أكد المحلل السياسي، ورئيس مركز الدراسات الإستراتجية والأمنية، الدكتور امحند برقوق، في حديث ل »صوت الأحرار«، أن الجزائر كانت سباقة في إحداث عديد التغييرات والقيام بشتى الإصلاحات التي ساهمت في استتباب الأمن ودفع عجلة التنمية، وقال إٌن بلادنا غير معنية بما يحدث من اضطرابات في العالم العربي وذلك بالنظر إلى خصوصياتها وما قامت به على مدار السنوات الفارطة، فيما اعتبر أن النظام السياسي وبالرغم من المبادرات التي قام بها، فإنه مطالب ببذل مزيد من المجهودات التي من شأنها ترسيخ الممارسة الديمقراطية استجابة لتطلعات الشباب الجزائري. *بعد تونس ومصر وليبيا، إلى أي مدى يمكن للجزائر أن تكون معنية بالاضطرابات التي تعرفها المنطقة العربية؟ فيما يخص الجزائر، فإن وضعيتنا مختلفة لأننا عرفنا أزمات عديدة، حيث أن السنوات التي عشناها خلال الأزمة الأمنية خلقت وعيا ضد العنف من طرف الدولة والشعب، ونجد أن النظام منذ 1995 اعترف بأن المأسسة والدمقرطة شرطان أساسيان لإحراز أي تقدم، وقد شهدنا بالفعل عدة انتخابات سياسية واستقرارا فيما يخص الأمن، فالجزائر كانت السباقة نحو التغيير، كما أن السلطات العليا في البلاد استجابت لعديد المطالب لا سيما فيما يتعلق بتطلعات الشباب والتي نراها من خلال القرارات التي اتخذت على مستوى مجالس الوزراء المنعقدة وآخرها أول أمس. ولكن يبقى أن الدولة مطالبة ببذل مزيد من المجهودات والتفتح أمام الطبقة السياسية والنخب المثقفة، أنا أثق فيما أنجز وما يتم إنجازه، يجب فقط الاهتمام بالشباب الذي هو بحاجة إلى دمقرطة وحرية التعبير. دولتنا ليست بحاجة إلى التغيير أو التحول كما حدث في مصر وتونس وإنما هي بحاجة إلى إصلاحات واستجابة إلى المطالب الاجتماعية وتحقيق عدالة اجتماعية ومشاركة سياسية. *على ضوء الثورات الشعبية التي عاشتها بعض الدول، كيف تقيمون الوضع الراهن في المنطقة العربية؟ إن الوضع في المنطقة العربية يعتبر تاريخيا بامتياز، وذلك بالنظر إلى طبيعة التحول الذي تعرفه عديد الدول العربية، وهذا ليس فقط بسبب لجوء الشارع للفعل السياسي ولإحداث التغيير، ليس بالمعنى الديمقراطي، ولكن بالمعنى الرافض للأنظمة السياسية الحاكمة، فسقوط النظام في كل من تونس ومصر إلى هاوية سياسية تعود بالأساس إلى فقدان أنظمة الحكم في تلك الدول لآليات حل النزاعات بالطرق السلمية على المستوى الداخلي ولكن أيضا لعدم ثقة المواطنين بالإجراءات السياسية، انتخابية كانت أم مشاركتية ولعدم قدرتها على إنتاج تداول على السلطة وتوزيع عادل للثروة. الانتفاضة في تونس ومصر أدت بالأساس إلى إحداث تحول سياسي، دون تحديد معالم دقيقة للمستقبل السياسي لهذه الدول ولكن القاسم المشترك في هذين الانتفاضتين هو سقوط جهازي الشرطة لكلا البلدين ولعب الجيش دورا منقذا للجمهورية مع الالتزام بالتغيير بما يتوافق وطموح المواطنين في إطار مسائل بناء توافقات جديدة تقوم على الاستقرار، المشروعية والتنمية. أما في حالة ليبيا، فإن هناك استخداما للعنف المفرط وبشكل غير مشهود في أي سابقة تاريخية باستثناء استخدام الجيش السوري للطيران العسكري لقصف الإخوان المسلمين بداية الثمانينات في حمص، فالعالم العربي وإن كانت الأنظمة تستخدم العنف، فكثيرا ما يكون في حدود المعقول السياسي، ولكن