انتقد الفلسطينيون الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن ضد مشروع قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي, وقالوا إنه يشجع على مواصلة أنشطة إسرائيل الاستيطانية, ملوحين بإعادة النظر في جدوى المفاوضات. وفي المقابل رحبت تل أبيب بإجهاض مشروع القرار العربي, ودعت الفلسطينيين إلى استئناف المفاوضات دون شروط. وكانت الولاياتالمتحدة قد صوتت مساء أول أمس الجمعة ضد المشروع الذي يدين الاستيطان الإسرائيلي في القدسالشرقية والأراضي المحتلة الأخرى ويطالب بوقف الاستيطان باعتباره غير شرعي مع أن الدول الأربع عشرة الأخرى في مجلس الأمن أيدته. وهذا الفيتو هو الأول الذي تستخدمه الولاياتالمتحدة منذ 2006, كما أنه الأول في عهد الرئيس باراك أوباما. وقبل التصويت, طلب أوباما من الرئيس الفلسطيني محمود عباس سحب مشروع القرار, وعرضت إدارته في المقابل بيانا رئاسيا من المجلس ينتقد الاستيطان بعبارات ملطفة. لكن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني )فتح( رفضتا الخميس الماضي بالإجماع الطلب الأمريكي, ورفضتا سحب المشروع رغم ما تردد عن تهديد أوباما لعباس بوقف المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية خلال اتصال هاتفي بينهما يوم الخميس. ومباشرة بعد التصويت, قال المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة إن الفيتو الأمريكي لا يخدم عملية السلام. وأضاف أنه يشجع إسرائيل على الاستمرار في الاستيطان, والتهرب من استحقاقات السلام. وفي تصريحات متزامنة, قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه إن الجانب الفلسطيني سيدرس من جديد جدوى الاستمرار في المفاوضات التي تشترط السلطة الفلسطينية منذ أكتوبر الماضي لاستئنافها، تجميدا تاما للاستيطان. ومن جهته, قال المراقب الفلسطيني في مجلس الأمن رياض منصور إن التصويت الذي جرى أظهر أن هناك إجماعا دوليا في ما يتعلق بالاستيطان الذي تقر الولاياتالمتحدة نفسها بعدم شرعيته. وقالت مصادر في رام الله إن الفيتو الأمريكي كان متوقعا منذ الاتصال الذي جرى الخميس الماضي بين الرئيسين الأمريكي والفلسطيني, مشيرة إلى أن محمود عباس –الذي تظاهر مئات الفلسطينيين في رام الله تأييدا لرفضه سحب مشروع القرار- أعلن رفضه مقايضة المال بالموقف. وأشار إلى تصريحات فلسطينية ورد فيها أن الفيتو يشكك في مصداقية الولاياتالمتحدة بوصفها »راعيا« للمفاوضات, كما أنه يخرب محاولة العودة إلى المفاوضات. وتحدثت مصادر عن توجه قوي داخل السلطة للتركيز على المصالحة الوطنية بما يساعد على بناء موقف موحد في وجه إسرائيل. وقال إن هناك دعوات تتصاعد لتقريب وجهات النظر بين فتح وحركة المقاومة الإسلامية )حماس(. وكانت المندوبة الأمريكية في الأممالمتحدة سوازن رايس قد احتجت لاستخدام الفيتو بأن من شأن صدور قرارات كهذه أن يدفع هذا الطرف أو وذاك إلى التشدد كلما اعترضته عقبة في المفاوضات. وقالت رايس إن بلادها توافق الدول الأخرى الأعضاء في مجلس الأمن على عدم شرعية الأنشطة الإسرائيلية, لكنها ترى أنه من غير الحكمة أن ينخرط مجلس الأمن في حل قضايا بالغة التعقيد مثل الصراع الفلسطيني. وقالت أيضا في سياق تسويغ الفيتو إنه يتعين ألا يفهم على أنه تأييد أمريكي للمستوطنات الإسرائيلية. ومن جهتها رحبت إسرائيل بالفيتو الأمريكي, وقالت إن على الفلسطينيين أن يعودوا إلى طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة. وجاء في بيان صدر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل تثمن بشدة تصويت واشنطن ضد مشروع القرار العربي. وفي الوقت نفسه دعت الخارجية الإسرائيلية إلى استئناف المفاوضات المباشرة. وعلى صعيد آخر،ذكرت صحيفة »وول ستريت جورنال« أن السفراء العرب بصدد طرح مشروع قرار للتصويت لدى مجلس الأمن الدولي، يدين النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويعتبرها غير شرعية وسط قلق من استمرار ال»فيتو« الأمريكي في عرقلة أي توجه دولي وأممي لإدانة وتوقيف العملية الاستيطانية الإسرائيلية. وتشير وول ستريت جورنال إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ما فتئت منذ ديسمبرالماضي تمارس ضغوطا على الرئيس الفلسطيني محمود عباس للعدول عن مشروع القرار وعدم المضي في طرحه للتصويت، بدعوى أنه قد يتسبب في تعثر جهود السلام في الشرق الأوسط. وأضافت أن ثمة عرضا أميركيا يدفع بضرورة سحب مشروع القرار وعدم عرضه للتصويت في مجلس الأمن، مقابل موافقة واشنطن على بيان رئاسي بشأن المستوطنات، وتبني لهجة شديدة في بيان اللجنة الرباعية المتوقع انعقادها في منتصف مارس القادم، وإرسال بعثة لتقصي الحقائق من مجلس الأمن نفسه إلى الشرق الأوسط. وقالت إن وزراء الخارجية العرب رفضوا العرض الأمريكي، وإنهم أبدوا عزمهم على طرح مشروع القرار للتصويت، مما يوقع الإدارة الأمريكية في مأزق. وأوضحت أن هذا المأزق قد يتمثل في قيام بعض الدول العربية باتهام واشنطن بالتراجع عن محاولاتها ثني إسرائيل عن المضي في نشاطاتها الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية. ويتضمن مشروع القرار العربي مطالبة إسرائيل »بوقف فوري وكامل لكل النشاطات الاستيطانية واحترام كامل لكل الالتزامات القانونية بهذا الشأن«.