرابعة"، قياسا على تسمية الأنظمة الجمهورية مثل "الجمهورية الرابعة" منذ وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الحكم، وإعلان ولي العهد عن خطة 2030 وما صاحبه من تحول جذري تجاه الجماعات الدينية، وغيرها من القضايا. لكن هذه الزيارة تعتبر الأولى التي ألتقي فيها مع سياسيين ومثقفين وإعلاميين وخبراء أمنيين، فضلا عن القيام بزيارات لأماكن سياحية وتاريخية. لذلك كانت الزيارة بالنسبة لي مناسبة لاستيضاح الكثير من نقاط الظل في القضايا الراهنة، خاصة أن الزيارة جاءت بعد يومين من صدور كتاب لي بعنوان: "الحصاد المدمر للربيع العربي: هل تصمد الجزائر في وجه التحديات"، وقد تناول الكتاب مجمل القضايا المرتبطة ب"الربيع العربي". الحلقة الأولى سفير السعودية في اليمن:اليمن والسعوديةدولتان جارتان وشقيقتان تتقاسمان كل شيء حتى مياه المطر الرياض تريد شيئين: لا سلاح في يد الميليشيات ولا للتواجد الإيراني إيران تريد مكة، لديها عقدة عمر بن الخطاب.. وتنفق على المذهب والأسلحة أصبحت اليمن بمثابة "أزمة سعودية" محضة، بسبب "عاصفة الحزم" التي قادتها المملكة العربية السعودية ضد جماعة الحوثي شهر مارس 2015، ثم تواصلت هذه " العاصفة" تحت مسمى آخر هو "إعادة الأمل" إلى غاية يومنا هذا. وفي لقاء بالرياض مع محمد آل جابر سفير السعودية في اليمن، الذي كان ملحقا عسكريا هناك، قبل أن يتم تعيينه سفيرا 10 أيّام قبل دخول الحوثيين العاصمة اليمنية صنعاء، لذلك قال بروح مرحة: " أنا والوحوثي دخلنا اليمن في وقت واحد"، طلبنا من الرجل أن يشرح لنا كل ما يتعلق باليمن بحكم معرفته بها وبحكم تحكمه في الملف، فأبرز التداخل الموجود بين اليمن والسعودية، قائلا:" حتى المطر الذي ينزله الله تتقاسمه المملكة مع اليمن، لأن على حدود اليمن جبل نصفه في اليمن ونصفه في السعودية، وعندما يسقط المطر، نصفه لنا والنصف لهم". بالإضافة إلى ذلك هناك قبائل وشيوخ قبائل في اليمن يحملون جنسيتين، بل هناك ملايين من جنسية سعودية لكن أصلهم يمني، وهناك أكثر من 2 مليون يمني يعمل في السعودية، يقومون بتحويل نحو 10 مليار دولار سنويا لليمن. وهذا يعني أن السعودية وقبل الربيع العربي تقدم مساعدة بطريقة غير مباشرة لليمن. اجتماع مجلس الأمن في صنعاء: الأول من نوعه خارج نيويورك بعد "الربيع العربي"، يقول السفير، ثار الشباب اليمني ضد حكم علي عبد الله صالح الذي مكث في الحكم 33 سنة، وبدأ الجيش ينقسم، حينها بادرت السعودية بما يعرف باسم "المبادرة الخليجية" التي تقضي بنقل السلطة سلميا لشخص من اختيار علي عبد الله صالح نفسه، الذي قام باختيار نائبه عبد ربه منصور هادي، تلتها خطة من دستور وانتخابات الخ، ثم بدأ الحوار الوطني اليمني لمدة ستة أشهر تم تمديده لعشرة أشهر من 2012 إلى 2014، قدمت خلالها السعودية لليمن 7 مليار دولار، بهدف تقوية الحكومة ودعم الاستقرار. وقد ناقش الحوار الوطني 9 قضايا بمشاركة 35 ممثلا لمختلف مكونات اليمن، عالجوا كل القضايا ووضعوا لها حلولا تعرف باسم "مخرجات الحوار الوطني"، نتيجة لذلك اجتمع مجلس الأمن لأول مرة