بعد يومين من انتصار الثورة المصرية على نظام حسني مبارك، عزز الجيش بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي سلطته على مصر أول أمس بحل البرلمان وتعطيل الدستور. وفي ذات الوقت أخبر رئيس الوزراء المعين من قبل مبارك الفريق أحمد شفيق الشعب المصري أن أولى أولوياته هي »السلام والأمن« لمنع »الفوضى والاضطرابات«، وهو نفس الشعار الذي كثيرا ما ردده الرئيس السابق. وقال روبرت فيسك في مقاله بصحيفة إندبندنت إن محاولة المجلس الأعلى للقوات المسلحة اليائسة للوفاء بوعده بإعادة الحياة الطبيعية إلى القاهرة جعلته يحشد مئات الجنود -كثير منهم غير مسلحين- في ميدان التحرير لحث المحتجين الباقين على الرحيل. وحيتهم الجموع كأصدقاء وقدموا لهم الطعام والماء. وقام رجال الشرطة العسكرية بتنظيم حركة المرور. لكن حينها بدأ ضابط شاب يضرب المتظاهرين بعصا -العادات القديمة لا تزول بسرعة في أصحاب الزي الرسمي- ولوهلة بسيطة عادت صورة مصغرة من الغضب على شرطة الأمن الرسمي الذي حدث يوم 28 جانفي الماضي. وعكست هذه الصورة قلقا متزايدا بين أولئك الذين أطاحوا بمبارك من أن ثمار نصرهم ربما التهمها جيش مكون في مجموعة من الجنرالات الذين وصلوا إلى سلطتهم وحظوتهم إبان حكم مبارك. لا أحد يعترض على حل البرلمان بما أن انتخابات مجلس الشعب العام الماضي، وفي كل الأعوام الأخرى، كانت مزورة. لكن المجلس العسكري لم يشر إلى تاريخ إجراء انتخابات حرة ونزيهة التي وعد بها الشعب المصري. وقال فيسك إن هناك اختلافا واضحا بين مطالب الشباب الذين أسقطوا نظام مبارك والتنازلات التي يبدو أن الجيش مستعد لتقديمها. فمن مطالبهم إلغاء قانون الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين. بينما وعد الجيش بإلغاء قانون الطوارئ في الوقت المناسب، وهذا معناه أنه كلما طال بقاؤه نافذا يمنح الجيش سلطة أكبر لحظر كافة الاحتجاجات والمظاهرات كما فعل مبارك. وهذا أحد أسباب اندلاع مناوشات صغيرة بين الجيش والشعب في ميدان التحرير أول أمس. وأما فيما يتعلق بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين فقد ظل الجيش صامتا بطريقة مثيرة للشك. وتساءل فيسك هل لأن هناك سجناء يعرفون الكثير عن تورط الجيش في النظام السابق أو لأن السجناء المحررين مؤخرا يعودون إلى القاهرة والإسكندرية حاملين معهم قصصا رهيبة عن التعذيب والإعدامات، كما يقولون، بواسطة العسكريين؟ وقد أصر ضابط جيش أول أمس على أن سجون الصحراء تدار من قبل وحدات الاستخبارات العسكرية التي كانت تعمل لصالح وزارة الداخلية وليس وزارة الدفاع. أما بالنسبة لكبار ضباط الشرطة الذين أمروا رجالهم وبلطجيتهم بمهاجمة المتظاهرين خلال الأسبوع الأول للثورة فيبدو أنهم فروا كما هي العادة إلى الخليج العربي. فبحسب ضابط في إدارة التحقيقات الجنائية للشرطة تحدث إليه فيسك أول أمس فإن كل الضباط المسؤولين عن العنف الذي خلف أكثر من 300 قتيل مصري هربوا من مصر مع أسرهم إلى إمارة أبو ظبي. واختفى المجرمون الذين رشاهم الضباط لضرب المتظاهرين ومن يعلم متى ستُطلب خدماتهم مرة أخرى. وفي تلك الأثناء ينتظر الضباط ذوو الرتب المتوسطة أن تأخذ العدالة مجراها فيهم. إذا حدث ذلك فعلا. وقال فيسك إن كل هذا يتوقف بالطبع على حجم الوثائق التي تركها النظام السابق والدرجة التي تكون بها السلطات -الجيش حاليا- مستعدة لتقديم هذه الأوراق إلى سلطة قضائية جديدة. وأما فيما يتعلق بالشرطة المدنية، الذين اختبؤوا في مخافرهم قبل إحراقها يوم 28 جانفي، فقد عادوا للظهور في وزارة الداخلية مطالبين بتحسين أجورهم. ومن أكثر اللحظات خلودا أن يتحول أفراد الشرطة أنفسهم إلى متظاهرين بعد ثورة مصر.