المجازر التي نسمع عنها تدخل قانونا في إطار المادة الخامسة من القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لأنها غير مرتبطة باستخدام العنف المشروع، بل بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، فقنبلة مواطنين من الجو واستخدام عيارات نارية حية من أحجام مختلفة لقمع المواطنين سوف يؤدي حتما إلى تفاقم مجال الاحتجاج بما يسرع بسقوط النظام إلى الهاوية، حيث أنه فقد احترامه لعقد إنساني وليس اجتماعي يربط المواطنين بالحكام. كما تعكس هذه الممارسات الهمجية أيضا الصفة اللاطبيعية للنظام السياسي الليبي والذي أدى في النهاية إلى إظهار غياب أي قواعد للحكم تحترم فيه حقوق الإنسان والمواطن أو أي مؤشرات لنظام يحكم بمسؤولية أبعد من مسؤولية الحاكم على رعية تكون امتدادا لملكه كأنها ملكية بالمعنى الإقطاعي. ولذلك فكل المؤشرات توحي باحتمالين اثنين، إما سقوط النظام الليبي أو تحول الجماهيرية إلى جمهورية كما تبرز الراية القديمة لليبيا بعد فترة من عدم الاستقرار بالنظر للطبيعة غير المؤسساتية للحكم في ليبيا. *في رأيكم ما هو القاسم المشترك بين هذه الاحتجاجات التي عر فتها المنطقة؟ هناك عدة قواسم مشتركة بين الاحتجاجات التي عرفتها المنطقة، حيث نجد الطبيعة قبل الحداثية للأنظمة السياسية، لأنها تقوم على أساس الحكم مدى الحياة باستخدام آليات إجرائية للديمقراطية، أحزاب متعددة دون تعددية، وجود انتخابات غير ديمقراطية، بالإضافة إلى برلمانات غير قادرة على التشريع، كما نجد فيها استخداما للقانون ودساتير لإنتاج قانونية الحكم دون المشروعية فيه. ويضاف إلى ذلك، ضعف القاعدة الاقتصادية لهذه الدول كقاسم مشترك يجمع بينها، مما لا يمكنها من إنتاج فرص للتوظيف وهذا ما يجعل مستويات البطالة عالية مع إنتاج للشعور بالإحباط والتهميش ورفض استمرار الواقع الاقتصادي والسياسي، إلى جانب ذلك نجد ضعف العدالة التوزيعية مما يجعل الشرائح الاجتماعية الفقيرة في اتساع، في ظل تمركز الثروة وهذا ما يؤدي بدوره إلى إنتاج شعور بالاغتراب بالمعنى الاجتماعي والسياسي. ونجد كذلك في هذه الدول تنامي لنخب متعلمة تصبو إلى التغيير في عالم يعرف انفتاحا إعلاميا وفكريا يستدعي مواكبة لإصلاحات داخلية تأخرت في أغلب هذه البلدان، مما جعل من الشارع المحتضن الأول لفواعل اجتماعية وسياسية تعدت الأحزاب والمؤسسات لتحدث التغيير بنوع من الفوضى. كما لا يجب أن ننسى أن هناك ضغوطات خارجية للتغيير ولكن بالأساس لمنع انتشار الفوضى التي قد تنتج موجات من المهاجرين السريين التي تظهر كلما وجدت أزمات داخل هذه الدول، وهذا ما يجعل الاتحاد الأوربي أكثر حرصا من غيره على استتباب الاستقرار والأمن في المنطقة، وعموما هذه هي المتغيرات التي تمكننا من بناء صورة مركبة لأنظمة سياسية تريد أن تستمر كما هي في ظل تحول المجتمعات لأشكال حداثية ترفض أن تحكم بقواعد وآليات قبل حداثية. *هل كان من الممكن لهذه الأنظمة أن تستبق الأحداث وتتجه نحو التغيير الإرادي بدل الوقوع في فخ الاحتجاجات والثورات؟ في الحالتين التونسية والمصرية، كانت هناك سوء قراءة لطبيعة الانتفاضة وعدم إدراك فعلي لمدى تجذر الإحباط المجتمعي والرغبة في التغيير الجذري، فانتقال الاحتجاج الاجتماعي والسياسي دون سابق إنذار في كلتا الحالتين أي المصرية والتونسية، يبرز عملية اندماج لاحق وليس مسبقا لشباب يصبو إلى التغيير وحركات سياسية داعمة للتغيير لعبت دورا في توجيه هذه الحركات نحو إسقاط نظامي بن علي ومبارك، وعليه فلا يمكن أن ننسى دور الأحزاب المعارضة في تونس وفي مصر ولا حتى الجمعيات الاجتماعية والسياسية مثل النقابات وغيرها، في لعب دور المحرك النهائي في حركة التغيير. ومن جهة أخرى فالتاريخ السياسي يقول، إن النظام السياسي عندما يقوم بردة الفعل يكون قد خسر المعركة منذ البداية، فالفعل السياسي هو فعل عقلاني بناء، أما رد الفعل فهو محاولة للتقليل من الخسارة دون التأثير بالشكل المواتي على مسار وحركية الفعل المبتدأ اجتماعيا كان أو سياسيا. *هناك حديث عن نظرية الدومينو التي تفرض سقوط كل الأنظمة وفق النموذج التونسي؟ أنا شخصيا أرفض الحديث عن وجود نظرية الدومينو، لأن هناك اختلافا شديدا بين مختلف موجات الدمقرطة، إذ سلمنا لمجرد النقاش في المرحلة الرابعة للديمقراطية، فإن المرحلة الثالثة كانت في الكتلة الاشتراكية التي كانت تشترك فيما بينها في نفس الصفات السياسية، القيم الإيديولوجية ونفس الشريك الخارجي، فإن الأنظمة العربية تختلف أفقيا من حيث طبيعة الأنظمة السياسية، حيث نجد 14 جمهورية وثماني إمارات، كما أنها تختلف من حيث شكل اقتصادياتها ومن حيث مستوى انفتاحها الاقتصادي والسياسي. أما على المستوى العمودي فهناك أيضا تباين على مستوى ارتباطات الدولة مع القوى الدولية، فمصر دولة محورية كما اليمن في الإستراتجية الأمريكية في المنطقة، لأهداف مرتبطة بأمن إسرائيل في الحالة الأولى ومحاربة الإرهاب والقرصنة في الحالة الثانية، في حين أن ليبيا مرتبطة بالنفط أكثر من غيرها. ولهذه الارتباطات دور في تحديد مستوى الضغط الدولي الذي قد يكون حاسما في الحالة المصرية وقد يكون أقل كذلك في الحالة اليمنية لأهميتها الإستراتجية في باب المندب ولاحتضانها للأسطول الخامس الأمريكي ولضعف تماسكها الاجتماعي وكذلك ضعف بنائها السياسي بالنسبة للشمال والجنوب وضعف قدرة الجيش في أن يلعب دورا حاسما دون مراهنة على تقسيم اليمن مرة أخرى، فالمتغيرات الداخلية كالمعطيات الخارجية لا توحي بإمكانية وجود تأثير بطريقة الدومينو، بل انتقال غير متساوي للهزات الارتدادية وحدها. *هل ما يحدث في المنطقة هو تنفيذ لمخطط الشرق الأوسط الجديد؟ إن مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي دعت إليه أمريكا، يقوم على مبدأ إعادة بناء المنطقة العربية بما يضمن وجود وبقاء الكيان الصهيوني، هو نظام يريد تمييع المنطقة من أجل تأمين إسرائيل، حيث يدعو إلى إقامة إصلاحات داخل هذه الدول ودمقرطة كل الأنظمة المعنية بما يضمن احتواءها بالنظر إلى الرهانات التي تعرفها المنطقة و الثروات الطبيعية التي تزخر بها. وبالنظر إلى المعطيات المتوفرة، فإنه لا توجد أي علاقة أو تعمد لما يحدث في المنطقة فهي حركات اجتماعية تم تبنيها من طرف المعارضة بهدف تغيير الأنظمة السياسية وما حدث في تونس ومصر هو تحرير لإرادات مواطنة للوصول إلى حكم ديمقراطي، ويبقى أنه من الطبيعي أن تستغل الدول الكبرى هذه المعطيات والتطورات التي تعرفها المنطقة لخدمة مصالحها وبالتالي من الخطأ أن نقول لا توجد رهانات أجنبية والعكس كذلك غير معقول.