مع بروز مؤشرات الإصلاح السياسي في البلاد، وظهور بوادر انتعاشه، سارعت العديد من الإطارات السياسية سواء تلك التي انشقت عن أحزابها في وقت سابق، أو تلك التي تشعر بالإقصاء والتهميش داخل هياكل أحزابها، إلى التحضير لإطلاق أحزاب سياسية أو مبادرات في سياق التحضر لإنشاء أحزاب أو تنظيمات سياسية جديدة، مما يعني أن الخارطة السياسية التقليدية مرشحة لتغيرات قد تنعش المشهد السياسي وقد تقلب الموازين استعدادا للاستحقاقات القادمة. تعيش العديد من التشكيلات السياسية المعتمدة هذه الأيام على وقع هزات تنظيمية وسياسية، من المتوقع أن تفضي إلى انشطار بعض التشكيلات إلى نصفين، وظهور تشكيلات جديدة لشخصيات سياسية غابت عن المشهد، ولعل رياح الانفتاح التي هبت على الساحة السياسية منذ دخول دول الجوار في مراحل جديدة من البناء المؤسساتي والهيكلي إثر ما سمي بثورات الديمقراطية، وإعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عزمه إجراء إصلاحات سياسية ستكون تتويجا لتلك الورشات التي باشرها في قطاعات التربية والعدالة...، قد دفعت بالحراك السياسي مؤخرا إلى الواجهة، من خلال سعي العديد من الإطارات المنتسبة إلى أحزاب تقليدية تشعر بالإقصاء والتهميش إلى التحضير لمشاريع تنظيمية وسياسية. في هذا السياق سارعت مجموعة الإطارات التي انفصلت عن حركة مجتمع السلم، إلى الإعلان عن حزب سياسي جديد سمي »جبهة التغيير الوطني«، في حين قررت نفس المجموعة الإبقاء على »حركة الدعوة والتغيير« كجمعية تنشط تحت لواء المولود الجديد، ويعتقد أصحاب المبادرة أن الأجواء السياسية والظروف التي تمر بها البلاد تفرض التحضير والاستعداد للمرحلة المقبلة. ويراهن إطارات الحزب الجديد الذي يتخذ من الإسلام مرجعية فكرية وسياسية له ومن المبادئ التي كرسها الراحل محفوظ نحناح منهجا للعمل السياسي، على استمالة قيادات وإطارات محلية من حركة مجتمع السلم، حيث تقول المعلومات المتوفرة أن قيادة الحزب الجديد باشرت اتصالات مع بعض إطارات حمس من أجل إقناعهم بالالتحاق، وتؤكد نفس المعلومات أن قيادة حمس تعيش حالة طوارئ استعدادا للتصدي لنزيف محتمل، وقد بدا ذلك واضحا من خلال التغير المفاجئ في خطاب رئيس الحركة أبو جرة سلطاني الذي اتسم بحدة ملفتة للانتباه في الآونة الأخيرة. من جهتها حركة الإصلاح الوطني التي شهدت عام 2003 عملية تنظيمية أفضت إلى إقصاء مؤسسها عبد الله جاب الله من هياكل الحركة إثر انشقاق مجموعة من النواب، ما لبثت أن واجهت نفس السيناريو حين أبعد رئيسها الجديد آنذاك محمد بولحية، وتم ترشيح جهيد يونسي لرئاسيات 2009، وتعيين جمال بن عبد السلام أمينا عاما، تعيش اليوم على وقع غليان جديد يقوده أعضاء مجلس الشورى، حيث استقال رئيس المجلس جمال صوالح وتم الإعلان أول أمس، عن تركيبة قيادية جديدة عاد بموجبها الرئيس السابق محمد بولحية إلى منصبه في حين تم تعين ميلود قادري أمينا عاما، إلا أن القيادي جهيد يونسي في اتصال معه، أمس، قال »إن الحركة بصدد إصدار بيان لتكذيب ما حصل، وتوضيح حقيقة الأمور«. لكن مهما ما يكن من أمر، يبقى الثابت الوحيد هو أن حركة الإصلاح تشهد هزات تنظيمية قد تغير تركيبتها جملة وتفصيلا خاصة وأن القيادة الجديدة لا ترى مانعا في إعادة المؤسس عبد الله جاب الله وأنصاره إلى هياكل الحزب ضمن رؤية جديدة. وبعيدا عن الإسلاميين، يواجه التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الذي يتزعمه سعيد سعدي، متاعب عدة، لعل أبرزها فشله في خرجاته الميدانية الداعية للتغيير وظهور الحزب في ثوبه البائس، غير القادر على تجنيد الشارع وكسب تأييد المواطنين حول مطالبه، وتداعيات هذا الفشل على ما تبقى للحزب من مناضلين، أما المتاعب الأخرى التي تقلق سعدي إلى درجة كبيرة، هي تلك المساعي التي باشرها قياديون استقالوا تحت ضغط رئيس الحزب، إلى إعادة تنظيم صفوف المناضلين من أجل استرجاع الحزب من قبضة سعدي الذي يقبع على رأسه منذ 20 سنة. من ناحية أخرى تتحرك شخصيات سياسية وجدت نفسها بعيدة عن المشهد منذ نهاية التسعينيات، من أجل التحضير لتأسيس أحزاب تحسبا لتغيير مرتقب، ومن هذا المنظور من المتوقع أن تعرف الخارطة السياسية التقليدية تغيرات، في حين تبقى الاستحقاقات الانتخابية وحدها القادرة على فرز المشهد وتصنيفه وفق المعايير الجديدة التي فرضتها التحولات الجارية في المجتمع.