لا أحد ينكر الاحترافية التي تعامل بها أفراد الأمن مع الأحداث التي عاشتها عدد من مدن الجزائر في 5 جانفي الفارط ومع مسيرة السبت الأخيرة، وقبلها المسيرة التي دعا إليها الأرسيدي، حيث لم يتم استعمال أي وسائل قمع للمتظاهرين، باستثناء عمليات التوقيف التي طالت البعض منهم، ليتم إطلاق سراحهم بعد ساعات قليلة، فيما لم يتم تسجيل أي إصابات أو جرحى. استطاعت عناصر الأمن الوطني أن تحكم طوقا أمنيا بساحة الوئام المدني بالعاصمة، حيث منعت المتظاهرين الذين حاولوا القيام بمسيرة نحو ساحة الشهداء من تحقيق مبتغاهم، فتحولت الحشود إلى تجمع، وبنفس الطريقة تعاملت عناصر الشرطة مع المتظاهرين خلال المسيرة التي دعا إليها حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية نهاية الشهر الفارط، مما يؤكد أن الشرطة الجزائرية قد اكتسبت خبرة في مجال تسيير المظاهرات، إذ أبدى عناصرها احترافية كبيرة في التعامل مع الوضع. في هذا السياق، أشاد الجميع من مواطنين ومسؤولين، بما قامت به قوات الأمن التي كانت في كثير من الأوقات بمثابة الضحية، حيث تم تسجيل عدد من الجرحى في صفوف الشرطة خلال مسيرة الأرسيدي فاق بكثير عدد الجرحى المتظاهرين، نفسها الوضعية خلال الأحداث الأخيرة التي عرفتها الجزائر، حيث امتنعت الشرطة عن توقيف المشاغبين واكتفت بمراقبة الوضع عن بعد سعيا منها لوقف الأضرار وحماية الممتلكات العامة والخاصة. وقد أبدت عناصر الشرطة احترافية كبيرة في التعامل مع جموع المتظاهرين، حيث لم يلاحظ استعمال للقوة ضد المتظاهرين، الذين حاولوا في بعض المرات كسر الحصار الذي ضرب عليهم من قبل عناصر مكافحة الشغب، وتعامل أفراد الشرطة في كثير من الأحيان بليونة كبيرة، ولم يلاحظ أي اعتداء بالهراوات أو العصي ضد المتظاهرين، وتمكنت من إحكام سيطرتها على الوضع دون اللجوء إلى القوة. هذه الاحترافية لم تلق في أي مرة إشادة من قبل الدول الأجنبية التي لا تفوت فرصة إلا لانتقاد الجزائر والتحذير من التجاوزات في حق المتظاهرين بحجة الديمقراطية وحرية التعبير، في وقت لم تعد فيه الجزائر بحاجة إلى هذه التوصيات بالنظر إلى خبرتها في مكافحة الإرهاب طيلة عشرية دامية وقفت فيها وحدها في وجه موجة من الدم، أتت على الأخضر واليابس، ولعل خبرة تلك السنوات جعلت الشرطة الجزائرية وغيرها من أجهزة الأمن تمتلك احترافية عالية في التعامل مع كل الأحداث وبكل حكمة لا تتعارض في أي حال من الأحوال مع الأسس والممارسات الديمقراطية.