للمرة الثانية على التوالي تفشل التنسيقية الوطنية للتغيير والديمقراطية في كسب مساحات جديدة في الشارع العريض، لكن الأسوأ من هذا أن التنسيقية التي تضم مختلف الأطياف السياسية والنقابية حسب مزاعم مؤطريها، بدأت تفقد حماس بعض الأطراف التي ظهرت في المسيرة الممنوعة السبت الماضي، فقد سجل أمس غياب كل من زعيم الأرسيدي سعيد سعدي الذي اختار متابعة الاحتجاجات من باريس، في حين قاطع كل علي بن حاج وجاب الله المسيرة المزعومة. ظهر جليا في المحاولة الثانية للتنسيقية الوطنية للتغيير، أمس، مدى افتقار هذا الخليط السياسي إلى القدرة على تعبئة الجماهير للخروج في مسيرة مطلبية، فقد تقلص عدد الذين لبوا نداء التنسيقية أمس، بشكل ملحوظ مقارنة بالسبت الماضي، أما على مستوى نوعية المشاركين وانتماءاتهم فقد بدا واضحا أن الأرسيدي إلى جانب قلة معدودة من أنصار الجبهة الاجتماعية الديمقراطية وبعض الوجوه المنتسبة للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، في حين غاب سعيد سعدي الذي كان يلح على المشاركة القوية لكنه اختار باريس لمتابعة الأحداث حسب معلومات تحصلت عليا »صوت الأحرار«، في حين فسرت مصادر أخرى غياب سعدي باستجابته لطلب أعضاء التنسيقية الذين رفضوا احتواء المسيرة الاحتجاجية المزعومة من قبل الأرسيدي، أما بالنسبة للإسلاميين فقد لوحظ غياب علي بن حاج وجماعته التي لم تنزل إلى الشارع عكس الأسبوع الماضي، حيث أصر على المشاركة إلى جانب سعدي وحلفائه الجدد، كما قاطع مناضلو حركة الإصلاح الوطني جناح عبد الله جاب الله، رغم مشاركتهم السبت المنصرم، وهنا يمكن الاستنتاج أن الخلافات التي برزت في صفوف التنسيقية بعد مسيرة 12 فيفري، امتدت لتشمل باقي الأطراف السياسية التي لها مواقف أيديولوجية محددة وواضحة، وهو ما يبرر ضعف نسبة الاستجابة للنداء. وفي سياق ذي صلة، يمكن تسجيل ملاحظة في غاية الأهمية، وتتعلق بغياب تنسيق وانسجام في الشعارات المرفوعة من قبل المتظاهرين رغم قلتهم، فليست هناك مطالب محددة وواضحة، مما جعل المسألة كلها تختزل في »تجمع فوضوي هجين«، يبحث عن الدعاية الإعلامية لا غير. ويعتقد أحد المشاركين البارزين رفض الكشف عن هويته، أن ما يمكن تسميته نكسة التنسيقية، يعود بالأساس إلى نزول سعيد سعدي الأسبوع الماضي، فالرجل لم يعد يحظى بأي قبول في الشارع، كما هو الحال بالنسبة لجماعة الحزب المحل، وحتى بعض الشخصيات المحسوبة على المعارضة مثل الوزير الأسبق عبد الحق برارحي وجماعته لم تعد تلقى الترحيب في أوساط المحتجين، وهو ما يعني أن التنسيقية الوطنية للتغيير بعد المحاولة الثانية والثالثة إذا ما سجلنا المسيرة الفاشلة التي دعا إليها التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، تكون قد وقعت شهادة وفاتها في ساحة أول ماي أمس، ذلك لأنه لا يمكن التحجج بالإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذتها السلطات العمومية، فمنع المسيرة كان متوقعا وأكيدا على خلفية قانون المنع ساري المفعول بالعاصمة وكذلك إصرار السلطات على تطبيقه بكل صرامة، ومعنى ذلك أن المسألة تتعلق في جوهرها بفشل أقطاب التنسيقية في كسب ود ورضا الشارع حول مطالب التغيير، نظرا لافتقار أغلب منشطي التنسيقية إلى الامتداد الشعبي المنظم والمهيكل. وجدير بالذكر أن السلطات الأمنية تعاملت مع المتظاهرين أمس، بكل ليونة ورزانة، فلم تكن هناك تدخلات عنيفة أو استعملت فيها القوة ضد المحتجين ما عدا تفريق المتظاهرين ومنعهم من التجمع في كتلة واحدة.