خارج نيويورك في صنعاء ووافق على مخرجات الحوار الوطني. الحوثيون ينقلبون على 80 اتفاقية بإيعاز من إيران لكن الذي حدث، يقول سعادة السفير، أن الحوثيين انقلبوا على الإتفاق، واحتلوا صنعاء ورفعوا أعلاما إيرانية وشعار الثورة الإيرانية "الموت لأمريكا وإسرائيل". وهي نفسها شعارات الخميني، لقد حاولت الحكومة اليمنية إيجاد حلول، لكن الحوثيين كانوا دائماً ينقلبون على الاتفاقات، حيث وقعوا على 80 اتفاقية ثم انقلبوا عليها جميعا، وبعد نتائج الحوار الوطني اليمني، يضيف السفير، رأت إيران أن الأمر قد انتهى، فأوعزت للحوثيين للانقلاب عليها. فبدؤوا بالهجوم على السلفيين في صعدة، الذين خرجوا منها بأمر من عبد ربه منصور، ثم تحرك الحوثيون نحو حزب الإصلاح بحجة محاربة القاعدة، ثم توجهوا للمواقع النفطية. وبحلول سبتمبر 2014 تمكن الحوثيون من السيطرة على كل شيء، فوقعوا على اتفاقية، تحمل شقين: سياسي وأمني: حيث يشارك الحوثي في الحكومة بستة حقائب، لكن الحوثي رفض تنفيذها، كما رفض تنفيذ الشق العسكري. بعد ذلك حل بصنعاء فريق إيراني ووقع مع الحوثيين اتفاقية للطيران بنحو 14 رحلة أسبوعيا من إيران لليمن، تضم الحرس الثوري تحت غطاء أعمال خيرية، مما اضطر الرئيس اليمني للجوء نحو عدن، لكن الحوثيين استمروا في الهجوم واحتلوا عدن في يومين بطائرات سوخوي، ورفضوا الانسحاب منها، لكي تبدأ مفاوضات جديدة، كما قام الحوثيون، حسب السفير، بإفشال حوار الكويت أيضا، بعد التوقيع على7 اتفاقيات كاملة، لكنهم وبعد 100 يوم من المفاوضات رفضوا تسليم السلاح. لذلك وبطلب من الرئيس اليمني جاءت "عاصفة الحزم". وأردف السفير شارحا: "نحن لسنا اسرائيل، ثم أن إيران تنفذ مصالحها في اليمن، وهذا يهدد أمننا القومي ولن نقبل به". إيران تموّل بالسلاح.. والسعودية تنفق 11 مليار دولار على الأعمال الخيرية أما بخصوص السلاح الذي يحوزه الحوثيون، فقد أوضح السفير أن إيران هي التي تزودهم بالسلاح، لأن السلاح اليمني في عهد علي عبد الله صالح لا يتعدى مداه 600 كلم، لكن الحوثيين تمكنوا من إطلاق أكثر من 95 صاروخ باتجاه المملكة (في الفترة التي كنا بها في المملكة تجاوز عدد الصواريخ 102 صاروخ بعد أن أطلقوا 7 صواريخ في يوم واحد بمناسبة ذكرى عاصفة الحزم 26 مارس 2018)، وهكذا يخلص السفير إلى أنه لأول مرة تتمكن إيران من الوصول إلى باب المندب الإستراتيجي. وبخصوص الجهود الإنسانية التي بذلتها المملكة تجاه تحسن الوضع الإنساني في اليمن، أوضح السفير بأن بلاده بذلت جهودا كبيرة اقتصادية وعسكرية وسياسية وإنسانية، وأن الحدود الآن أصبحت آمنة، مؤكدا أنه لا يوجد جندي سعودي واحد في اليمن، باستثناء قوات خاصة تنفذ عمليات ثم تعود، واستطرد السفير موضحا أن السعودية أنفقت أكثر من 11 مليار دولار لصالح الأعمال الانسانية في اليمن، كما أنجزت جسرا جويا للمواد الطبية والغذائية، لكن لو ترفع يدها سيستمر الحوثيون في تهديد الأمن القومي وتستمر إيران في التمدد. السعودية تريد أمرين: لا سلاح في يد الميليشيات، ولا للتواجد الإيراني ثم أوضح السفير أن المعركة في