أكد الدكتور محمد لعقاب أن الانتفاضة الشعبية في تونس نجحت بفضل »الفايس بوك« وتأثير الانترنيت في الغليان الشعبي، مشيرا في حديث خص به صوت الأحرار إلى أن شباب الانترنيت أصبحوا يسربون معلومات وإشاعات ويتحدثون عن النهب والسلب بالصور والفيديو، مشددا على أن الجيل الرقمي كلما شعر بوجود خلل ديمقراطي أو في الشفافية أو في الحكم يبدأ في الضغط عن طريق الانترنيت لإحداث ثورة في أنظمة الحكم. *أصبح تأثير الانترنيت واضحا في الغليان الشعبي الذي تعرفه بعض الدول العربية، هل نحن اليوم أمام نوع جديد من الاحتجاجات الاجتماعية ؟ نعم، إن تكنولوجيا المعلومات تغير العالم تغييرا جذريا. فمباشرة بعد أن بدأت الانترنيت تحقق نجاحات كبيرة في منتصف التسعينيات بدأ الحديث عن الحروب الإلكترونية، وفعلا أصبحت تكنولوجيا المعلومات تلعب دورا كبيرا في مجال الحروب، لكننا الآن أمام شكل جديد من توظيف تكنولوجيا المعلومات، ويتعلق الأمر بالثورات الشعبية الرقمية، فلولا الانترنيت والشبكات الاجتماعية المعروفة مثل الفايس بوك والتويتر لما نجحت الانتفاضة الشعبية في تونس، ولما تحرك الشارع الشعبي في مصر في العديد من المناسبات، أولها ما أصبح يعرف بثورة الخبز، وأشهرها الانتفاضة الحالية المطالبة برحيل النظام السياسي كله. وهذا يؤكد أننا فعلا في عصر الثورات الرقمية. *من يقود الثورة الرقمية ؟ الثورة الرقمية يقودها »الثوار الرقميون« وهم الجيل الجديد من البشرية، فالجيل الأول كان جيلا زراعيا عاش مع الأرض لآلاف السنين، وبعدها جاء الجيل الصناعي منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر وتحديدا عام 1971، أما الجيل الثالث فبدأ في منتصف القرن العشرين وتحديدا عام 1955، هذا الجيل يعرف أحيانا باسم جيل الكومبيوتر، وفي السنوات الأخيرة أصبح يعرف بجيل الانترنيت، وتسميات تدور في فلكها أيضا كجيل الفايس بوك وجيل التويتر. *ما هي خصائص هذا الجيل ؟ هذا الجيل هو جيل الشباب، الذي يقضي معظم وقته في الانترنيت يتحاور ويدردش مع بعضه البعض وعلى الصعيد العالمي، إنه يعيش في الواقع الافتراضي، وعندما يعود إلى الواقع الحقيقي يشعر بوجود شرخ بين السيبر سبايس والحياة الواقعية، فينتفض أول ما ينتفض ضد المسؤولين وضد الأنظمة ؟ *ولماذا الأنظمة والمسؤولين ؟ لماذا لا يكتفي بالمطالبة الرقمية بانشغالاته ؟ هذا هو بيت القصيد، لأن المسؤولين الحاليين في الوطن العربي مسؤولون »كلاسيكيون« ربما الكثير منهم لم يتعامل مع الكومبيوتر أصلا، وكثير منهم لم يتجول في الانترنيت إطلاقا ، إنهم مسؤولون خلقهم الله للجيل الصناعي أو الجيل الزراعي، وليسوا مهيئين للمسؤولية في العصر الرقمي، لذلك لم يتمكنوا من فهم الجيل الرقمي، وحدث الاصطدام بين الجيل الكلاسيكي الذي يمثله »مبارك« مثلا في مصر وشباب الفايس بوك في القاهرة، وهي ظاهرة صالحة للتعميم على معظم الأنظمة العربية. *وكيف يمكن للفايس بوك أن يحدث كل هذا التأثير في أوساط الشباب ؟ نعم في مطلع 2011 يوجد أكثر من 2 مليار مشترك في الانترنيت على الصعيد العالمي، يمررون نحو 2 مليار رسالة إلكترونية، كما يوجد أزيد من 1.3 مليار مشترك في الشبكات الاجتماعية الإلكترونية. هؤلاء يتواصلون فيما بينهم بحرية وفعالية كبيرة، مع توفير عنصر السرية، ومعروف أنه إذا استطاع 10 بالمئة من الشعب أن يتواصلوا فيما بينهم فإنه يستحيل على »الدكتاتوري« في أي بلد أن يسيطر على الشعب، لذلك عندما اقترح على ستالين تعميم الهاتف في جميع أنحاء الإتحاد السوفياتي سابقا قال لهم : »إن هذا يعتبر ثورة مضادة«. *ولكن الشباب يتواصلون فقط ويدردشون ويتعارفون، فلماذا يحدثون كل هذا الخوف؟ نعم، لأنهم أصبحوا بفضل الانترنيت قوة موازية لقوة الإعلام الرسمي، فهم ينشرون كل ما تعمل الحكومات الدكتاتورية إخفاءه، إنهم يسربون المعلومات والبيانات والإشاعات وأحاديث الصالونات ويتحدثون عن النهب والسلب ويذكرون بالاسم المسؤولين وزوجاتهم وأصدقائهم وصديقاتهم ويتحدثون عن نهبهم للمال العام وغيرها، كما يقومون بنشر الصور الثابتة وصور الفيديو التي تؤكد صحة ما يقولون ، لقد أصبحوا صحفيين غير معتمدين، وسواء أكان ما ينشرونه صحيحا أم لا فإنه يكتسي مصداقية كبرى في البلدان المغلقة والدكتاتورية والتي تصادر حرية التعبير السياسي والإعلامي، ويطلق حاليا على هذا »المحتوى الذي يولده المستخدمون«، لقد أصبح مثل النار في الهشيم. لاحظ مثلا أن قناة الجزيرة تم منعها من البث في مصر، لكنها بفضل »المحتوى الذي يولده المستخدمون« الذي يصلها عن طريق مستخدمي الانترنيت ما زالت تبث صورا مثيرة للغاية ومؤثرة أكثر من تأثير القنوات التلفزيونية الرسمية. *كيف يجب التعامل مع الجيل الرقمي؟ أولا لم يعد مقبولا الاستمرار في التضييق على المجتمع ومنعه من حق التعبير عن رأيه وعن حقه في حكم نفسه، إن الديمقراطية اليوم تفرض نفسها فرضا والشفافية أيضا، لأن »الجيل الرقمي« في الغرب يحكمه »مسؤولون رقميون«، حيث سرعة التفاعل عن طريق الحكومات الإلكترونية أو البوابات الإلكترونية التي تنشئها الحكومات والوزارات والمؤسسات، وقد أصبح للجيل الرقمي اليوم مقعد على طاولة مجلس الوزراء، إنه لا يحتاج إلى ممثلين، وخاصة إذا كانوا ممثلين على طريقة »النواب المزورين« في الدول العالم الثالث. وكلما شعر الجيل الرقمي بوجود خلل ديمقراطي أو في الشفافية أو في الحكم بدأ يضغط عن طريق الانترنيت، إننا نشهد »ثورة جذرية في تغيير أنظمة الحكم«. إن تكنولوجيا المعلومات أصبحت لاعبا سياسيا محوريا، والجيل الجديد هو جيل رقمي، والمواطن الحديث هو مواطن شبكي، والمواطنون الإلكترونيون أصبحوا عالميين، يتعاطفون مع بعضهم البعض، فما حدث في تونس جمع التعاطف العالمي مع الثائرين مثلما سبق أن تعاطف المواطنون الرقميون مع سكان غزة، وهو ما يحدث اليوم في مصر، إن عصر الانترنيت هو عصر الشعوب .. وعلى الأنظمة أن تأخذ هذه المتغيرات الجذرية بعين الاعتبار. *أنت تتكلم عن الانترنيت فقط .. هل تراجع دور التلفزيون ؟ لا، دور التلفزيون لم ينته ، حتى لو أننا بدأنا نعيش عصر الوسائط المتعددة ففي الانترنيت نستطيع التقاط القنوات التلفزيونية ومشاهدة البث الحي، فعندما تقوم القنوات التلفزيونية ببث صور حية وبشكل مباشر فهي تحرك العواطف وتحدث تأثيرا عميقا وتساهم في التعبئة. لذلك تتجه كل دول العالم نحو امتلاك المزيد من القنوات التلفزيونية، خاصة تلك الموجهة للعالم الخارجي، فنحن العرب مثلا نتعرض لقصف يومي من طرف الفضائيات غير العربية لكنها ناطقة باللغة العربية، مثل فرانس 24 الفرنسية، روسيا اليوم الروسية، الحرة الأمريكية، التركية، الصينية والكورية وغيرها كثير، وهذا لتحقيق أهداف ربما كان من الصعب تحقيقها بدون هذه القنوات.