القرار الذي اتّخذه مجلس الأمن بالأغلبية لفرض الحظر الجوي على ليبيا تحوّل إلى أداة للقيام بحرب على هذا البلد. حرب تم تبريرها بعناوين إنسانية، وهي سابقة سوف تتيح في المستقبل للدول الغربية قلب الأنظمة متى توفر عامل التمرد على النظام الرسمي، وفي الوقت الذي تتعفّن فيه الأوضاع في ليبيا، وحتى في اليمن والبحرين، يجري الحديث عن لقاءات سرية ماراطونية عقدها على أعلى مستوى بين الرئيس بوتفليقة ومسؤولين عن المؤسسات الدستورية الكبرى في إطار التحضير لقرارات توصف بالهامة تتعلق بإصلاحات سياسية ودستورية عميقة. لا يزال الوضع في ليبيا يسيطر على اهتمامات وسائل الإعلام، فاستمرار الحرب بين نظام العقيد معمر القذافي والمعارضة المسلحة، أثار قضايا أخرى إنسانية وأمنية ودبلوماسية، قضايا لن ينحصر تأثيرها علي ليبيا فحسب، بل سوف يمتد إلى العديد من الدول في المنطقة، بما في ذلك الجزائر التي عبّرت عن تحفظها على مستوى الجامعة العربية بشأن مسألة فرض منطقة حظر جوي فوق التراب الليبي، من منطلق قناعتها بأن هذا القرار سوف يتيح التدخل العسكري ضد ليبيا، بل قد يتحوّل إلى مصوغ للاعتداء على ليبيا وضرب جيشها ومقدراتها، ولها في التجربة العراقية مثال حي، فالتدخل الدولي الذي قيل أنه بهدف جلب الديمقراطية إلى العراق وتخليص الشعب العراقي من »دكتاتورية صدام« تحوّل إلى احتلال دامي للعراق، احتلال قتل أكثر من مليون عراقي، وأعاد العراق إلى العصور الحجرية، ولم يجلب الحضارة ولا هم يحزنون، بل جلب نظاما يقتل ويعذب لا يقل دكتاتورية عن نظام صدام، مع فارق أن نظام صدام كان يوفّر الأمن لشعبه، وجلب الطائفية والانقسام لبلد الرافدين الذي لا يزال يواجه مصيره المظلم والدامي إلى حد الآن. لقد تبنى مجلس الأمن الدولي بالأغلبية قرار يقضي بفرض حظر جوي على الجماهيرية، وتجاوز مجلس الأمن الدولي قرارات الجامعية العربية ليطالب بضرورة استعمال كل ما من شأنه وقف نظام القذافي، بحيث طالب القرار الدول الأعضاء بضرورة تجميد كل الأصول المالية الليبية، وبمعنى آخر فإن مجلس الأمن تحوّل إلى أداة لفرض منطق الحرب الذي قرّره الكبار، وفي مقدمتهم الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وفرنسا، على جميع أعضاء الأممالمتحدة، ليجد نظام القذافي نفسه قد خسر آخر معاقله الدبلوماسية، وهو مجلس الأمن الدولي بعدما خسر الجامعة العربية وقبلها الاتحاد الأوربي. فالذي تتبع الخطاب الناري الذي ألقاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشأن العراق يفهم جيّدا بأن أمريكا إنما كانت تحضر لحرب ضد ليبيا، والقول بأن القذافي قد يعود إلى دعم الإرهاب الدولي في حال تمكن من القضاء على المعارضة المسلحة يعني فيما يعنيه بأن أمريكا ومن ورائها الدول الغربية خاصة فرنسا، قد حسمت أمرها وقررت دون رجعة القضاء على نظام العقيد معمر القذافي، ولو تطلب ذلك حرق ليبيا بمن فيها، ورغم إعلان أمين اللجنة الشعبية للاتصال الخارجي )وزير الخارجية( موسى كوسا عن قرار يقض بوقف إطلاق النار وتجميد العمليات العسكرية في كامل ليبيا، وتأكيده بأن طرابلس سوف تتعامل بايجابية مع قرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بفرض الحظر الجوي على ليبيا، رغم ذلك، تواصل التهديد بتوجيه ضربات استباقية ضد الجيش الليبي بغرض فك الحصار المضروب على بعض المدن التي لا زال يسيطر عليها معارضو القذافي. ويبدو من خلال الاتفاق بين رئيس الحكومة البريطاني، كامرون الرئيس الفرنسي ساركوزي والرئيس الأمريكي أوباما على تنسيق العمل لفرض الحظر الجوي أن هناك خطة عسكرية ثلاثية محكمة لتوجيه ضربات جوية، وربما بحرية أيضا، تكون قاتلة ضد وحدات الجيش الليبي من أجل قلب الكفة لصالح المعارضة المسلحة. لقد اقتنعت الجزائر منذ البداية بأن السيناريو الذي أحاط بالحالة الليبية قد يتكرر في أي دولة من الدول العربية والإسلامية متى أبدى أي نظام استماتته في رفض التحول أو واجه دعاة التغيير بالقوة، فالتغيير تحوّل إلى تيار كاسح ترعاه الدول