اليمن هي "يمينة– يمينة"، وبعد تحالف عبد الله صالح مع الحوثيين سلمهم الجيش اليمني كله، وإذا استولى الحوثيون على الحكم ستستمر المعركة مع حزب الإصلاح أو مع غيره وهكذا، ويستدرك السفير مؤكدا أن هدف التحالف ليس قتل الحوثيين، بل إقناعهم بالعودة للمفاوضات وانتخاب الرئيس بالشكل الذي يريده اليمنيون، وأن السعودية لا تريد منهم سوى أمرين: لا سلاح في يد الميليشيات، ولا لإيران في المنطقة، وعندما طرحنا عليه سؤالا يتعلق بما يعرف بالحرب بالوكالة، رد السفير قائلا:" إن الحوثيين يحاربون بالوكالة نعم، لكن المملكة لا تفعل ذلك، لأن الحرب بالوكالة تكون عندما لا نكون معنيين، بل نحن نتعرض للهجوم من طرف الحوثيين". جنوب اليمن: ضباط الجنوب أصبحوا يبيعون الغنم في "سوق الروس" وكان لابد لنا أن نستفسر عن قضية الجنوب اليمني، وما يشاع عن خلافات بين السعودية والإمارات حوله، وعن احتمال انفصال الجنوب من جديد، فأوضح السفير أنه لا يمكن فصل الجنوب عن مشاكل الجنوب نفسه، ففي عام 1986 مثلا انقسمت الحكومة اليمنية، وتم قتل 20 ألف إنسان في أسبوع واحد ففر نحو 150 ألف شخص من الجنوب نحو الشمال منهم عبد ربه منصور، وبعد 4 سنوات، وقع سالم البيض في صنعاء مع علي عبد الله صالح اتفاقية التهدئة بشرط عدم توظيف من فر للشمال في الحكومة، لكن صالح وظفهم، وبعد 1994 حدث انفلات أمني آخر، وفي 2007 أصبح ضباط الجنوب يبيعون الماشية في "سوق الروس"، أي أن علي عبد الله صالح حولهم إلى رعاة غنم، الأمر الذي جعلهم يلتحقون بالثورة ضده بعد أحداث الربيع العربي، لذلك، يؤكد السفير، أن مستقبل اليمن بيد أبناءئه، وقد توصل اليمنيون ضمن مخرجات الحوار الوطني لبناء دولة فدرالية تضم 6 مناطق، والسعودية تدعم ما توصلوا إليه، أما بخصوص ضم اليمن لمجلس التعاون الخليجي بعضوية كاملة، فقد شرح السفير ذلك بقوله إن اليمن الْيَوْمَ عضو في مجلس التعاون في الصحة والتعليم والرياضة، لكن من الصعوبة ضمه بسرعة بعضوية كاملة، بل يجب تأهيل اليمن وقد شرعنا في ذلك لكن الحوثيين دمروه. إيران تريد مكة ولديها عقدة عمر بن الخطاب ومع ذلك يضيف السفير، ما زالت السعودية تنفق على البنية التحتية، ففي صعدة مثلا يوجد مستشفى السلام تنفق عليه السعودية ومستشفى في حجة تنفق عليه السعودية أيضا، أما إيران فلا تنفق إلا على السلاح والمذهب، وأبرز السفير أن الحرب أصبحت مكلفة، لكن السعودية مجبرة على إعادة بناء الدولة، فالحرب ضرورية لحماية أمنها القومي، ويؤكد قائلا :"لن نتوقف حتى نعيد الدولة وهذا يتسبب في أعراض هامشية"، أما بخصوص وساطة بين السعودية وإيران، فقد أوضح السفير أن إيران لا تريد وساطة، إنها تريد مكة، إنها ترغب في إعادة مجد فارس، فهي لديها عقدة عمر بن الخطاب. في الحلقة القادمة استطلاع رأي خبراء أمنيين وعسكريين سعوديين حول حرب التحالف التي تقودها السعودية في اليمن، لماذا طالت عمر الحرب، ومن أين يستمد الحوثيون قوتهم، وما هي المساحة التي مازال الحوثيون يسيطرون عليها في الميدان، وما مستقل اليمن بعد نهاية الحرب؟ وغيرها من التساؤلات الهامة الأخرى.