الغربية خاصة أمريكا وفرنسا وبريطانيا، وما حصل في ليبيا قد يتحوّل إلى سابقة، علما أن القرار الذي تبنّاه مجلس الأمن بشأن ليبيا يتعارض مع القانون الدولي، على اعتبار أن ما يحدث في ليبيا هو حرب أهلية وليست شكلا من أشكال الحروب التي قد تقوم بين دولة وأخرى يمكن أن تخلق وضعا يهدد السلام والأمن العالميين. ويبدو أن التصريحات التي أطلقتها وزيرة الخارجية الأمريكية عبر القناة التونسية »نسمة تي في« والتي أكدت فيها بأن رفع حالة الطوارئ مهم لكنه غير كافي، يخفي نوايا أخرى طالما أخفتها الإدارة الأمريكية في تعاملها مع الجزائر. فمسؤولة الدبلوماسية الأمريكية، استعملت هذه المرة لهجة فيها نوع من التحريض، لهجة تختلف جذريا عن تلك التي استعملها السفير البريطاني في الجزائر الذي أكد بأن رفع حالة الطوارئ يذهب في اتجاه الاستجابة لتطلعات الجزائريين. وما من شك أن السلطة في الجزائر تدرك جيّدا بأن مطالب التغيير ليست داخلية بالقدر كونها خارجية أو مدعومة من دول الغرب وعلى رأسها أمريكا، فما تقوله كلينتون اليوم سوف تتلقفه غدا أفواه بعض رموز المعارضة النائمة المتواجدة ببعض العواصمالغربية التي بدأت من الآن تلوح بملفات المأساة الوطنية، فهذه المعارضة التي تطبخ على نار هادئة في بعض المخابر الخارجية هي التي تخيف وليست المعارضة الوطنية ممثلة في الأرسيدي أو الأفافاس أو حتى بعض التيارات الإسلامية التي لا تبدي في الوقت الحالي أي استعداد لإدخال البلاد في دوامة العنف، حتى وإن حاول حزب سعيد سعدي عبر وقفات السبت إحراج السلطات وإرغامها على رفع الحظر عن المسيرات في العاصمة. لقد كشفت مصادر إعلامية مؤخرا عن إشراف الرئيس بوتفليقة على اجتماع طارئ ضم رؤساء أهم المؤسسات الدستورية في البلاد، خصص لمناقشة جملة من الإصلاحات السياسية والقرارات الهامة من بينها تعديل الدستور وحل البرلمان، وجرى الحديث فيما بعد عن بعض التفاصيل، منها إمكانية تبني المطلب القديم الجديد لأهم أوجه المعارضة في البلاد، أي الأفافاس وحزب العمال والمتمثل في إنشاء مجلس تأسيسي يقوم بمهمة اقتراح مشروع دستور جديد وحكومة انتقالية، يسبقه حل البرلمان. ويعتقد الكثير من المراقبين أن القبول بفكرة المجلس التأسيسي أمر مستبعد لاعتبارات كثيرة، فالمجلس الدستوري يعني فيما يعنيه مسح كل ما تم بناؤه سياسيا منذ الاستقلال، والتخلي عن الشرعية الثورية لصالح شرعية جديدة تنشا عبر دستور يتم تبنيه بتوافق مختلف القوى السياسية في البلاد، وأما قضية حل البرلمان، وإن كانت مطروحة بقوة في حال أخذت الأمور منحى آخر، فإنها تبقى غير محبذة من قبل التحالف الرئاسي مخافة من أن يؤثر قرار من هذا النوع على الاستقرار السياسي والمؤسساتي الذي تحقق بشق الأنفس خلال السنوات الأخيرة. الإصلاحات التي قد يكشف عنها الرئيس بوتفليقة نهاية الأسبوع المقبل والتي تأتي بعد تصويت البرلمان على قانون رفع حالبة الطوارئ، وفي وقت اشتد فيه النقاش حول مشروع القانون البلدي، تأتي في أطار معطيات إقليمية قد تحتم على السلطة الذهاب إلى خيارات قد تكون غير متوقعة أو محبذة من قبل أحزاب التحالف الرئاسي، ففي الجار الغربي الذي يتخوف نظامه كثيرا من تسونامي الاحتجاجات أعلن ملكه محمد السادس في خطابه مؤخرا عن تعديلات دستورية عميقة توسع من صلاحيات الوزير الأول وتجعل منه رأس الجهاز التنفيذي وصاحب القرار الأول والأخير فيما يتصل بتنفيذ برنامج هو الذي يقترحه وليس الملك، ليقترب بذلك من الملكية الدستورية، خيار قد يكون ذكيا في بلد ليس بمقدوره توفير المال لإسكات الأفواه الجائعة أو بعث المشاريع التنموية لإسكات البطالين، إلا أن هذا الخيار لن يفيد الرباط في مساعيها الهادفة إلى تكريس احتلال الصحراء الغربية وكل ما قاله السفير عمر هلال، ممثل المغرب الدائم لدى مكتب الأممالمتحدة لحقوق الإنسان بجينيف في هجومه على الجزائر واتهاماته لها، ليس إلا محاولات فاشلة من نظام المخزن هدفها التستر على الجرائم التي ترتكب بحق الشعب الصحراوي الأعزل بالأراضي المحتلة.